يديعوت :هذه ليست الصفعة الاولى التي تتلقاها اسرائيل ،ولم يكن لهـا أي أمل في منع الصفقة !
صفقة الصواريخ الجوالة الروسية لسوريا تنفذ منذ الآن ، هذه الايام بالذات تبدأ بالوصول الى سورية العناصر الاولية للصفقة ، التي تتضمن حسب مصدر اجنبي عشرات من الصواريخ الجوالة من طراز ياخونت
الروس لم يعودوا منذ زمن بعيد يوزعون الهدايا …و من لا يدفع لا يحصل …عندما حاول وزير الدفاع ايهود باراك أن ينتزع من بوتين تأخيرا أخيراً للصفقة، أجابه رئيس الوزراء الروسي: ‘لا يوجد ما يمكن البحث فيه. فقد دفع الثمن’. وبالفعل، ما إن وصلت وثائق الالتزامات المالية السورية وزارة الدفاع الروسية حتى انطلقت الارساليات على الدرب.
يدور الحديث عن صواريخ جوالة تعتبر صواريخ بحر بحر لمدى 300 كيلومتر وهي تحمل إما على السفن أو على الطائرات. ليست لدى السوريين قدرة على تركيب هذه الصواريخ على سفن أو طائرات، ولهذا فانهم يحصلون على الطراز الذي عدل ليطلق من الشاطىء نحو أهداف في البحر. وبزعم خبراء غربيين، فان الروس يبيعون للسوريين طرازا متطوراً أكثر من ذلك ويمكن اطلاقه نحو أهداف برية أيضا.
مهما يكن من أمر، فان هذه الصواريخ من شأنها أن تعرض للخطر كل سفينة اسرائيلية تنطلق في المستقبل القريب من ميناء حيفا. وحسب التجربة المتراكمة في اسرائيل فان كل سلاح يصل الى السوريين سيصل ايضا الى حزب الله، بحيث أنه في المستقبل ستصل هذه الصواريخ ايضا الى شواطىء لبنان، فتعرض للخطر حتى السفن التي تدخل وتخرج من ميناء اسدود.
في اسرائيل هكذا حسب العناوين الرئيسية، كان نبأ صفقة السلاح الروسية السورية مفاجئا، بإهانة، بل كان هناك بعض الاذكياء في القدس ممن هددوا الروس بـ ‘عقاب’ اسرائيلي. غير ان ردود الفعل الهستيرية هذه سخيفة، إن لم تكن خطيرة؛ وذلك لأنه اذا كانت هناك صفقة عسكرية لم تفاجأ بها اسرائيل، فهي هذه الصفقة. على مدى نحو ثلاث سنوات دار حوار سري بين اسرائيل وروسيا في محاولة لاقناع الروس بالنزول عن هذه القصة.
الصفقة نفسها وقعت بين 2006 و 2007 وسرعان ما اكتشفت أمرها اجهزة الاستخبارات الغربية، ولم تمر أشهر كثيرة على توقيع الاتفاق حتى امتثل في وزارة الدفاع الروسية ممثلون امريكيون واسرائيليون لطرح ادعاءاتهم هناك. هؤلاء واولئك على حد سواء حاولوا اقناع الروس بأن هذا سلاح هجومي من شأنه أن يسرع سباق التسلح في الشرق الأوسط. والاسوأ من ذلك فمثل هذا السلاح الذي سينتقل الى حزب الله، من شأنه ان يصبح سلاحا ارهابيا بكل معنى الكلمة.
ضفدع أمريكي
على مدى ثلاث سنوات سمع الروس المرة تلو الاخرى هذه الادعاءات من جهات اسرائيلية مختلفة: بدءاً من المحافل المهنية في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية، عبر وزراء الدفاع ووزراء الخارجية، وانتهاء برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي زار موسكو قبل بضعة أشهر. آخر من طرح هذا الموضوع كان وزير الدفاع ايهود باراك، الذي زار قبل نحو اسبوعين موسكو ووقع على مذكرة تفاهم أمنية بين الدولتين.
عندما طرح باراك موضوع تأخير صفقة الصواريخ الجوالة لسورية سمع من الروس ذات الجواب الذي تلقته كل المحافل الغربية التي عنيت بهذه المسألة في السنوات الثلاث الاخيرة: ‘لا يوجد ما يمكن الحديث فيه. الصفقة ستتم’. وأصر الروس ولا يزالون يصرون على ان هذا صاروخ جوال دفاعي، يشكل جزءا من رزمة وسائل قتالية دفاعية اشترتها سورية من الصناعات الامنية الروسية. وتتضمن الرزمة ايضا صواريخ مضادة للطائرات متطورة، وصواريخ مضادة للدبابات متطورة هي الاخرى وصواريخ مضادة للسفن.
الروس ليسوا مجرد عنيدين، بل إنهم يدعون الشعور بالاهانة: فهل يعقل أن ينقل السلاح الذي يبيعونه لدولة صديقة الى جهة ثالثة دون علمهم او موافقتهم؟ لا يوجد شيء كهذا. نحن لسنا دولة عالم ثالث. لدينا قوانين تصدير متشددة جدا، كما يشرحون، وتوجد لدينا رقابة وثيقة على كل مبيعات السلاح.
وحتى عندما عرضت عليهم وثائق من غنائم حرب لبنان الثانية واثبت لهم، أسود على ابيض، بان الصواريخ المتطورة المضادة للدبابات من طراز ‘كونرات’ التي باعوها للسوريين وصلت مباشرة الى لبنان حتى دون أن تمر بدمشق لم يتشوش الروس. بزعمهم، فحصوا الوثائق وتوصلوا الى الاستنتاج بأن فيها مغالطات عديدة.
حتى عندما يسألون عن تسريب السلاح من سورية الى حزب الله، مثل صواريخ سكاد، فلا تجدهم قلقين جدا. صواريخ سكاد هذه، كما يدعون في موسكو، ليست من انتاج روسي، ويدور الحديث بشكل عام عن كميات هامشية لا تستحق الاهتمام.
ويتعاطى الروس بشك مع الادعاء الاسرائيلي بأن كل سلاح يوجد لدى الجيش السوري سيصل آجلا ام عاجلا الى حزب الله. أكثر راحة لهم أن يصدقوا بالرواية الروسية الرسمية، التي تدعي بأن الانباء عن تهريب السلاح من سورية الى لبنان ليست سوى دعاية اسرائيلية مدحوضة.
بالمناسبة، هذه ليست الصفعة الاولى التي تتلقاها اسرائيل في الاشهر الاخيرة من حليف أقدم أيضا. عندما دعي رئيس الوزراء نتنياهو أول مرة الى الرئيس اوباما في واشنطن، كانت على جدول الاعمال صفقة سلاح بحجم خيالي بمقدار 60 مليار دولار، تتضمن أفضل ترسانة السلاح الهجومي الامريكي، بين الولايات المتحدة والسعودية.
وحاول نتنياهو استخدام تكتيكات الضغط القديمة لوقف صفقات من هذا النوع من خلال أعضاء الكونغرس، الذين طلب اليهم العمل ضد الرئيس الامريكي لافشال الصفقة. وتميز اوباما غضبا، استدعى نتنياهو الى البيت الابيض وأفاض عليه: كيف يتجرأ رئيس وزراء اسرائيلي على العمل ضد الرئيس من خلال الكونغرس لمنع صفقة بمثل هذا الحجم، يفترض بها ان تغطي حقنة انعاش أخرى لصناعة السلاح والاقتصاد الامريكي؟ المحاولة الاسرائيلية لمنع صفقة جيدة بهذا الشكل أخطر في نظر اوباما أكثر من توسيع البناء في المستوطنات.
وبالفعل، الصفقة الامريكية السعودية انطلقت على الدرب كما كان مخططا، مع تعهد أمريكي بازالة قدرات معينة من بعض منظومات السلاح التي ضمن الصفقة. في اسرائيل ابتلعوا هذا الضفدع دون أن ترمش لهم عين. لم يهددوا الامريكيين بل حتى لم يعلنوا عن اهانة وطنية وعن خيانة لحليف قديم.
فوفوكن لم يشعر بالاهانة
قبل نحو شهرين زار اسرائيل نائب وزير الدفاع الروسي، فلادمير فوفوكين. واستقبل الضيف هنا بكل الاحترام المناسب. واهتم فوفوكن جدا بالتعاون الصناعي الأمني مع اسرائيل. ووضع عينه، مثلا ، على الطائرة بدون طيار الضخمة ‘ايتان’. أراد جدا التعاون في مجال الأقمار الصناعية. يتبين أن اسرائيل يمكنها ان تعرض على القوة العظمى الفضائية مثل روسيا منظومات غير قادرة على انتاجها بقواها الذاتية، وهذا فقط جزء من البضاعة الاسرائيلية التي تجتذب الروس.
ولكن في اسرائيل اوضحوا لفوفوكن بكياسة وبروح طيبة، بالطبع أنه رغم اتفاقات الحفاظ على السرية في بيع المعدات العسكرية القائمة بين الدولتين، لا يمكن لاسرائيل ان تبيع لروسيا منظومات سلاح في مستوى تكنولوجي معين بسبب علاقات روسيا مع بعض من أعداء اسرائيل. ففوفوكن لم يشعر بالاهانة. ولم يظهر في أي صحيفة روسية عنوان عن الاهانة الروسية وعن الحاجة لمعاقبة اسرائيل.
عندما زار وزير الدفاع باراك موسكو وبعد ذلك قفز الى سوتشي على شاطىء البحر الاسود، لزيارة حميمية لدى رئيس الوزراء بوتين، اخذ الانطباع بأن السوق الامنية الروسية عطشى للتعاون مع الصناعات الامنية الاسرائيلية وبحجوم مليارات الدولارات. بوتين يجري اعادة تنظيم شاملة في الجيش الروسي، الذي من المتوقع ان يصغر بشكل دراماتيكي. مؤخرا فقط أقال 200 جنرال وعشرات آلاف الجنود والضباط يذهبون الى بيوتهم. مكانهم كما يؤمن بوتين يجب أن يأخذه تطوير للتكنولوجيات العسكرية والى هنا تدخل اسرائيل.
الروس يتحدثون علنا عن أنهم يريدون التعاون مع اسرائيل في كل مجال تكنولوجي تقريبا، بما في ذلك مجالات كتكنولوجيا الليزر لاغراض عسكرية وما شابه. ولا غرو أن صناعات السلاح الاسرائيلية تجلس لوزير الدفاع ومدير عام وزارته على الوريد: أن يعطيا الضوء الاخضر فقط. ولكن وزارة الدفاع لا تعطي حتى الان ضوءا اخضر رغم الاغراء المالي الهائل. بالمناسبة، بوتين أيضا لم يشعر بالاهانة. عند الحاجة، سيشتري هذه التكنولوجيات من مكان آخر.
الروس لن يتخلوا عن صفقة السلاح مع سورية. من ناحيتهم، سورية هي منطقة نفوذ حيوية، اهميتها آخذة فقط في الازدياد في ضوء التطرف الاصولي في مناطق النفوذ التقليدية لروسيا.
بعيون روسية، سورية العلمانية هي وتد متين نسبيا بالقياس الى دول في المنطقة تبث تطرفا اسلاميا، مثل ايران ومنطقة جنوب العراق. وينظر الروس بتخوف معين ايضا نحو ما يجري اليوم في تركيا. فضلا عن ذلك: خبراء عسكريون روس يرابطون في الجيش السوري، الميناء العسكري السوري في طرطوس يستخدمه الاسطول الروسي في البحر الاحمر، وهيئات الاستخبارات الروسية الكبيرة تعمل في سورية، بما في ذلك في محطات التنصت والانذار المبكر.
فضلا عن ذلك، فان سورية هي احدى الاوراق القوية التي تسمح لروسيا بطلب الشراكة الكاملة في السياقات السياسية في الشرق الاوسط. لا يوجد لقاء قمة واحد في السنوات الاخيرة بين الزعامة الاسرائيلية والروسية لا يطرح فيه اقتراح روسي للتوسط بين اسرائيل وسورية. وبالطبع، سورية هي ايضا مستهلك للسلاح الروسي، ولوبي الصناعة العسكرية الروسية يضغط للبيع من أجل ان يبقى على قيد الحياة.
لم يكن لاسرائيل منذ البداية أي أمل في منع الصفقة الروسية السورية. نموذج الضغوط الغربية التي نجحت في منع صفقة الصواريخ المضادة للطائرات بين روسيا وايران لا تشبه صفقة الصواريخ الجوالة. الروس قلقون مثل اسرائيل والولايات المتحدة من التقدم النووي الايراني، وهم شركاء في قرار مجلس الامن ضد طهران. ولكن هذا لم يمنعهم من اكمال بناء المفاعل في بوشهر، الذي يشكل بزعمهم مشروعا مدنيا بكل معنى الكلمة.
كما أن للروس مطالب من اسرائيل، فمثلا، طلبوا ان تكف اسرائيل عن بيع السلاح لدول الاتحاد السوفييتي السابقة، والتي من شأنها ان تعرض المصالح الروسية للخطر. في أعقاب ذلك قلصت اسرائيل حجم المبيعات لجورجيا، ولكن عندما طرحت مسألة بيع السلاح الى دولة أخرى على الحدود الروسية، وعرضت اسرائيل على روسيا قائمة صفقات السلاح مع تلك الدولة، فهم الروس أن ليس لديهم أي قدرة على فرض الفيتو. فقد استوعبوا ان الحديث يدور عن مصلحة اقتصادية سياسية اسرائيلية صرفة، كما انهم لم يسألوا ماذا سيكون اذا ما تسرب السلاح الاسرائيلي هذا الى جهات ارهابية اسلامية تعمل في منطقة القوقاز.
في كل ما يتعلق بترسانة السلاح الروسي، فان صاروخ ‘ياخونت’ لا يشكل ارتفاعا كبيرا في الدرجة. في مرحلة التخفيض، قبيل ضرب الهدف، يكون عرضة للضرب مثل أي صاروخ بحر بحر آخر، بحيث أن التكنولوجيات الموجودة اليوم في اساطيل الغرب المتقدمة قادرة على التصدي له بنجاح في معظمها. في صيغته البرية تجده قابلا للاصابة حتى من الباتريوت، بحيث ان الحديث لا يدور عن مفاجأة تكنولوجية استثنائية، والجلبة هي في اساسها سياسية. على اسرائيل ان تكون قلقة من أن سلاحا متقدما آخر دخل الى الترسانة السورية، وليس أكثر من ذلك.
ولكن ما يقلق اسرائيل حقا ليس سورية، بل حزب الله. في اسرائيل يربطون صفقة ياخونت بين روسيا وسورية بالمعادلة التي وضعها نصرالله فور حرب لبنان الثانية، ووجدت تعبيرا علنيا لها في السنة الاخيرة أساسا: معادلة التبادلية. وبالعبرية الابسط: العين بالعين والسن بالسن.
اذا ما ضربت اسرائيل مطار بيروت، حزب الله سيضرب مطار بن غوريون. اذا ما هاجمت اسرائيل حي الضاحية في بيروت سيطلق حزب الله الصواريخ نحو دار الحكومة في تل أبيب او المكاتب الحكومية في القدس. وكما أسلفنا بالنسبة لمحطات توليد الطاقة واهداف استراتيجية اخرى. يوجد اليوم لدى حزب الله القدرة على تنفيذ معادلة التبادلية في هذه المجالات.
‘الياخونت’ اذا ما وعندما يقع في يد حزب الله، يدخل بعدا آخر الى المعادلة: البعد البحري. اذا ما ضربتم موانىء لبنانية وفرضتم الحصار عليها؟ فان موانئكم ستكون مشلولة ايضا. وستحصلون على تمثيل لصواريخ جوالة تصل الى سفنكم القتالية بسرعة تبلغ ضعفي ونصف ضعف سرعة الصوت لتتفجر عليها بدقة.
وهذا ليس كل شيء. تقديرات الوضع لدى محافل الاستخبارات الاسرائيلية تعتقد أن دخول صواريخ شاطىء بحر لن يتوقف في الشواطىء اللبنانية. في نهاية المطاف ستصل الى شواطىء غزة.
اصداء الضحك الصاخبة التي اندلعت يوم الخميس الماضي في دمشق وصلت حتى القدس. من أضحك القيادة السورية كان المبعوث الامريكي الى المنطقة جورج ميتشل. فقد وصل الى سورية فور زيارة أحد كبار طاقمه فريد هوب الى هناك وكان لكليهما رسالة مشابهة للسوريين: استخدموا نفوذكم على حماس كي لا تعرقل المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وكان السوريون في حالة تسلية: ماذا يريد هؤلاء الاشخاص الغريبون؟ نحن، سورية، خارج المسيرة، والجميع يتجاهلنا والان يريدون منا ان نكبح جماح حماس؟ مقابل ماذا؟
التدخل السوري في بناء القوة العسكرية لحماس في السنة الاخيرة غير مسبوق، قدرات سورية تقف خلف ترسانة المنظمة الارهابية ومحافل الاستخبارات الامريكية تعرف ذلك. وفي هذه الاثناء في اسرائيل جد قلقون من امكانية ان تصل الصواريخ الجوالة او غيرها من صواريخ شاطىء بحر من دمشق الى قطاع غزة. اذا كانت صواريخ فجر 5، صواريخ مضادة للدبابات وعلى ما يبدو ايضا صواريخ كتف مضادة للطائرات وصلت للقطاع، فعندها كل شيء يمكن ان يدخل الى هناك من تحت أنفنا وأنف المصريين.
محافل الاستخبارات، سواء في اسرائيل او في الولايات المتحدة، تحطم الرأس: الى أين يتجه الرئيس الاسد؟ هناك جدالات لا نهاية لها ومدارس كثيرة، ولكن الصورة التي ترتسم هي أن الاسد، مثل نتنياهو، لم يقرر بعد ماذا يريد. في الصباح يلتقي ميتشل وفي المساء احمدي نجاد. يتحدث عن السلام ويدعم منظمات الارهاب. ينقل الى الادارة الامريكية رسائل مهدئة من خلال السيناتور جون كيري في الغداة يهاجم اسرائيل بشكل فظ.
هنا يدخل ‘الياخونت’ في الصورة وفي الصباح يمكن لهذا الصاروخ ان يكون صاروخا دفاعيا في خدمة الجيش السوري وفي المساء يمكنه ان يصبح سلاحا ارهابيا في يد حزب الله. لدى الاسد كل شيء يمكن ان يحصل. وعند شرح هذا للروس، يقولون: ‘أثبتوا’.