ثقافة الازدحام و ازدحام الثقافة .. !!
الازدحام عندنا، ليس بالمرض المزمن كما يُوصف بل هو كداء الفالج،الذي قيل فيه ( داء الفالج لا تعالج ) هذا (المستشري ) أصاب مجتمعنا منذ عقود، وكأنه دخل ضمن ( تراث حلب القديمة ) و ممنوع من أي إلغاء أو ترميم وتعديل .
ولم يأبه هذا (الزحام ) لأي مسؤول الذي يتشّدق ويزبد و يسّوف ويتوعد بإلقاء الماضي وتخلفه في (سلة المحذوفات) ويفرش طريق مؤسسته بالورود و الرياحين . وبعد حين يكون السيد المسؤول قد ( تعـتـّق ) في إدارته وعرف من أين تؤكل القوانين و فك الشيفرة الخاصة بها، وبكبسة زر يقوم باستعادة محتويات سلة المحذوفات يقيناً منه بشعار ( يجب أن تبقى الأوضاع هكذا دون أي إصلاح و تقويم ، لأبقى أنا ) ومعها تستمر معاناة المواطنين .
وعندما نذكر كلمة "ازدحام" لا بد أن يتخيل كل مـنـّا مشهداً من المشاهد التي أصبحت اعتيادية في حياته اليومية وملازمة له أينما حل، فمن ازدحام الفرن وهو صاحب ابتكار فكرة "أطحش وادفش " إلى مؤسسات التموين ـ الرز والسكر ـ و من ثم إلى صاحب الفضل الكبير السيد ( باص ) الذي لا يستطيع أحد أن ينكر فضله في تفعيل الازدحام على مر العصور وحفاظه على هذا( التراث ) و تخليده للأجيال القادمة، ومهما قالوا و وعدوا و ( سوّفو ) فلا أظن أن يفلحوا في تغيير أي شيء ما لم يغيروا ما في أنفسهم، وما دامت المحسوبيات وتغليب المصلحة الخاصة على العامة في حالة تنامي و انتعاش مستمر .
ولا يقتصر الازدحام على المنشآت الخدمية، بل طال الجامعات التي ُتـعد أرقى المؤسسات في نشر العلم وتوجيه الآخرين نحو التقدم والحضارة و التي يجب أن تكون قدوة للجميع. ففي زيارة لنا لجامعة حلب رصدنا بالصور مشاهد مؤسفة عند نافذة استرجاع سلفة التعليم الموازي /25/ ألف ليرة للطلاب الذين لم يُقبل تسجيلهم، فكان المشهد عجيباً وغريباً وكان له وقع الصاعقة، حيث أعتلى عشرات الطلاب الجدران والسور الحديدي ناهيك عن المئات الذين قاموا بـ (التدفيش) و الكلام غير المهذب من هذا وذاك ومن الموظف الوحيد المفـّرغ لهذا الجمع الغفير . يا ترى ألم يؤثر هذا المشهد المتخلف بأي مسؤول مــّر من هناك ؟
هذه حالة ثقافة الازدحام عندنا، أما عندهم (ازدحام الثقافة ) تكون في معارض الكتب و التهافت عليها والعروض الفنية والثقافية ، وشتان ما بين هذه وتلك . أما حان الوقت بأن نرتقي بالمجتمع بنهج أسلوب متحضر و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعدم اللجوء إلى استعادة ( سلة المحذوفات ) و استبدالها بـ ( شيفت وديليت ) لنمحو تلك المظاهر المخجلة أمام الآخرين بشكل نهائي.