مقالات وآراء

ليس سرابا (دراما سورية جديدة مهمة )

بغض النظر على ان وجود نجمين كبيرين في عمل واحد كالنجم عباس النوري والنجم سلوم حداد في عمل اجتماعي مشترك لهما بعد انقطاع اعمالهما الاجتماعية المشتركة مدة عشر سنوات وهذا الشيئ يدعو لجذب المشاهد العربي اكثر ولكن فكرة المسلسل الاجتماعي (ليس سرابا)
من بطولة النجمين السوريين (عباس النوري وسلوم حداد) تجذب اكثر وتدعونا للوقفة امام هذا المسلسل الذي من تاليف الكاتب فادي قوشقجي واخراج المخرج الشاب المثنى صبح فالكاتب (قوشقجي ) نقلنا الى نوع اخر من الدراما السورية وهو نوع مهم واعتقد انه سيكرس فيما بعد صنف جديد في الدراما السورية وهو (دراما التفاصيل ) وليس دراما(الموقف او القصة او الحبكة ) ..وهذا شيئ مهم

فالكاتب فادي اراد ان يقول لنا في مسلسله بانه ليس من الضروري ان تكون الدراما هي دراما (قتل وسرقة ونهب وقصة مشوقة وحبكة درامية ) وانما مانعيشه نحن المواطنون من تفاصيل بسيطة جدا (كالعلاقات الاجتماعية بين الأهل والاصدقاء وغيرها من افعال نقوم بها في البيت ) هي الدراما وحتى الحوار الهادئ بين الممثلين وهي النقطة الثانية التس ساتحدث عنها

ففي بعض المسلسلات يتجه الكاتب الى حوار منفعل شديد اللهجة يشد المشاهد وهذا شيئ جميل في بعض المسلسلات التي تعتمد على التشويق ولكن في مسلسل ليس سرابا استخدم الكاتب لغة هادئة وبسيطة ومقنعة بين الممثلين وصلت الى درجة العفوية والمصداقية العقلية حيث لم يقدم لنا خلال الحوار دور الخير بشكله المطلق ولاحتى دورالشر بشكل مطلق وانما قدم لنا مبررات كل شخصية وجعل لكل شخصية محامي دفاع لها وهو اسلوب الشخصية في الحوار باقناع الاخر

اما النقطة الثالثة فكانت تعتمد على البساطة وعدم التعقيد رغم ان المسلسل يناقش موضوع مهم وهو ماساذكره بعد قليل ولكن الكاتب اعتمد على السلاسة في تقديم افكاره وليس تقديمها بشكل(فج وسريع ) وانما بهدوء وبشكل مبرر (رغم انه جعل البطلين جلال وحنان) يتجهان الى قرار الزواج السري المرفوض اجتماعيا الا انه مهد لهذا الوضوع الخطير بشكل مقنع وهادئ ودون مبالغة
اما النقطة الرابعة من حيث الكتابة :فهو موضع المسلسل الذي اعتبره موضوعا جريئا جدا وهو دور الدين في حياتنا كمسلمين ومسيحيين وعلاقة حب بين رجل مسلم وامراة مسيحية …اعلم ان هناك مسلسل اخر طرح هذا الموضوع ولكن بشكل سريع وغير تفصيلي كالذي قدمه مسلسل ليس سرابا حيث استعرض لنا شرائح مختلفة من كلا الدينين (الاسلامي والمسيحي) فقدم لنا الشخصيات المتعصبة من كلا الدينين والشخصيات المنفتحة (او حتى العلمانية ) في كلا الدينين ايضا وطريقة تعاملهم مع الاشخاص وكيف يعيشون حياتهم بالاعتماد على الدين والتقاليد الدينية ) وهذا موضوع مهم ولاول مرة يطرق بهذا الشكل في الدراما السورية وحتى العربية
اما النقطة الخامسة التي تحدث بها الكاتب والتي اعتبرها كصحفي مسالة في غاية الاهمية وهي (دور الصحافة في توعية المجتمع) من خلال مجلة المزراب التي يملكها ميشيل (سلوم حداد) حيث وضح لنا متاعب ومصاعب العمل الصحفي الجريئ في وسط مجتمع شبه متعصب او محكوم بعادات وتقاليد شرقية ووسط رقابة وتحفظات من قبل المسؤولين ) اضافة الى تطرقه كل اربع حلقات الى موضوع اجتماعي مهم ( كالفساد وجرائم الشرف والتعليم المدني ودور الدين والسياسة وغيرها من المواضيع الاجتماعية الخطيرة )
فكان ليس سرابا بانوراما اجتماعية سورية عربية بامتياز

اما الجانب الفني و التقني :لا اظن انني استطيع ان اشكك بامكانيات الفنيين والمخرجين السوريين الذين اثبتوا جدارتهم وتفوقهم بذلك فالانتاج والاخراج والتمثيل اهم ما يميز الدراما السورية عن غيرها من الدراما العربية الاخرى ولعل مسلسل ليس سرابا كان بين تلك الاعمال المهمة فاداء جميع الممثلين من دون اسثناء كبيرا كان او صغيرا كان رائعا جدا واثبتوا انهم نجوما وفعلا كانوا جميعا ابطال المسلسل ولم يكن هناك بطل واحد او اثنين علما ان دور جلال الذي ادى دروه بابداع وتميزالنجم الكبير عباس النوري وشخصية حنان التي ادى دورها النجمة كاريس بشار وميشيل الذي ادى دوره النجم سلوم حداد هم ابطال العمل الى ان الجميع كانوا ابطالا حقيقين في هذا العمل .

اما المخرج المثنى صبح فها هو يثبت لنا مرة اخرى انه قادم بقوة على الساحة الاخراجية السورية المليئة بالمخرجين المتميزين وها هو يقول لنا (صحيح انه عملي الثالث بعد على حافة الهاوية ومشاريع صغيرة ولكن استطيع ان اكون من المخرجين الكبار ) وهذا ما فعله بالضبط فاستطاعت كاميرته ان تشكل مع النص (توليفة استثنائية درامية )
فكما كان النص شفافا كانت (كاميرا المثنى صبح) اكثر شفافية واستطاعت ان تتناغم مع النص لتؤلف لحنا دراميا رائعا اسمه
(ليس سرابا)

بواسطة
هادي قاسم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى