مقالات وآراء

بانوراما: فوانيس و عيدية

ذات المشهد يتكرر في كل عام.. قبل أسبوع يبدأ الجميع بتفقد روزناماتهم و يبدون فجأة اهتماماً ملحوظاً بالتقويم الهجري لأول مرة منذ أشهر طويلة.. الكل يسأل ذات السؤال:يا ترى بكرا و لا يلي بعده؟؟ و تبدأ العيون بملاحقة الشريط الإخباري في أسفل شاشات التلفزة

 و الآذان بملاحقة المحطات الإذاعية ثم نسمع الخبر: "ثبت أن الإثنين هو أول أيام شهر رمضان المبارك فلكياً" و تمر الأيام و الجميع في حالة ترقب و مع نهاية يوم التاسع و العشرين من شهر شعبان تبدأ الدول العربية و الإسلامية بإعلان الخبر السعيد: "ثبتت رؤية الهلال" دولة تلو الأخرى و تسمع الأخبار من هنا و هناك فذاك يقول "ثبتوها بالسعودية" و آخر يقول: "مصر رح يصوموا معنا" و أخرى تقول: "لسه ما ثبتوها بليبيا قولتك رح يصوموا معنا و لا بعدنا؟؟" و يطفو على السطح سؤال يتردد في كل عام دون أن تسمع له جواب و هو: أليس من المفروض توحيد موعد الصيام و الإفطار لكل المسلمين في كل أنحاء العالم؟؟ ألم يصل علم الفلك إلى مراحل متقدمة تمكننا من معرفة موعد ولادة الهلال بكل دقة باللحظة و اليوم و الثانية؟؟ فلماذا إذن نصر على تحري رؤية الهلال بذات الطريقة القديمة بالرغم من كل التقدم الحاصل؟؟ ألن يوفر هذا الأمر الكثير من الارتباك الذي يصيب المسلمين خصوصاً في الدول الغربية و الذين تجدهم محتارين في أمرهم إذ أن حتى أبناء الحي الواحد تلاحظ أن بعضهم صام و بعضهم لم يصم بعد رغم أن ما يفصلهم عن بعضهم هو بضع كيلومترات؟؟

مع إعلان موعد الأول من رمضان تصاب شبكة الهاتف و خطوط الخليوي بارتباك نتيجة كثرة الرسائل و الاتصالات التي تأخذ بالإنهمار من كل حدب و صوب للتهنئة بالشهر المبارك و مع كل جريدة تصلك إمساكية رمضان و كلما وصلت إمساكية جديدة تجد العيون تبحث بشغف عن موعد الإفطار في اليوم الأول الذي يبدو طويلاً طويلاً خصوصاً مع موجة الحر الشديدة التي ترافقت و بداية شهر الصوم هذا العام و دون شعور تقفز العيون لتعرف موعد الإفطار في اليوم الأخير من الشهر الكريم.. 
"رمضان مبارك"..
كلمتان بسيطتان تخرجان من بين الشفاه، تباركان بالشهر الكريم و تعبران عن ضيف عزيز يحل ضيفاً علينا مرة في كل عام فيشقلب أيامنا
  
سوق الشيخ محي الدين 20.09. 08 و الحواضر و الحلويات في الميدان 17.09.2008
و يغير برامجنا اليومية و يمسح نظام الحياة الذي رسمه كل شخص لنفسه على هواه فارضاً على الجميع نظاماً موحداً ينهي أشهراً طويلةً من الفوضى فيجتمع أفراد الأسرة الواحدة الذين اعتاد كل منهم تناول طعامه في وقت خاص به ليتناولوا طعامهم سوية على مائدة واحدة و في ساعة واحدة كعائلة واحدة و يصبح موعد أذان المغرب لحظة غالية ينتظرها الجميع بفارغ الصبر.. لحظة ينتظرها ملايين البشر المهجرين، المشردين و الفقراء حول العالم و لكنها لا تأتي فيطول انتظارهم للحظة تنهي صياماً قسرياً مفروضاً عليهم بسبب ظروف قاسية لا ترحم.. و مع هذا لا تأتي..

"رمضان كريم"..
و بما أن رمضان ضيف عزيز فلابد من استقباله بما يناسب مقامه و مكانته العالية إذ أن رمضان ما عاد طقساً دينياً فحسب بل بات مناسبة غالية على قلوب الجميع فربات البيوت يستقبلن هذا الشهر بموائدهن العامرة بما لذ و طاب من عصيرات و مقبلات مختلفة إلى الفتات الساخنة و الطبخات المميزة و انتهاءً بالحلويات الشهية و الأطفال يستقبلون هذا الشهر بحرصهم على صيامه فمنهم من يصوم حتى الظهيرة أي "درجات المادنة" و منهم من يكابر و يصوم اليوم كله مهما كان طويلاً و مُتعباً؛ كما تستقبل البيوت هذا الشهر بحبال مضيئة تزين الشرفات و النوافذ و تضفي على الأبنية الكثير من البهجة إلا أن خوف المواطن هذا العام من فاتورة الكهرباء خاصة أنه الآن في مرحلة ترقب ليعرف قيمة فاتورة شهري تموز و آب و التي يتوقع أن تكون (كارثية) جعل الكثير من العائلات يحجمون عن تزين شرفاتهم هذه السنة..

رمضانيات..
تجارنا ككل عام يؤكدون على حقيقة أن رمضان شهر "غالي" على الجميع و يدعمون كلامهم بالفعل إذ يبادرون لرفع أسعار أي شيء و كل شيء و تختفي فجأة بعض المواد الغذائية من الأسواق لتعود و تظهر (من غامض علمه) في أماكنها دون أن يتغير فيها شيء سوى السعر الذي ما اعتاد إلا القفز نحو الأعلى و في نفس الوقت يحين موعد لعبة القط و الفأر بين التموين و التجار، تلك اللعبة التي باتت مسرحية مملة و نكتة "بايته" ما عاد المواطن يشعر بالرغبة للضحك عليها حتى.. كما تعلن المؤسسات الاستهلاكية عن أنها تؤمن "بعض" البضائع بأسعار أقل من السوق بنسبة تصل إلى 20% مع أن أسعار السوق ليست مسطرة أو معياراً صحيحاً يمكن الاعتماد عليه و ذلك لأنها (بسلامتها) أعلى من الأسعار النظامية التي وضعتها وزارة التموين بنسبة تصل إلى 30% و مع هذا و من باب مكره أخاك لا بطل يتحمل المواطن المعتر (المِنِّية) و يتجه إلى المؤسسة الاستهلاكية على أمل تأمين بعضأً من بعض احتياجاته "الضرورية".. 
و بالرغم من قسوة الحياة و ارتفاع الأسعار الهائل الحاصل حتى قبل حلول شهر رمضان يصر المواطن على أن يستمتع قدر المستطاع بأجواء هذا الشهر فيتجمع الناس حول الأفران للحصول على خبز المعروك الشهي بأنواعه و تنتشر (حلل) قلي قطع (الناعم) المقرمشة و المزينة بخطوط الدبس السمراء الحلوة و تلمع أكوام من كرات (العوامة) الذهبية الشهية و حبات (المشبك) و (بلح الشام) و تصطف قطع القطايف الطازجة و صواني الحلويات الساخنة و المأكولات الشهية أمام واجهات المحلات مستعرضة أشكالها و ألوانها لتثير شهية الصائم و تغريه لشراء ما تيسر منها..

المعروك بالقرب من مكتب عنبر 06.09.2008 و تحضير الناعم في الشاغور 13.09.2008

و إن كانت العصيرات الرمضانية كالتمر هندي، العرقسوس، الجلاب و قمر الدين في كل عام جزء لا يتجزأ من مائدة الإفطار إلا أنها و في هذه السنة كانت (ملكة) المائدة دون منازع فساعات الصيام الطويلة و الحر في هذا العام جعلتها تحتل المرتبة الأولى على قائمة المشتريات و من حيث كونها الأكثر طلباً من قبل الصائمين و الدليل هو الأعداد الكبيرة من الناس الذين يتجمعون حول محلات بيع العصيرات قبل ساعات طويلة من موعد أذان المغرب يشترون أنواع مختلفة منها..

و إذا كانت العصيرات ملكة السفرة هذا العام فالفول المدمس كان و لا زال ملكها رغم بساطته خاصة مع أرغفة الخبز المشروح التي تداعب رائحتها الحواس قبل طعمها مما يجعل الصائمون يتهافتون على محلات بيع الفول المدمس قبل موعد أذان المغرب، يشترونه طازجاً ساخناً ليتصدر موائدهم.. 
            
                                 كرمو في سوق الشيخ محي الدين، عرقسوس الشعلان في مصلبة الشعلان أو أبو حسن في باب توما.. ثلاث زوايا لمشهد واحد
صراع على الرمال على الهواء ما بتفرق..
محطات التلفزة أيضاً تجد طريقة لتستقبل بها الشهر الفضيل الذي أصبح موعداً لمسابقة سنوية بين المحطات التي تتبارى في عرض أفضل المسلسلات و برامج المسابقات التي تتزاحم على شاشات فضائياتنا العربية التي تبدو و كأنها ستتوقف عن البث بعد رمضان فتسعى لعرض كل ما لديها دفعة واحدة في هذا الشهر لتعود و تصبح ساكنة رتيبة بعد أن ينتهي و هنا أخص بالذكر قناة البرنامج العام (السورية الأولى) و قناة الأسرة و المجتمع (تاري هيك طلع اسمها و أنا يلي مفكرة اسمها القناة التانية و بس) التي لا يتذكرها أحد إلا في هذا الشهر فيسارعون لضبط هوائياتهم في محاولة لالتقاط ترددها و متابعة برامجها خلال هذا الشهر لتعود بعد رمضان لعرض برامجها الرتيبة المعتادة من أرضنا الخضراء إلى مع العمال مما يعطيك شعوراً بأن الزمان قد توقف في مبنى التلفزيون منذ السبعينات أو أن هذه البرامج و لشدة نجاحها و قوتها ما استطاعت عقول معدي البرامج أن "تتمخض" عن ما هو أفضل منها أو أنه لا يمكن أن يتم الاستغناء عنها (يعني لنفرض شالوها شو بدهم يحطوا محلها؟؟ و الله بنضيع بدون من ذاكرة التلفزيون!! يعني بهون عليكم يصير تلفزيوننا بلا ذاكرة؟؟ إي مي حلوة) ..

هذا العام و ككل عام حاولت القيام بعمل برنامج كامل لمواعيد كافة المسلسلات التي تعرض على أغلب المحطات العربية حيث أن قيامي بتحضير هذا البرنامج قد بات تقليداً ينتظره أهلي، أصدقائي بفارغ الصبر و يذكروني بتحضيره منذ أن يشاهدوا إعلان أول مسلسل من مسلسلات رمضان!! و هكذا و من خلال نظرة سريعة على هذا الجدول تكتشف أن عدد الأعمال الدرامية المعروضة على الشاشات العربية و في حال استثنينا الدراما الخليجية قد بلغ تقريباً 46 عملاً درامياً مصرياً و سورياً مما يجعلك تكتشف أنك بحاجة لثلاثة رمضانات: رمضانان لتتمكن من متابعة كل هذه الأعمال و ثالث لتتمكن من إيجاد الوقت الكافي لأداء صلاة التراويح!! علماً أن كل عمل يمتد ثلاثين حلقة و معظم هذه الحلقات (حشو) هذا عدا عن الموضة الجديدة بجعل العمل أكثر من ثلاثين حلقة بحيث بات يمتد إلى العيد فتتمكن من متابعة الحلقة الأخيرة من مسلسلك المفضل برفقة ضيوفك أثناء المعايدة!!
و إن كان المشاهد المسكين يعاني من تخمة درامية خلال هذا الشهر الفضيل الذي من المفترض أن يكون شهر عبادة و روحانيات فالسبب هو الصراع القائم بين (الدرامات) إذ أن وجود الدراما المصرية، السورية و الخليجية قد خلق منافسة كبيرة بهدف خطف أنظار المشاهدين و الحياز على رضى المعلنين و أصحاب محطات التلفزة الأمر الذي يمكن اعتباره حالة صحية لولا حشر كل الأعمال الفنية في شهر واحد..

و بمناسبة الحديث عن المسلسلات لا يمكننا أن نفوت الحديث عن أهم مسلسل ألا و هو مسلسل الإعلانات التجارية خصوصاً تلك التي تعلن عن المنتجات السورية و التي يمكن حصرها بالعلكة و المناديل الورقية حيث تكثر هذه الإعلانات ذات (الدم الثقيل) التي تستهتر بعقل المشاهد و تسيء للذوق العام بأفكارها السخيفة و رداءتها من حيث الفكرة و الإخراج لتطل علينا بين مشهد و آخر مسببة (داء النقرزان) للمشاهدين.. 
طرابيش و ملايات و حارات..
دراما البيئة الشامية و خلال السنوات الماضية حصلت على إعجاب فئة واسعة من المشاهدين و حققت نجاحاً و انتشاراً واسعاً كان آخرها الانتشار الملفت الذي حققه مسلسل باب الحارة في رمضان الماضي و الذي تعلق به المشاهدون من كافة الدول العربية و الفئات العمرية بشكل ملفت لتكثر المطاعم التي تحمل اسم باب الحارة و يصبح لباب الحارة (علكة) و (محارم) من انتاجنا المحلي و يزداد الطلب على ملابس باب الحارة و (عصاية) معتز و خاتم أبو شهاب الأمر الذي أدى إلى وجود أكثر من خمس أعمال درامية سورية عن البيئة الشامية هذا العام من أولاد القيمرية إلى أهل الراية، بيت جدي و الحصرم الشامي و أخيراً الجزء الثالث من باب الحارة مما جعل المشاهد يدخل من باب و يخرج من شباك و يقفز من المندلون نحو المشرقة و يضيع بين الحارات و الممثلين الذين أدوا شخصيات مختلفة في عدة أعمال فتتداخل القصص و الشخصيات ببعضها و يدوخ السبع دوخات في حارات الشام ليصل إلى (مطرح ما ضيع القرد ابنه) و يقرر أن يخرج من أبواب الحارات كلها و يؤجل المتابعة (على رواق) إلى ما بعد شهر رمضان..

صح النوم
الملفت هذا العام هو إيقاف عرض عدد من المسلسلات الدرامية كفنجان الدم، سعدون العواجي و رياح الخماسين إذ بعد أن قمت بترتيب و تنسيق برنامج المسلسلات و أرسلته لكل الذين أعرفهم لاحظت اختفاء هذه المسلسلات التي حل محلها مسلسلات أخرى لأكتشف بعدها أن الخطأ لم يكن مني و أن ما حصل قد حصل بفعل فاعل قرر أن يستيقظ فجأة ليلعب دور الرقيب..

عطيني شحطة..
في كل مرة يتم الإشارة فيها إلى شهر رمضان يتم ذكر فوائد الصوم و منافعه إلى جانب ذكر الحكمة منه أي أنه من المفترض أنه شهر لتهذيب النفس بشكل عام لا الامتناع عن الطعام و الشراب فقط و ذلك استعداداً لاستقبال الأشهر التي تلي رمضان بنفسية أفضل تتحلى بخصال و صفات هذا الشهر الكريم التي ((يجب)) أن تكون خصالنا طوال العام و لكن ما يحدث هو العكس تماماً للأسف إذ تكثر الخلافات و المشاجرات و تتطاير الألفاظ النابية في الطرقات بسبب و دون سبب و تلاحظ حالة التوتر و العصبية التي تسيطر على الكثير من الناس (يلي خلقهم واصل لراس مناخيرهم) بحجة (صايم و جوعان و خرمان على سيجارة و عايف حالي) و كأن الهدف من الصيام هو حرمانهم من الطعام و الشراب دون أي حكمة أخرى فيضيع معنى الصوم و الهدف من هذا الشهر، هذا عدا عن حالة من الكسل، الإهمال، الخمول و التسيب التي تحل على نسبية كبيرة من الموظفين (خصوصاً موظفي القطاع العام يلي بدهم دف ليرقصوا) و كأن شهر رمضان هو عبارة عن إجازة ربانية مدفوعة فيصبح إنجازك لمعاملة ما أو حصولك على خدمة ما أكثر من معجزة.. و يبقى السؤال هل هذه أخلاق رمضان؟؟ هل العيب في رمضان أم فينا؟؟

فاضي معلم؟؟
ما ميز هذا الرمضان عن الرمضانات السابقة هو أن أزمة المواصلات كانت أخف بكثير من السنوات السابقة و ذلك بسبب موعد الإفطار المتأخر إلى حد ما مما أعطى فرصة أكبر و فترة زمنية أطول كافيةً للمواطنين كي يعودوا إلى بيوتهم بعد إنهاء أعمالهم دون أن يضطروا للتدافع على المواصلات دفعة واحدة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الساعة و النصف و لكن مع هذا لابد من وجود بعض الجشعين كسائقي الحافلات الذين يقودون حافلاتهم برعونة و سرعة غير عابئين بالأرواح البريئة التي يقلونها بهدف تحقيق عدد رحلات أكير خلال وقت أقصر أو أو كسائقي سيارات الأجرة الذين يطلبون مبالغ كبيرة لقاء توصيل الزبون إلى المكان الذي يريده.. هذا عدا عن (اللطف) الزائد الذي يطغى على سائقي هذه الحافلات و السيارات و ارتفاع نسبة (الذوق) في دمهم بحجة رمضان مع أنك و في الكثير من الأحيان و بعد أن يكون قد شتم و لعن الجد السابع للسائق الذي مر بجانبه للتو تلاحظ أن دخان سيجاراته يملأ السيارة و يعمي عينيك!! (على شو معصب يؤبشني ما بعرف!!)

يا نايم وحد الدايم..
عبارة نسمعها ليلة الأول من مضان و ترافقنا حتى آخر الشهر الكريم لتذكرنا بشخصية المسحر المحببة التي كانت في يوم من الأيام ضرورة ملحة قبل أن نستبدلها بالمنبه..
و هكذا و بعد أن كان المسحر واحداً من أبناء الحي يعرف أسماء ساكنيه واحداً واحداً أصبح شخصاً غريباً يؤدي هذا الدور حفاظاً على تراث نشتاق إليه و ذكريات نحبها لا أكثر كمدفع رمضان الذي قلما نستطيع سماع صوته مع الاتساع العمراني الكبير الذي شهدته مدننا..

و الطريف في أمر المسحراتيه الجدد هو أنهم قد باتوا يطلبون إكراميتهم منك منذ اليوم الأول لشهر رمضان خشية أن لا يجدوك في نهاية شهر رمضان حيث يخرج معظم الناس لإحياء العشر الأواخر من الشهر أو للتبضع و في هذه الحالة (بتروح عليهم) الإكرامية هذا عدا عن خشيتهم من أن يسبقهم إلى الإكرامية (المسحراتية) المزيفيين و الذين لا يقومون بأي عمل سوى لم الإكراميات مما حدا بالكثير من المسحراتية (الأصليين) لإبراز وثائق تدعم أقوالهم بأنهم مسحراتية (عن حق و حقيق) فمنهم من طبع (كروت فيزيت Business Cards) تحمل أسمائهم و أرقام هواتفهم و منهم من أصبح يبرز لك ورقة رسمية صادرة عن جهة ما لتثبت أنه مسحر (لا أعلم إن كانت نقابة المسحراتية أو اتحاد المسحريين العرب أو حتى مديرية الآثار و المتاحف كون المسحر جزء من التراث) و الله يعين الجميع.. 
مهن رمضانية..
و إن كانت مهنة المسحر، الحكواتي و بائع (الناعم) تنشط في هذا الشهر فمهنة التسول أيضاً تنشط فيه بكثرة خصوصاً مع اقتراب عيد الفطر فتنتشر هذه الظاهرة في كل مكان ناشرة معها العديد من المتسولين من أعمار مختلفة.. هذه الظاهرة التي يجب قمعها بالقوة من جهة و تفعيل دور الجمعيات الخيرية من جهة أخرى لتصبح المسؤولية أكبر على عاتق الجمعيات الخيرية الكثيرة و المختلفة و التي يجب أن تبذل جهداً أكبر للبحث عن المحتاجين في كل مكان و أن تنسق فيما بينها لتقوم بإيصال الصدقات إلى مستحقيها أينما كانوا خصوصاً أن نسبة كبيرة من هؤلاء المتسولين ليسوا محتاجين بحق بل اتخذوا من التسول مهنة لهم مما يذهب الصالح بالطالح..

خيمة رمضان..
باتت تقليداً معروفاً تتبعه كل المطاعم على اختلافها فتتنوع عروضاتهم، قوائم مأكولاتهم و أسعارهم فتسعيرة الإفطار مختلفة عن تسعيرة السحور و التسالي الرمضانية لها حسابات أخرى و لكل مطعم زبائنه و رواده و لكل مكان خصوصيته و ميزاته و يبقى الخيار للمواطن و ما يحمله في محفظته..

و إن كانت المطاعم و المقاهي و خيام رمضان عامرة بروادها ليلاً إلا أن الصورة محتلفة تماماً خلال النهار قبل موعد الإفطار إذ تكون خالية من روادها و لا تجد فيها إلا العمال الذين يبدؤون بتحضير الطعام و الطاولات استعداداً لاستقبال زبائنهم في حين تكون بعض المقاهي مغلقة تماماً كحال مقهى النوفرة الذي مررت بجانبة يوم 6 أيلول 2008 و كان مقفلاً كما ترونه في الصورة..

قراءة القرآن، التراويح و ليلة القدر..
هي رمضان بأكمله و هي ما تميزه عن بقية الأشهر و هي ما تجعل لهذا الشهر روحانية حلوة يشعر بها كل من جربها و عاشها فيشعر بالرضا عن نفسه و بالكثير من الطمأنينة فتعمر المساجد بالمصلين الذين يحرصون على أداء صلاة التراويح بشكل يومي هذا عدا عن إحياء العشر الآواخر من الشهر الكريم و تحديداً ليلة القدر التي لها مكانة عظيمة في نفوسهم و هكذا تجد المساجد صفوفاً مرصوصة تصلي بخشوع و طمأنينة لا يعكر صفوها إلا صوت هاتف خليوي أو طفل يبكي أو حديث جانبي لا يحتمل الانتظار أو حتى طفل قرر أن يحول المسجد إلى ملعب هذا عدا عن انتشار ظاهرة تحويل المساجد إلى خاطبة الهدف من الذهاب إليها هو اصطياد عروس و كأننا في حمام السوق..
قد يقول البعض أن (الاعمال بالنيات) أو (من كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله) و هذا الكلام صحيح إلا أن المشكلة تكمن في التسبب بالإزعاج لبقية المصلين و المصليات..

أما بالنسبة لآهالي دمشق فلأداء الصلاة في الجامع الأموي نكهة مميزة و حلاوة لا تعادلها حلاوة خصوصاً قيام ليلة القدر حيث تجد الجامع و قد امتلأ بالمصلين و المصليات في كل زاوية من زواياه و تلاحظ اقبالاً كبيراً على المساجد بشكل عام في هذه الليلة المباركة..

خدني على بلادي..
في مناسبات كهذه المناسبات تحرج الذكريات التي كنت تظن أنها بعيدة أو أنك قد نجحت بدفنتها خلفك لتكتشف أنها كانت و لازالت موجودة.. حية في وجدانك.. تنبض في روحك و أنك إلى اليوم تذكر رائحة الخبز في الحارات، طعم شراب العرقسوس و رشة ماء الزهر على كوب شراب التمر الهندي و حركة يد والدك و هو يقوم (بطش السمنة) على وجه طبق التسقية و صوت والدتك و هي تتمتم عشرات الأدعية قبل موعد الإفطار و صوت الأذان يصدح من الأموي و قرقعة الملاعق على الصحون و تمرة ناولتك إياها شقيقتك ذات يوم فتحس من جديد أنك غريب في بلد غريبة و كأنك البارحة قد خرجت من الطائرة التي غادرت مطار دمشق الدولي قبل سنوات و سنوات!!

في مناسبات كهذه تفتقد حارات عرفتها و مشيت فيها و تعثرت بحجارتها.. في مناسبات كهذه تشتاق لطعم المشمش في كوب شراب القمر الدين و لطعم التوت الشامي و (لأكلة يبرق) تتصاعد منها الأبخرة حاملة شيئاً من (نَفَس) والدتك.. في مناسبات كهذه لا تجد أمامك إلا أن تعزي نفسك باتصال هاتفي سريع عله يعطيك بعضاً من دفء لمة العائلة في سهرات رمضان… في مناسبات كهذه أكتشف فجأة أني أكثر من محظوظة لأنني استطيع في كل يوم أن أخرج إلى هذه الحارات و لأني أعرف أني في كل يوم سأعود إلى عائلتي.. 
مراسم استقبال و وداع..
يقترب موعد انتهاء زيارة هذا الشهر العزيز و كما يتم استقبال هذا الشهر بحفاوة يتم توديعه بذات الطريقة إذ يقترب مع نهايته موعد عيد الفطر الذي تبدأ التحضيرات له منذ الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان فتدب الحياة من جديد في أسواق و تزدان الواجهات بأجمل البضائع و تعمل محلات الحلويات بأقصى طاقتها لتنتج حلويات العيد خصوصاً (المعمول) و تفتح المحلات أبوابها مستقبلة الزبائن حتى ساعات الفجر الأولى و طبعاً كما في كل مناسبة تقرر الأسعار أن تقفز فرحاً فتعلق في الأعلى (و ما بتعود بتعرف تنزل) و تجد المواطن المغلوب على أمره مسحوق بين متطلبات العيد من ملابس و حلويات و بين ما أنفقه لتوه خلال شهر رمضان
من جهة، مؤنة الشتاء من جهة ثانية و المدارس من جهة ثالثة ليصبح العيد الجهة الرابعة التي أطبقت عليه المتنفس الأخير ليكتشف فجأة أن رمضان أيام زمان كان أحلى و عيد أيام زمان كان أحلى و كل حياته أيام زمان كانت أحلى ليعود و يشكر الله على أنه رحمه من كارثة خامسة كان من الممكن أن تحل عليه لو أنه تم صرف منحة أو زيادة رواتب للموظفين الأمر الذي سيؤدي أوتوماتيكياً إلى فرحة عامرة ستجعل الأسعار تقفز أيضاً قفزة كبيرة بحجم الفرحة نحو الأعلى و الذي ما عاد أحد قادر على احتماله و كان الله بالعون!!

تبدأ "التواصي" بالورود إلى محلات الحلويات أولاً بأول و تنشط محلات بيع الشوكولا و القهوة أيضاً كونها جزءاً لا يتجزأ من ضيافة العيد و تُفرش قطع الراحة و الشوكولا و غيرها من الحلويات مشكلة لوحة بديعة في في سوق البزورية الذي لابد من زيارته قبل العيد و إن كانت هذه الزيارة لمجرد إلقاء نظرة عليه و التمتع بألوان و أشكال بضائعه المتنوعة هذا عدا عن محلات بيع الألعاب التي تمتلأ العودة للمدارس في العصرونية بكميات هائلة من البضائع و التي يقبل الآهالي على شرائها لأطفالهم في هذه المناسبة و التي ربما أصبحت الطريقة الأقل كلفة لنقل بهجة العيد إلى الأطفال بعد أن باتت كسوة العيد عبئاً ثقيلاً على الأهالي تُكلف مبالغ كبيرة لا طاقة لهم بها خاصة في حال وجود عدة أطفال لا طفل واحد.. 
يا ليلة العيد..
و يعيد التاريخ نفسه.. و نعيش ذات حالة الترقب التي عشنها قبل شهر.. و نسمع ذات السؤال من جديد "يا ترى بكرا و لا يلي بعده؟؟" و تبدأ العيون بملاحقة الشريط الإخباري في أسفل شاشات التلفزة و الآذان بملاحقة المحطات الإذاعية ثم نسمع الخبر معلناً ثبوت رؤية الهلال و تتوقف صلاة التراويح في المساجد و تزدحم الطرقات و تمتلأ الأسواق بالمتسوقين و المتسوقات بكل ضجيجهم و صخبهم و تبدأ برؤية مراجيح العيد و هي تُنصب في الساحات لتتذكر أنك ذات يوم ركبت مرجوحة كهذه أو تلك و أنك صحت ذات يوم ملئ حنجرتك: "قويها بالشدة ما بننزل إلا بقتلة"..

تشعر بالعيد و جو العيد و فرح العيد فتبتسم دون أن تشعر و أنت تسمع مدافع العيد و المعايدات يتبادلها كل من حولك و يبدأ هاتفك النقال يرن معلناً استقبال أول رسالة معايدة تصلك فتبادر لتعايد أحبتك غير مصدق أن الأيام مرت بهذه السرعة و أن ضيفك قد بدأ فعلاً بحزم حقائبه!! 
هالسنة غير شكل!!
حين تستيقظ على خبر غير متوقع..
خبر سمعت أنه حصل في بلاد أخرى من قبل و لكنك لم تتخيل أن تسمع أنه قد حصل في بلدك..
حين تستيقظ على قصة يمكن أن تكون حلقة في مسلسل ما أو فصل في رواية ما دون أن تتخيل أنها قصة قد حدثت على أرض الواقع.. على أرضك أنت في واقعك أنت..

حين يصبح فجأة هذا الخبر الذي تراه على الشاشة خبرك أنت و الدم الذي تراه دمك أنت و البناء الذي تحطم بناء مررت بجانبه أنت و السيارة التي تهشمت تحمل لوحة تشبه لوحة سيارتك أنت تعرف حينها فقط أن العيد هذا العام غير شكل.. و بأن عبارة (كل سنة و إنت سالم) هذا العام لها معنى غير شكل و تصبح الشام كلها بالنسبة لك بكل حجر فيها بشوارعها و حاراتها، ببيوتها مطاعمها و مدارسها، بمعاملها و مزارعها، بكنائسها و جوامعها بأسواقها و حماماتها، بكل نقطة ماء فيها من أمطار و بحيرات، من بحر و نهر و كل ساقية جارية؛ بكل عيب فيها بازدحامها و تلوثها و ضجيجها و كل مشاكلها و همومها، بكل فرد من أفراد أهلها من الرضيع إلى الكهل، من الشرفاء إلى المرتشين من المدعومين إلى الذين (بلا دعم) من الأغنياء إلى الفقراء من اليمين إلى اليسار من الشرق إلى الغرب و من الشمال إلى الجنوب تصبح كلها كلها غير شكل..

حين يكون الخبر الذي تتناقله وسائل الإعلام خبر عنك.. و الخطب الجلل الذي حصل قد أصاب قلبك أنت..
و كلمة (تفجير) ترافق اسم مدينتك أنت.. و تحاول فئة قذرة أن تسرق من أهلك فرحة العيد ثم يحل العيد و أنت سالم و بلدك سالمة بعد أن أهداها أهلها شهداء جدد عندها و عندها فقط يصبح العيد غير شكل.. و تصبح المعايدة لا مجرد عبارة عادية تقولها بحكم البروتوكول بل دعاء إلى الله من أعماق القلب تأمل بكل جوارحك أن يكون مقبولاً..

عيد سعيد..
العيد كلمة تحمل عبق ذاكرة كاملة تشعرها و تعيشها بكل حواسك..
حين تسمع كلمة "عيد" تسمع معها صوت المدافع عصر يوم "الوقفة" و أصوات قرقعة قوالب تحضير المعمول الخشبية من المطبخ و صوت التهليلات و التكبيرات تصدح من كل المآذن و ترى أمام عينيك أكوام السكاكر، الملبس، الراحة و الشوكولا المفروشة أمام محلات سوق البزورية و تشم رائحة خَبْز المعمول و تحضير حلويات العيد..

حين تسمع كلمة "عيد" تتذكر العيدية و ليلة العيد و الألعاب النارية و عشرات "البنطلونات " التي ثُقبت بسببها.. تتذكر الأسواق المكتظة و الواجهات تعرض كل ما يخطر على بال.. تتذكر انتظار صباح العيد لتلبس الثياب الجديدة و الحذاء الجديد و كيف كنت تحلم بالهدية طوال الليل هذا في حال استطعت النوم و لم تمض الليل مستيقظاً من شدة سعادتك..
حين تسمع كلمة "عيد" تشعر بطعم التوت الشامي و الفول النابت و مرقة مخلل اللفت ذات اللون الوردي مع قطعة "كعكة" أو "شركه" و تحس بالقطعة النقدية التي كنت تخفيها في حذائك بعيداً عن العيون و الأيدي خشية أن يسرقها أحدهم..

حين تسمع كلمة "عيد" تشتاق لوجه والدتك و ليد والدك تقبلها و لوجوه عشرات الأحبة التي باعدت بينك و بينهم الأيام و مشاغل الدنيا..
حين تسمع كلمة "عيد" ترن في أذنك عبارة "كل سنة و إنت سالم" و تتذكر أن لك في كل بقعة من بقاع الأرض شخص عزيز يستحق أن تقول له هذه العبارة حتى و إن كانت عبر هذه الشبكة الافتراضية..
و لأن الدنيا عيد.. و لأني تذكرتكم أقول: 
كل سنة و أنتم و أهلكم و أحبتكم و بلدنا سالمين..
عيد سعيد للجميع..
و كل عام و شامنا العيد..

بواسطة
نعمت الحموي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى