في السادس من أيار عيد الشهداء.. كلنا فداء للوطن
عظيمة هي سورية.. وباسلة دائماً.. حكاية أسطورية تصعب قراءة التاريخ دون المرور على صفحتها.. ويستحيل إدراك معنى العشق دون فهم لغة السوريين في غزلهم للأرض.. أمام سورية يصمت الكلام وتبتلع الحروف نفسها ويحتار الواقف على عتبة الشهيد كيف يقتحم جلال حضوره وصمته
الصاخب.
وفي كل مرة يعود فيها الربيع ويقف التاريخ عند السادس من أيار عيد الشهداء تبدو سورية أكثر ألقاً فهي أم العريس تربيه لتزفه إلى الأرض بهياً مشرقاً كريماً شجاعاً فالثقة بينه وبين الأرض كفيلة بدفعه لينام في حضنها ويسكن قلبها مطمئناً بعد أن يهدي زهرة للواقفين على تاريخه تقول لهم إن الوطن هو الأغلى وهو الذي يستحق التضحيات.
ويبدو الاحتفال بعيد الشهداء هذا الربيع مختلفاً بعد أن استمد بريقاً جديداً أضافته إليه دماء الشهداء الزكية التي روت أرض الوطن في مواجهة المجموعات الإرهابية المتطرفة فربيع الشهداء هذه السنة أغنى والشهيد نفسه يحتفل بعيده.. هو من يصنع الأكاليل ويهتف للوطن ويطلق الزغاريد للحرية واقفاً بين أمه والأرض ملبياً نداء الاثنتين فيفدي الأولى ويمضي واثقاً إلى حضن الأخرى.
في ربيع الشهداء تجدد سورية نفسها تطلق ازهارها لتملأ الأرجاء عطراً وتهدي لشقائق النعمان مزيداً من الاحمرار والروعة وتمضي مواكب الشهداء لتبشر بموسم للخير والأمان والاستقرار وتعود موسيقا الوطن لتعزف لحني الشهيد والوداع.
ويشعر المراقب للمشهد السوري اليوم أن المناطق السورية دخلت في منافسة وطنية لتقديم الشهداء دفاعاً عن عزة الوطن و كبريائه ويتضح له أن السنوات التي أمضاها السوريون لبناء جيشهم العقائدي آتت اكلها لترسم أسماء الشهداء صورة الوطن كل الوطن.
ويبقى للشهيد كلام لم يقله تردده الأمهات والأخوات والأخوة والرفاق تظهر فيه أحلامه المليئة بالحب والعطاء والحنان فهو يحلم بقرية أجمل ومدينة أرحب ومستقبل أفضل وأرض يزرعها لتنتج الخير أو بيت يبنيه ليستضيف فيه الأحبة فالشهيد الذي بذل دمه لا يمكن أن يبخل بشيء لأنه الأكرم والأنبل.
وعلى مساحة سورية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها توزعت مواكب الشهداء وزرعت ساحات الوطن بالهتاف للشهيد لتبدو الوحدة الوطنية السورية في أعظم صورها والصرخة واحدة كلنا فداء للوطن.
تركوا أحلامهم البسيطة ليكبر الحلم بالوطن وغادروا الحياة ليحيا الوطن وبذلوا الدم ليحموا أبناء الوطن هم الشهداء خير الأبناء واشجع الآباء اغتنموا شبابهم وقرروا ألا يهرموا لتبقى ذكراهم شابة على مر الأيام والعصور تعطي المثل للقادمين بعدهم وتزيدهم إيماناً بالتضحية لأن الوطن غال ويحتاج لمن يحرس أحلام أبنائه.
وعبر هذا التاريخ الطويل اثبت السوريون للعالم أن ما عجز عنه المتامرون خلال قرن كامل سبقته قرون من الاحتلال والطغيان لن يتحقق اليوم حيث ان عيون السوريين مفتحة على مكامن الخطر وهم يعرفون عدوهم ويميزون أصدقاءهم ولا يعتمدون إلا على أنفسهم فدماء الشهداء التي روت تراب الوطن منذ اكثر من ستين عاماً واثمرت استقلالاً كاملاً عن الاحتلال الفرنسي وصنعت جيشاً عقائدياً بني للدفاع عن الوطن هي نفسها تمتزج في خندق واحد لمواجهة المؤامرة والفتنة التي تستهدف كل سورية ومن خلالها كل الأمة.
والسوريون يدركون قيمة الشهادة وهم يعلمون أن شهادتهم تحمي الوحدة الوطنية والحقوق والمقاومة وكرامة الشعب وهم متأكدون انها ستكلل بتعزيز قوة سورية ومنعتها ونصرتها للحق والقضايا القومية وتكون اكثر حصانة تجاه المخططات والمؤامرات الخارجية ولذلك نسمع عند تشييع كل شهيد نداءات المشيعين كلنا فداء للوطن.