الدراما التلفزيونية السورية
بعد الفورة الإنتاجية للدراما التلفزيونية السورية منذ أوائل التسعينات بدأ التساؤل المطروح يدور حول سوية هذه الدراما ومدى تلبيتها لمتطلبات المتلقي بعيداً عن التجارة والإرتزاق وما هي السبل الكفيلة لإنتشالها من المستنقع الذي بدأت تغوص به .
العطاء الدرامي
بالعودة إلى الستينات والسبعينات إنحصرت الدراما السورية بالبيئة الدمشقية رغم وجود أعمال هامة أنتجها التلفزيون السوري وتناولت بيئات مختلفة مثل مسلسل (( أسعد الوراق )) الذي يعتبر من أهم الأعمال العربية وبعض المسلسلات البدوية .
وبقيت كذلك حتى بداية التسعينات وظهور شركات الإنتاج والفورة الإنتاجية التي أخذت تتناول مختلف البيئات السورية وبدأ الجمهور يشعر بوجود مساحات يمكن اللعب عليها من الناحية التاريخية وفتحت أمامنا مجالاً لتصوير رؤيتنا للمسلسل من خلال عناصر الإنتاج كافة .
لكن الدراما السورية أخذت تجنح نحو التكرار وهذا يعني وجود مأزق يشير إلى أولى دلالات الأزمة وهذا يتطلب إعادة النظر في المرحلة السابقة ووضع أسس ملائمة لنقلة نوعية تنهض بالدراما السورية .
سن الرشد
ومع أننا لا ننكر التطور الذي حدث في المسلسل التلفزيوني من تمثيلية إلى مسلسل متعدد الحلقات ومتشعب الأفكار والطروحات أضف إلى ذلك غنى الدراما السورية بالكوميديا والأعمال الإجتماعية والفانتازيا مما يدل على دخولها سن الرشد ومع ذلك يبقى المسلسل السوري يعاني من مشاكل كأي عمل أخر .
عوامل
ويمكن رد نجاح الدراما السورية إلى عاملين :
الأول : وجود عدد كبير من المبدعين فيها .
الثاني : تكامل الشروط التي يعمل بها التلفزيون إبتداءً بالنص وإنتهاءً بالمخرج ( إلى حدٍ ما ) .
مشكلات
ولكن المشكلة في الدراما السورية ليست إبداعية بقدر ما هي في عدم وجود إستراتيجية إنتاجية تنظم الإنتاج الدرامي وتجنبه التكرار وتوظف الإبداعات في إتجاهات متعددة وتتطور وتطور الواقع بشكل أفضل .
ومع أن الدراما السورية لم تسر دائماً بإتجاه متصاعد نحو الأفضل والمشاكل التي نعرفها جميعاً ترتبط بالنصوص والإنتاج والأعمال الجيدة باتت تقتصر على شهر رمضان من السنة وما تبقى معظمها أعمال دون المستوى المطلوب .
المشكلة الأخرى هي غياب الأنظمة والقوانين التي تحفظ للفنان السوري حقوقه المادية والمعنوية بالشكل المطلوب وهذا يضطره للعمل ضمن ظروف سيئة .
مواكبة التطورات
أهم ميزة للدراما السورية هي إرتقاءها بمستوى الرؤيا مما أتاح الفرصة للمشاهد على تنمية القدرة على التمييز بين الغث الثمين وإستطعنا الدخول إلى خصوصية البيئة السورية وخصوصيتها كسوريين .
وقد إستفادت الدراما السورية من المواضيع العديدة والقصص المختلفة لكنها بقدر ما طرحت من قضايا هربت من أخرى وقد ركزت على القضايا الفنية أكثر من الإجتماعية وما تعانيه الأن هو غياب الجهاز العصبي الذي يقودها فمن يصنعها الأن أفراد وليس جماعات .
لذلك ندعو إلى إستعادة التلفزيون لدوره كحاضن للدراما لأنه الكفيل بتقديم أعمال تضع الربح نصب عينيها والكفيل بمنح حرية لا توفرها شركات الإنتاج والأموال العربية .
الكاتب
والنقد الأهم الموجه للدراما السورية هو في أنها لا تدخل قلب الأزمات بل تدور حولها لأسباب متعددة منها رقابية وإنتاجية ومنها ضعف في القدرات الإبداعية ومع أننا نملك كتاباً وروائيين مبدعين لكنهم غير متخصصين بالسيناريو وما نحتاجه هو مؤسسة تعنى بصقل المواهب وتدريبها أو تحديد جهة لإستقبال النصوص حتى من الخامات الواعدة العديدة التي ما تزال تعيش في الظل ولنا في تجربة (( حكايا المرايا )) للأستاذ ياسر العظمة المثال الأوضح لهذا الموضوع .
العلاقة مع المتلقي
نؤكد على أن ما يقدمه الفنان السوري اليوم هو ما يريده المنتجون وليس الجمهور وهذه المشكلة قد تقضي على الدراما السورية إذا لم يتحرك المعنيون لإنقاذها فقد بتنا بحاجة إلى إعادة النظر بكل ما نقدمه على الشاشة وعلى المخرجين والكتاب البحث عن إتجاه جديد لطرح القضايا وعلى التلفزيون ضبط الإيقاع بما يتناسب مع تنامي الخط البياني للدراما السورية .
وبما أن هنالك كم هائل من الأعمال السيئة فهذا يتطلب دعم الأعمال الجيدة لعرضها بطريقة جيدة .ولأن (( الفن ليس الحياة بل كيف يجب أن تكون الحياة )) يجب أن تخرج الكتابة في الدراما السورية عن حيز التكليف وأن يعود المخرج إلى دوره في إختيار شخصيات عمله وخاصة في القطاع الخاص كيلا تتحول المسألة إلى تجارة وسمسرة .
وأخيراً
الدراما السورية رغم الملاحظات العديدة عليها نشأت وسط مناخ الثقافة السورية وكلنا يعرف أن محمد الماغوط وزكريا تامر كانوا ممن أسسوا للدراما السورية التي تستفيذ حالياً من الفنون كافة وتتسلح بها لتقدم رواية تلفزيونية جيدة ومع أن الجمهور قد يخسر أحياناً لكنه يكسب في أكثر الأحيان وهي دعوة للتفاؤل لأن الدراما السورية هي الأعمال الجيدة والصادقة ذات الرسالة النبيلة فقط .