فضائل الشام في القرآن ومنزلتها عند الخالق الرحمن
قال الله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص : 68]
لقد اختار الله -عزَّ وجل- مكة والمدينة، واختار بلاد الشام، واختار المسجد الأقصى منها، واختار -سبحانه وتعالى- نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل شريعته هي خاتمة الشرائع، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، واختار الطائفة المنصورة إلى يوم الدين من هذه الأمّة، وجعلها في بلاد الشام، وأنَّ بلاد الشام في آخر الزمان هي مهوى أفئدة المؤمنين، وأنّها مهاجر إبراهيم الخليل، وأولياء الله الصالحين.
فبلاد الشام بلاد طيبة مباركة ذكرها الله في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي مهجر إبراهيم الخليل، ومقام أكثر أنبياء الله-سبحانه- قال الله تعالى في كتابه:
(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء : 71)
وقال جل عزه:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء:1]
وبلاد الشام ميراث الصالحين، قال الله -تعالى-:
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) (الأعراف : 137 )
الأرض: المقصود بها أرض الشام؛ قاله: الحسن، وقتادة، وزيد بن أسلم، وسفيان.
وأجرى الله -عزّ وجل- الريح لسليمان -عليه الصلاة والسلام- إلى الأرض المباركة، وكانت القدس موطن سليمان -عليه الصلاة السلام-، ومكانه، ومقرّ مملكته، قال الله -تعالى-:
(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الأنبياء : 81 )
قال ابن جرير الطبري: «تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها؛ يعني: أنها الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام، فلذلك قيل: إلى الأرض التي باركنا فيها»
وقال الله تعالى:
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (سبأ : 18 )
والقرى الواردة في الآية: قرى بلاد الشام المتاخمة لقرى اليمن.
قال ابن جرير الطبري: «أي: جعلنا فيها الخير ثابتاً دائماً لأهلها»
هنا أقول: إنّ هذه البركة قد تقلّ -أحياناً- بسبب المعاصي والذنوب؛ فالمعاصي والذنوب سبب لهلاك الأمم والشعوب.
وأقسم الله بالأرض المقدسة في كتابه المبين؛ فقال: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ ِوَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)
[التين:1-3]
وقد ذهب بعض المفسرون إلى أنّ: (التين) هو: الجبل الذي عليه دمشق أي قاسيون، وعلى ذلك قتادة، وعكرمة.
و(الزيتون): الجبل الذي عليه القدس. (جبال فلسطين).
والمراد من الكلام على قول هؤلاء: القسم بمنابت التين والزيتون؛ لأنَّ دمشق بها منابت التين، والقدس بها منابت الزيتون.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال بعض الأئمة:«هذه مَحالّ ثلاثة بعث الله في كلّ واحد منها نبيَّاً مرسلاً من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار؛ فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث فيها عيسى ابن مريم -عليه السلام-، والثاني: طور سينين: وهو طور سِيناء أو سَيناء -فيها وجهان- الذي كلم الله عليه موسى بن عمران -عليه السلام-، والثالث: مكة وهو البلد الأمين، الذي من دخله كان آمناً، وهي التي أرسل الله -عزَّ وجل- فيها محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما».
كذلك ذكر الله -عزَّ وجل- بلاد الشام والأرض المقدسة، وجعلها مبوَّأ صدقٍ. قال الله تعالى:
(وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
(يونس : 93 )
تلك بلاد مصر والشام مما يلي بلاد المقدس ونواحيه». كما أثبت الطبري عن قتادة رحمه الله حين قال: بوَّأهم الله الشام وبيت المقدس( أي الشام وفلسطين). وقالوا هذا ما عناه قوله تعالى:
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) (المؤمنون:50)
-تُقرأ: (رُبوة)، وهما قراءتان متواترتان
قال الضَّحاك وقتادة: «إنها بيت المقدس»، ورجحه الحافظ ابن كثير.
وقال الأكثرون من المتقدمين: «إنها ربوة دمشق»؛ فترجح أنها بالشام لا بمصر ولا بالكوفة؛ كما قال مَنْ أَبْعَدَ القولَ.
أي انها الربوة التي على ضفاف بردى والواقعة بين جبلين، وهي متنفس يزوره أهل الشام في أيام الجمع والأعياد والمناسبات.
مهد الأنبياء
إنّ تاريخ بلاد الشام مرتبط بسيرة أولي العزم من الرسل وغيرهم من الأنبياء والمرسلين؛ كلوط، وإسحاق، ويعقوب، وأيوب، وداود، وسليمان، واليسع، وذي الكفل، وزكريا، ويحيى -عليهم صلوات الله وتسليمه-.
ودخلها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ولم يخرج من الحجاز إلا إليها، وبعد الهجرة توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشارفها؛ فوصل تبوك، ولم يلق كيداً، ووجَّه إليها جيش أسامة، فبدأ بها قبل غيرها من الأمصار.
لنا كلمة
الشام بلاد مباركة، وقد باركها الله عز وجل، وهي ممتحنة لأن خيراتها كثيرة، وشعبها مسالم منذ وطأ أرضها ولدا آدم عليه السلام، وكل شيء فيها مبارك، والأرض التي اختارها الله تعالى لتكون مهداً لأنبيائه ورسله، ومفتاحاً لكتبه.
لذلك فالطامعون فيها كثير، والمحاولون أن يدنسوا أرضها الطاهرة أكثر، فعلينا نحن أبناء الشام أن نقف يداً بيد لنحميها من شتى أنواع الطمع والجشع، والتخريب الذي تحاك من أجله المؤامرات، وتدفع في سبيله مليارات الدولارات، والتي كانت من الأجدر أن تبنى فيها مستشفيات، ومدارس، ومعاهد وجامعات..
وغير ذلك الكثير، فالشام يا أخوتي بلد المحبة والسلام، والألفة والوئام، ويشهد على ذلك حمام الجامع الأموي الذي راح يصلي في أرجائه طائفاً ينادي بالسلام…
المراجع:
1- القرآن الكريم.
2- صحيح البخاري.
3- تفسير الطبري.
4- تفسير ابن كثير.
5- صحيح مسلم.
6- كتب تفسير اخرى.