باب الحارة : إذ يقفل أبوابه فهل نقفل عقولنا .. بقلم خالد عياصرة
تهب في رمضان رياح عاصفة من المسلسلات العربية،وهذه كما تلك في قوتها وشدتها لا تبقي ولا تذر،تصيبك الحيرة وتنصب شباكها فلا تدري إلى أي منها تذهب ..
ما هو المسلسل الذي تفضل متابعته ، والى أين تتواري منها وعنها ، كونها باتت مكتوبة عليك عزيزي القارئ المسكين رغماً عنك أكنت البيت ،أو العمل ، أو المقاهي ، أو الجلسات ،أو الأسواق في كل مكان وزمان تلاحقك بلا استئذان ، فإن لم تكُ من متابعها فأنت غريب الأطوار في نظر مدمنيها ..
فإذا كان الفخر الذي ينخر الفكر والجمال الذي يهز الكيان يصيبك بنوع من الإحباط عندما تجالس نفسك برفقة فنجان قهوة ، تسيطر عليك شياطين الأفكار ويحق لك أن تسل برفق ناعم عن سر هذه المسلسلات التي ترفض ويرفض كتبتها البوح برسالتها ..
من الأهمية بمكان البحث عن العامل المشترك بين هذه المسلسلات كون جلها يقوم على ذكاء وإتقان للسبك ، واستخدام مقعر للتاريخ بمساندة لغة بيضاء ،أو من خلال إسقاط واقع مر على ماضي أمر لا يغني ولا يسمن من جوع ، بمقابل نسيان حاضر وبالتالي مستقبل منتظر ، هذا بطبيعة الحال مخالف للطبيعة التي تفرض علينا القيام بعكس ذلك ..
أبطال فرسان لا يشق لهم غبار ، أفكار ، وخطط ، ومعارك شيمتها الانتصار أو تبحث عنه ، أسلحة مشرعة دوماً فوق رؤوس الأعداء ، حلول ترضي كافة الأطرف بعد مط في الإحداث ، نساء " كلاسيكيات " بألف رجل اختصرن نساء الأرض ، نساء القرن الحادي والعشرين باعتبارهن متمردات على ألزواجهن ومجتمعهن لا يقبلن شي إلا إن كان خارجاً من أعماق أفكارهن ، على العكس من نساء الحارة والبادية والقرية في القرون الغابرة التي تقابل الإساءة بحسنة نحو" تئبرني ابن عمي ، يومي ابل يومك (…) ، وكأن عجلة التاريخ توقفت عند ذك الزمن " الجميل !!!" مع انه وسم بالتخاذل والجبن ، سلمت به أوطاننا وأحلامنا ..
من الغريب أن نجد كتابنا يودون العودة إليه لا حباً بالماضي ، بل كرهاً بالحاضر الذي يضعهم أمام مسؤولياتهم وهروباً منه ومن مشاكل تصاغروا عن إيجاد حلاً لها ..
رجالات معاصرين بأثواب تاريخية كان لهم على ذمة التاريخ صفات تنم عن الشجاعة والنبالة والشهامة والدهاء والكياسة والسياسة وفي بعض الأحيان تياسه ، فهم " رجال الحارة " وأهل الراية، ونشامى المرقاب ، وجنود أكتوبر الآخر ، ونصابين ولصوص العار ، وجنود دايتون في أنا القدس ، أبطال يشبهون آلهة سومرية أسطورية" نصفها الإلهي وأخر بشري" قبائل ، ومدن ، وقرى ، وبوادي كما الجمهورية الفاضلة أعيد ابتعاثها من جديد من ركام أفلاطون ، لا يمكن هزيمتها أو الانتصار عليها ، مثاليون عباقرة أقوياء جهابذة ساكنوها ..
تأخذاك الإحداث تعايشها بشكل يومي على مدار ثلاثون حلقة،لتصل في النهاية إلى حبكة رومانسية لا حل لها ، يحيلها الكاتب والممثلون إلى المتابع والمتابع بدوره يحيلها لخيالة ، باعتبار أن المعنى والمبنى والعقدة والحل كلها وجميعها وجلها في بطن الكاتب ، يتمنى المتابع على أثرها العودة إلى ماض ٍ الزمن الجميل من خلال اعجابة بأسلوب الكاتب الطوباوي ، بمقابل وائد الحاضر ، كون التفكير به وفق كتابنا وممثلينا وحكوماتنا ووزرائنا ونوابنا وأعياننا ممنوع لا يتوجب تعاطيه فهو كما الهيروين والأفيون يعاقب عليه القانون ..
المتابع يجدها إي " المسلسلات " تحمل الكثير من البطولة التي تشعرك بفخر شبيه بليلة الدخلة،يمتد لك منذ مئات السنين ويصل حيث أنت ، لتقل أن الأمة " لسه بألف خير " هذا هو حال مسلسلات من نوع باب الحارة وأهل الراية وأكتوبر الأخر ، وذكره جسد وصبايا والعار ، والصندوق الأسود وزهرة ومصايبها الخمسة ،(……) وغيرها مما تزخر به شاشاتنا العربية التي نفتنا عن سبق إصرار وترصد"وراء الشمس"لتصيبنا بشي من تلوث ضوضائي نظري قادنا إلى سقوط للخلافة والأخلاق والمبادئ والقيم والعادات والتقاليد.
وفي عين السياق نجد أن الكثير من متابعي المسلسلات لا يتسمرون إمامها إلا لمتابعة ملائكة أحلامهم من الفنانين والفنانات لتكن بمثابة مقدمة لسهرة حمراء في المساء !!!
هذا الأمر يقودنا إلى القول : إن كان تاريخنا العربي كما تصوره لنا هذه الأعمال ، يزخر بمئات من قصص الإبطال،يا ترى لما خسرنا أرضنا العربية وأنفسنا معها التي تغط في غبرة وجهل وخنوع وجبن ياس وانهزام ، إن كان لدينا إبطال من أمثال هؤلاء التاريخيين المتحجرين،لماذا جبنا عن إطلاق طلقة واحدة باتجاه أرضنا المحتلة في مشارق الأرض ومغاربها،لماذا لم نشهد أصوتاً بعيداً عن تنظير السطو والسرقة باعتبارها رجولة وقوة،لما اختصارنا تاريخنا بمقارعة النساء والكؤوس،لماذا لم يسرقوا فلسطين إلى ألان من يد اليهود،لما لم نشهد بطلا عربيا يقوم بسرقة وثائق أو خطط حروب أو مشاريع صواريخ صهيونية،لماذا لم يقارعوا الأعداء بدل النساء ..
آه …آه …آه على أمة تحول تاريخها إلى زور يكتب على شكل سيناريت ، واه على تاريخ ينظر إلى الوراء وينكب عليه وينكر واقع انهزامي أني ، ومستقبل لا يعرف فحواه ..
وبعد كل هذا نعود من جديد نسل أنفسنا قبل الآخرين لما ضاعت فلسطين والعراق ولم نستطيع إلى ألان تحرير حجر واحد وشجرة واحدة ومسجد واحد وكنيسة واحدة من براثين المحتل المغتصب،وقبل هذا وذك لما عجزنا عن تحرير أنفسنا الانهزامية الفردانية الأنانية،لماذا تجرعنا النكبة،وشربنا النكسة،ورفضنا الهزيمة،بل تطور الأمر إلى أكثر من ذلك في بغداد فباتت " فكسه " بطعم الهزيمة ونكهتها ..
إذن لابد من القول في الختام تبا لنا من أمه بلهاء،خرساء،جاحدة،ذليلة،جبانة ،"اونطة " تحول دينها من دين محمد إلى دين مهند على رأي الإعلامي الفذ حمدي قنديل …. الله يرحمنا برحمته وسلام على أردننا ورحمة ..
كل أهل الحارة أشراف متل ماشفنا أم كلثوم ياريت ذكرو لمحة عن شارع البدوي في تلك الأيام لأصبح المسلسل ( للكبار فقط )