التعليم العالي بواد وسوق العمل بآخر
أحدث مجلس التعليم العالي «مركز تميز للدراسات والاستشارات والتدريب والبحوث في مجال الشراكة بين العام والخاص في جامعة دمشق» وسبق أن أقر المجلس إحداث مركزين تحت عنوان «مركز المهارات والتوجيه المهني» في كل من جامعتي تشرين ودمشق.
وتأتي هذه الخطوات إضافة إلى تواصل الوزارة مع مجتمع المستفيدين من الصناعيين والتجار أثناء عمل برنامج «نارس» لتغير مناهج الجامعات السورية وجميع هذه الخطوات تأتي بعد تأكيد مجموعة من التقارير والدراسات الحكومية كتقرير واقع التعليم العالي في سورية لعام 2009 والمستقلة كتقرير سورية 2025 وجهات حكومية غير وزارة التعليم مثل تقرير الهيئة السورية لشؤون الأسرة الراصد لواقع الشباب والذي تناول جوانب من الشباب وواقع التعليم وسوق العمل.
لكن جميعهم خلصوا لنتيجة مفادها أن «مخرجات التعليم العالي في واد ومتطلبات سوق العمل في آخر»، فالتقرير الوطني حول التعليم العالي في سورية أكد أن العديد من الدراسات التي أجريت من الواقع السائد في سورية أكدت وجود فجوة ما زالت قائمة بين منظومتي التعليم العالي وسوق العمل في البلاد رغم التوجهات الإستراتيجية والسياسات والبرامج المعتمدة لجسر الهوة بين المنظومتين ولاسيما في إطار النهج التشاركي بين جميع القطاعات الوطنية والذي دعت إليه الخطة الخمسية العاشرة المنصرمة.
أما دراسة سورية 2025 التي أعدها عدد كبير من الباحثين السوريين ونشر أجزاء منها على موقع هيئة تخطيط الدولة فركزت على أبرز الفجوات بين مستوى الكفاءة الخارجية للتعليم العالي ومتطلبات سوق العمل بعدم الانسجام بين المؤهلات والخبرات المكتسبة لخريجي بعض الاختصاصات مع تلك التي يحتاجها السوق ما انعكس سلباً على إنتاجية الخريج وأضعف موقفه التنافسي في تلك السوق وتتجلى هذه الفجوة حسب تعبير التقرير بشكل خاص في بعض الاختصاصات الحيوية سريعة التجدد وعلى رأسها الهندسة التقنية.
ويلي عدم الانسجام بين المؤهلات العلمية والخبرات المطلوبة في السوق، الافتقار إلى سياسات تترجم الربط بين برامج التعليم المهني والتقني العالي بشكل خاص وبين قطاعات التنمية واحتياجات سوق العمل عبر جودة تدريب طلاب مؤسسات التعليم تلك عملياً في مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص كجزء من متطلبات التخرج، وبالتالي إيجاد آليات للتقويم المستمر لأداء خريجي تلك المؤسسات من أرباب العمل وغرف التجارة والصناعة، وهذا جزء مما عملت الوزارة عليه خلال الفترة السابقة ولكنه بقي ضمن إطار الاجتماع والتحاور.
وبالطبع لعب ضعف الصورة المجتمعية لطلاب المعاهد التقنية المتوسطة دوراً مهماً حسب رؤية تقرير الهيئة السورية لشؤون الأسرة، فالضعف يصل إلى درجة تكاد فيها هذه الحلقة الإستراتيجية من التعليم في العديد من الاختصاصات وخاصة الهندسية منها أن تفقد قيمتها العلمية والعملية ووزنها الاجتماعي في سوق العمل، الأمر الذي ساهم ويساهم في تعميق الفجوة وهذا ما قد يفسر أيضاً ما سماه التقرير الوطني «النزيف الحاصل في مخرجات هذا النمط من التعليم».
وهذه التقارير تعالج واقع 5.5% وهم الجامعيون من شباب سورية فقط حيث كشف المسح الميداني لواقع الشباب والتعليم في سورية أن الشبان السوريين الذين تابعوا المراحل الإعدادية والثانوية وأكملوها لم تتجاوز نسبتهم 48.1% والرقم المفاجئ هو التحصيل ما بعد الثانوي والذي يشمل المعاهد والجامعات ونسبة الشبان السوريين الذين حصلوا على هذا المستوى التعليمي لم تتجاوز 5.5% فقط.
وفي البحث ضمن الفئة الأقل بين الشباب وهي فئة الجامعيين أظهرت إحصائيات وزارة التعليم العالي والتي حصلت «الوطن» على نسخة منها أن قطاع التعليم يزداد نمواً عاماً بعد آخر حيث ازداد عدد الكليات والفروع، أي إن التوسع الأفقي وصل إلى حدود يعتبرها القائمون على التعليم العالي جيدة ومقبولة، وبالنسبة للطلاب فبينت الإحصائيات أن عدد الإناث اللاتي انتسبن إلى الجامعات في عام 2000 وصل إلى «67478» طالبة وفي عام 2006 وصل العدد إلى «125224» طالبة وتفوقت الأنثى على الذكر في عدد من الفروع الجامعية وخاصة الأدبية منها.
وفي عام 2005 كانت الفتيات يشكلن في كليات التربية السورية 80% من عدد الطلاب وفي كليات الآداب 62.6% ولكن عددهن في كليات الهندسة الميكانيكية انخفض لحدود 14.5% ولكنهن كن متفوقات على الذكور في نتائج الخريجين للعام الدراسي 2009-2010 وخاصة في دمشق، وانخفض عدد الفتيات عن الذكور في كليات العلوم السياسية إلى 29.4% وفي كليات الطب إلى 31.3% وفي المعلوماتية إلى 36.5% وفي الاقتصاد إلى 35.8%. وكان تفوق الفتيات في جامعات أكثر منه في غيرها فمثلاً في جامعة تشرين شكلت الأنثى 57.1% من عدد الطلاب وتوازت مع كون نسبة كليتي الآداب والتربية هي الأعلى في هذه الجامعة 58.7% وكذلك تفوق عدد الإناث على الذكور في حمص حيث سجل 55.1% وتوازى أيضاً مع نسبة كليتي الآداب والتربية في الجامعة نفسها وهي 54.1% للإناث، وتناصفت الإناث في جامعة دمشق مع الذكور تقريباً حين سجلن 50.4% لمصلحتهن على حين انخفض عددهن في جامعة حلب ولم يتجاوز 41.1%.