ساركوزي يؤكد أنه ليس «عميلاً» أميركياً…باريس وموسكو تبشران…
أعلن الرئيسان الفرنسي نيكولا ساركوزي والروسي ديمتري ميدفيديف أمس بشكل منفصل نهاية «عالم القطب الواحد»، وبشرا بـ«نظام دولي جديد» متعدد الأقطاب، تلعب فيه روسيا وأوروبا دوراً أساسياً فيه.
تقارب كبير بين روسيا جديدة تثبت يوماً بعد يوم أنها قوة دولية يصعب تجاهلها، وفرنسا التي يطمح رئيسها إلى ترك بصماته على سلم ارتقاء الاتحاد الأوروبي إلى مصاف اللاعبين الكبار. انسجام تمركز حول ضرورة إقامة «شراكة إستراتيجية» بين روسيا والاتحاد الأوروبي، من خلال صياغة علاقة جديدة بين الطرفين لا تستخدم مفردات الحرب الباردة.
فالتهويل بهذه الحرب محض «خيال مريض» برأي ميدفيديف وإن وقعت ستكون «خطأ تاريخياً» برأي ساركوزي. ولكن التقارب لم يصل إلى درجة التطابق في الرؤية وخاصة بشأن موضوع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
الرئيس الروسي كان واضحاً في خطابه أمام مؤتمر «السياسة الدولية» في مدينة ايفيان الفرنسية أمس، ولم يتردد بالإشارة إلى جذور المشكلة في العلاقات الدولية، فهي تكمن من وجهة نظره، في «مساعي واشنطن لترسيخ هيمنتها على العالم بعد أحداث 11 أيلول عام 2001. فهذه المحاولات الأميركية فوتت فرصة تاريخية لاستبعاد الإيديولوجيات عن الحياة الدولية وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي». وأعاد ميدفيديف إلى الأذهان وقوف دول كثيرة ومنها روسيا بجانب واشنطن ضد نظام «طالبان» في أفغانستان، من أجل «تجاوز شروخات الحرب الباردة وليس فقط ضد الإرهاب». ولكنه ندد بـ«تصرفات واشنطن الأحادية»، والقفز على الأمم المتحدة وشركاء الولايات المتحدة، في غزو العراق والانسحاب من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ.
ودعا ميدفيديف في كلمة له أمام المؤتمر الذي نظمه «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» إلى معاهدة جديدة للأمن الأوروبي تقوم على «احترام الالتزامات الدولية وميثاق الأمم المتحدة وعدم السماح باستخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية»، كما يقوم النظام الأمني الجديد – برأي ميدفيديف – ضرورة «الأمن المتكافئ، بحيث لا يكون لأي دولة أو منظمة دولية بما في ذلك روسيا حقوق خاصة بها وحدها في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في أوروبا، وأيضاً على تحديد معايير للرقابة على الأسلحة والاكتفاء المعقول في مضمار البناء العسكري».
وأعرب رئيس روسيا مجدداً عن «قلق» بلاده إزاء نصب قواعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) والدرع الصاروخية الأميركية في بولندا وجمهورية التشيك، واعتبرها موجهة ضد موسكو. واستعاد أزمة القوقاز الأخيرة وقال: «لقد عرفنا خلالها من يساعدنا ومن صديقنا ومن عدونا ونتحدث بصراحة لأن ما حدث هي مرحلة حاسمة للسياسة الأطلسية التي يقودها عالم أحادي القطب». وأشاد ميدفيديف بدور الاتحاد الأوروبي في حل أزمة القوقاز على حين «لم تتخذ دول أخرى أو لم ترد أن تتخذ مبادرات»، لحل النزاع. ورأى أن ذلك يدل على «نضوج العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي». واعتبر الرئيس الروسي أن «التعويل على حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان فاشلاً في العدوان الجورجي»، وأضاف: «أكدت أحداث القوقاز صحة الفكرة حول الأمن الأوروبي وعبر هذه الفكرة يمكننا تشكيل نظام أمني جديد متكافئ لكل الدول ومن شأنه توحيد أوروبا على أساس قواعد وضوابط موحدة للجميع»، معلناً عن استكمال انسحاب القوات الروسية من جورجيا وفقاً للاتفاق الذي وقعته موسكو مع تبليسي بوساطة ساركوزي، الرئيس الحالي للمجلس الأوروبي.
دعوة ميدفيديف إلى معاهدة أمن أوروبية جديدة تلقفها ساركوزي باهتمام، ودخل من بوابة الأزمة الأخيرة في القوقاز التي شكلت «محنة قاسية»، في علاقات أوروبا بروسيا. لكن «العبرة» برأي ساركوزي تتمثل بأنه لا ينبغي أن تبتعد روسيا عن أوروبا. وأسهب الرئيس الفرنسي بعرض العودة القوية لموسكو إلى الساحة الدولية كقطب أساسي، وبوصف الاعتماد المتبادل بين روسيا والاتحاد الأوروبي. ورأى ساركوزي أن «روسيا تعود منذ سنوات لتكون لاعباً أساسياً على المشهد الدولي وأن العالم له مصلحة بروسيا قوية، فتاريخ القارة علمنا أن الجار الجيد هو الجار السعيد»، وأضاف: «روسيا وأوروبا لاعبان أساسيان في العالم الجديد متعدد الأقطاب، وروسيا خرجت من هزات 1990 بطريقة لافتة وأصبحت مجدداً قوة يٌسمع صوتها وتملك وسائل وإرادة فرض وزنها في شؤون العالم وليس بوسع أحد أن ينتقدها على ذلك». ومقابل روسيا هناك «الاتحاد الأوروبي التجمع الاقتصادي الأكبر في العالم الذي يكثف جهوده لتطوير مؤسسات مستقرة ووسائل عسكرية تسمح له بلعب دوره كلاعب شامل في النظام الدولي».
وبدا الرئيس الفرنسي عملياً في رده على ميثاق الأمن الأوروبي- الروسي، واقترح عقد قمة قبل نهاية العام المقبل لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بغرض «بحث كل المقترحات المطروحة بشأن وضع تصور مستقبلي جديد للأمن الأوروبي»، مشدداً على الشراكة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ووصفها بـ«الطبيعية والضرورية وعامل التوازن». وتحدث عن «إطار أمني أوروبي» يقوم على تأكيد القيم والديمقراطية وحقوق الإنسان وليس على توازن القوة، ويتضمن ترتيبات أمنية تتعلق بالسلاح الميثاقي وحل الخلافات بشكل سلمي.
سيد الإليزيه المعروف بنزعته الأطلسية أصر على ضرورة إشراك الأميركيين بالحوار الأمني بين أوروبا وروسيا. وقال: «الحوار الذي نستعد للدخول فيه مع روسيا يجب أن يشرك أصدقاءنا وحلفاءنا الأميركيين»، وأضاف: «لا أتلقى تعليماتي من أميركا، ولكنها صديقتنا وحليفنا ولا يجب الخوف من هذه العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة (…)، لنا رؤيتنا الخاصة ولسنا عملاء لأي قوة كانت وعندما نتحدث عن الأمن فهذا يخص حلفاءنا لأن أمن قارتنا يعتمد على علاقات أطلسية قوية، وأشعر باستقلالية لأتبنى هذه العلاقات».