مفاوضات بدون طاولة بقلم كرم عبدالمحسن
لعل من السذاجة الاستمرار بتكرار السؤال حول جدية المفاوضات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل , ومدى قدرتها على تثبيت رؤيةٍ وإن قاصرة لواقع الدولة الفلسطينية المأمولة وموجبات قيامها , وحتى إن استمر طرح هذا السؤال من قبل الأطراف التي مانعت و
(تمنعت) لمبدأ هذه المفاوضات أو على الأقل لمسيرتها عبر تلك السنوات , فهذا لايتعدى كونه التزامٌ بتكتيكٍ أثبت فشل تعاطيه السلبي في فرملة الجموح الإسرائيلي في الاستفراد بالطرف المفاوض بالأصالة عن نفسه (وإن أنكر حقيقة الحال), ولكن مما لا شك فيه أن جمبع اللاعبين في ساحة الأزمة الشرق أوسطية قد توصلوا إلى نتيجةٍ مفادها أن البازار الأحادي قد اتخذ شكلاً مختلفاً عما بدأت به المفاوضات بواسطة قيادةٍ فلسطينيةٍ تاريخية كـ(ياسر عرفات) استطاعت استخدام الكاريزما الوطنية والتاريخ النضالي (المفترض) للتسويق لتنازلاتٍ تحرج الطرف الآخر أكثر مما تستدرجه من تنازلاتٍ مقابلة (أفقدها الطرف الأمركي من خلال دوره المرجح صفة الحقوق التاريخية). ولعل في بيان منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي والوحيد لسلطة محمود عباس )حول ضرورة الوقف (الجزئي)للاستيطان كشرط لاستمرار التفاوض ما يعطي دلالةً على شكل ومسار الاستحقاقات القادمة. ففي سابقةٍ عربيةٍ في تاريخ ما بعد الاعتدال وطرح خبار السلام كخيارٍ وحيدٍ في التعامل مع قضية العرب المؤرقة , لم تتردد لجنة المتابعة العربية لمبادرة السلام بالتلويح باللجوء إلى(بدائل)في حال عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تأمين متطلبات استمرار المفاوضات بالوقف الشامل للنشاط الاستيطاني . بل لقد زادت على ذلك بتحديد سقف زمني للجهد الأمريكي خلال شهرٍ واحد في سابقةٍ أخرى وذات دلالةٍ أيضاً على المسار الجديد . فإن لم يكن هذا الموقف يشير إلى استراتيجيةٍ عربيةٍ وفلسطينيةٍ جديدة في استجرار التنازلات المتقابلة (وهو ما لا يستحسن التعويل عليه) , فهو في هذه الحال يستبطن قناعةً بعدم قدرة الآلية المعتمدة حتى اللحظة في درء عواقب حالة اللاجدوى في التفاوض واستمرار السياسة الاسرائيلية في الحفاظ على وضعية التفاوض في غرفةٍ شباكها يطل على باحات الاستيطان وتغيير معالم الأرض والسكان وبشرعية الخشية العربية فبل الإسرائيلية من انفراط عقد التحالف الحكومي الاسرائيلي . وهنا تتظهر الأزمة بشكلها الفج منذ بداية عملية السلام , فاسرائيل لاتستطيع تقديم تنازلاتٍ تتعدى قيام سلطةٍ محليةٍ على تخومها لاتتجاوز الواقع البلدي والتنظيمي وتحت شروطٍ أمنيةٍ واقتصاديةٍ وديموغرافية (وهي الأهم)مع تحميلها أوزار الحلم الاسرائيلي في /ترانسفير/ فلسطيني جديد لعرب ال48 , في حين أن الجانب الفلسطيني والذي لم يألُ جهداً في التخلي عن أوراقه التفاوضية منذ بداية التفاوض وحتى لحظة إلقاء ليبرمان لخطابه في الأمم المتحدة, قد استقر أمره على واقع شحٍّ في التنازل المنتج بعد أن فقد التنازل العرفاتي المحرج قدرته على اللعب على وتر الرغبة الأمريكية الخجولة في الحسم مقابل تعنتٍ اسرائيلي يجد في (إيباك) وغيرها من مواقع صنع القرار الأمريكي سنداً في التملص من متطلبات استمرار التفاوض (على الأقل) . أي أن هذا الشح الفلسطيني قد أوقع المفاوضات في حالةٍ من التفاوض بدون طاولة مفاوضاتٍ يمكن تمرير التنازلات من تحتها لنجد أنفسنا أمام المرحلة ماقبل الأخيرة في نهاية أزمة اجترار العروض الاسرائيلية المحدودة ونحن نطل على تموضعاتٍ جديدة لقوى الشرق الأوسط لايعول عليها في حسم الأزمة الحالية بمقدار ما يخشى من عجزها عن التماهي مع حيثيات الأزمة المقبلة والتي لا يمكن إنكار أن الحرب من أهم تجلياتها وفي إطار معادلةٍ رياضيةٍ بسيطة .