كم نحن بحاجة اليك يا أبا ذر الغفاري! بقلم د. صلاح عودة الله
لماذا يتخذ البعض من المسلمين التخلف ليكون شعارا لهم بل ملازمة لا تفارقهم؟, ألم يحن الوقت لمجاراة الأمم التي تمكنت من غزو الفضاء الخارجي, في الوقت الذي لا تزال فيه أمتنا الاسلامية غارقة في ظلام العصور الحجرية؟
, وهل شعار"خير أمة" هو ما سينقذ هذه الأمة ويخرجها من الظلمات الى النور؟. في الوقت الذي ينشغل فيه العالم المتحضر باكتشافاته واختراعاته وتطوره ورقيه, ينشغل علماء الأمة الاسلامية باصدار فتاويهم فاقدة اللون والطعم والنكهة, وما أكثرها من فتاوي..انها فتاوي تدل على مدى الانحطاط الذي وصلت اليه هذه الأمة ممثلة ببعض"علماء السلاطين".
لماذا كتب علينا أن نكون أمة اتخذت من الجهل عنوانا ومرجعية لها؟, وهل نفتخر بتخليد مشاهيرنا من خلال أقوال لهم تسخر منا أمثال أبو الطيب المتنبي الذي قال فينا"نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم"..مقولة أطلقها هذا المتنبي قبل ما يزيد عن عشرة قرون, وكأنه يقرأ في"فنجاننا"..لماذا نقوم بمهاجمة من نسميهم زورا وبهتانا بأنهم أعداء لنا ولمجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا, في الوقت الذي تعصف بنا حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ قرون خلت؟..ألم يحن الوقت لنصارح على الأقل أنفسنا ونقول بأننا لم نركب سفينة الحضارة والتقدم والتطور, بل فضلنا السير قدما في ركوب الحيوانات وخاصة الحمير منها؟..لماذا نعيب غيرنا وزماننا والعيب يحيط بنا من جميع الجهات, بل انه ينخر عظامنا, هذه العظام التي نخرها الغرب الذي لا نزال نأخذ منه سلبياته وأما ايجابياته, فهي محرمة علينا؟..ومتى سندرك بأن الانفلات في فتاوي الجهل والتخلف لن يلحق الأذى الا بأمة المليار ونصف المليار؟.
فتاوي غريبة وكثيرة لا تعد ولا تحصى يصدرها شيوخ الجهل والتكفير وهي معروفة ولا داعي للتطرق اليها في هذا المقال, ولكن لفتت نظري الفتوى التالية, فقد أصدرت دائرة الافتاء العام الأردنية فتوى تحرم على الشباب والفتيات ارتداء "بنطلونات الجينز" أو ما يسمى ب"الكاوبوي".
والسؤال الذي يطرح نفسه:لماذا يشغل- بمن يدعون أنهم علماء- أنفسهم باصدار هذه الفتاوي متجاهلين أمورا سلبية أعظم أهمية تعصف بمجتمعاتنا العربية والاسلامية من المحيط الى الخليج؟..ظواهر الفقر والجوع والبطالة وتدني مستوى التعليم والأمية وانتشار الأمراض والعنف المجتمعي بكافة أنواعه وخاصة الجامعي والأسري وغياب سلطة قانون الدولة وسط حضور ملموس وواضح للقانون العشائري القبلي المتخلف..الوضع الاقتصادي المتدهور وسياسة احتكارالسلع, وسيطرة المحسوبية والواسطة, اضافة الى سيطرة الطبقات الثرية على معظم مرافق الحياة على حساب الطبقات الفقيرة المعدومة الكادحة وهي الطبقات المنتجة في المجتمعات ولكنها مستعبدة.
الحاكم في بلادنا يستلم كرسي الحكم من المهد الى اللحد وحتى الى ما بعد الممات..الحاكم في بلادنا أمر من الله لا تجوز مناقشته أو حتى الاقتراب منه, فهو تماما كما هم الأنبياء والرسل المنزلين..الحاكم في بلادنا يصيبه مرض الخرف"التزهايمر" ولكنه يستمر في السيطرة على الشعب والجيش والاقتصاد, وكأن بيده ملكوت كل شيء.
حكامنا"سبحان خالقهم" لا يمرضون وان مرضوا فممنوع على شعوبهم معرفة حقيقة مرضهم, وان أصابهم أي مرض وان كان بسيطا جدا فتراهم يطيرون الى بلاد الغرب لتلقي العلاج, ولا يقتصر هذا الأمر عليهم فقط, فأولادهم وأحفادهم وحاشيتهم يتم علاجهم خارج بلادهم, فمستوى المستشفيات لا يليق بهم ولا يثقون بأطباء بلادهم.
حكامنا معصومون عن الخطأ مع أنهم يمثلون الخطأ بعينه, ولكن من يمتلك الجرأة ليحاسبهم؟, وان وجدت هذه الجرأة في شخص ما فستلحقه الى مثواه الأخير, والاقدام قتال.
بلادنا من المحيط الى الخليج مصابة بداء التخلف والرجعية وبدون استثناء..نلاحق ونهتم بالقشرة ونهمل اللب..بلادنا غنية بالنفط والغاز والمعادن ولكنها تستورد الوقود والغازات المكررة والمعادن الجاهزة..بلادنا مليئة بالأثرياء ولكنهم فقراء..يفتقرون الى العلم والثقافة والحضارة..أثرياؤنا يضيعون جل ما يملكون من ثروات في اقتناء الطائرات الخاصة المصنوعة حسب طلبهم الشخصي, ويمتلكون أكبر وأفخم الفنادق في العالم, ولكن في بلادنا يموت الأطفال من الجوع وتفتك بهم الأمراض لعدم توفر العلاج والامكانيات المالية..بلادنا تفتقر الى التأمين الصحي الحكومي, ومن ليس لديه القدرة على دفع نفقات العلاج فليذهب الى ستين جهنم.
أين علماء الأمة من كل ما ذكرت؟..أليس من الواجب أن يشغلوا أنفسهم في هذه الأمور المصيرية بدلا من أن يلتفتوا الى توافه الأمور؟..أين هم من الصحابي الجليل"أبو ذر الغفاري" أول اشتراكي في الاسلام حينما قال مقولته الشهيرة قبل أكثر من أربعة عشر قرنا:"عجبت لامرئ دخل بيته فلم يجد فيه ما يطعم عياله ولم يخرج للحاكم شاهراً سيفه".
أبو ذر الغفاري أعلن ونادى بالأشتراكية وامتلك نزعتها..وهو من أسس الفكر الأشتراكي في المجتمع الاسلامي..كانت نزعته واهدافه هي أغاثة الملهوف ورفع الظلم عن الفقراء المظلومين والنزول لعامة الشعب من المعوزين ليكونوا جزءً لايتجزأ منه..يأخذ من الأغنياء الذين يكنزون ثرواتهم على حساب الأغلبية والأكثرية من الفقراء ليسد بها حاجاتهم , تصعلك في سبيل القيم الانسانية النبيلة لاحقاق الحق وبث النظام الأشتراكي بين الناس حينها.
أبو ذر الغفاري يعتبر أول اشتراكي في التاريخ..نصير الضعفاء وعدو الظلم والقهر..هذا الصحابي الذي لم يأخذ حقه الذي يستحقه من دراسة تاريخه والتأسي بأفكاره..نسيه الضعفاء فتحكم فيهم السادة.
كم نحتاج أن نتأسي بأبي ذر الغفاري ومعارضته السلمية ولكن بصوت جهوري يصل صداه الي الجميع..والأهم للسلطة الظالمة التي تستأثر بالثروة وتحرم منها الشعب.
رحمك الله يا أبا ذر فما حاربت ضده وضحيت من أجله ومت وحيدا بسببه في صحراء جرداء مازال يسيطر علينا حتي اليوم, ومازال السادة يسأثرون دون شعوبهم بالسلطة والثروة..كم نحتاج من يسيرون علي دربك اليوم يا أباذر..كم نحتاج أن نتأسى بسيرتك العطرة, فهل يتعلم علماء الأمة.."علماء الجهل والتكفير..علماء السلاطين"؟..واليهم أقول, هل لبس"بنطال الجينز" هو سبب مشاكلنا؟, ارحمونا لعل الله يرحمكم.
بلادنا مليئة بأجهزة المخابرات وتنعدم فيها حرية التعبيرعن الرأي تماما كانعدام كل الحريات..بلادنا باختصار شديد ليست بلاد ونحن غرباء في أوطاننا.
وقفة للتأمل:"مشهد غريب وعجيب شهده شارع الوكالات في منطقة الصويفية في عمان مساء يوم الخميس الفائت امتد لأكثر من ثلاثة ساعات متتالية..المشهد يصف حالة الهيجان اللا أخلاقي الذي شهده الشارع نتيجة مشاجرة جماعية حصلت بين عدد كبير من المراهقين"..ويقول ناشر الخبر"طبيعة لباس الفتيات والشباب كان منحلا للغاية نتيجة غياب الرقابة الأمنية والقوانين الصارمة لمنع مثل هذا الفساد "غير الأخلاقي" الذي أصبح يهدد أمننا الاجتماعي والقومي والأخلاقي والديني"..وبدوري أقول, أستحلفكم بالله, هل يوجد فساد أخلاقي, ان كنت جاهلا فعلموني؟.