الذكرى الـ66 للعدوان الفرنسي على البرلمان السوري
في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29 أيار 1945، وجّه الجنرال الفرنسي «أوليفيا روجيه» إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي السوري دولة سعد الله الجابري، يهدّده فيه بانتقام فرنسا، ويطلب إليه أن تقوم قوات الشرطة والدرك السورية المرابطة حول المجلس
وقد رفضت حامية البرلمان أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية، الذي يقع مقابل مبنى المجلس، بعد أن تلقّى قائدهم مفوض الشرطة سعيد القهوجي أمراً بالرفض من رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان، مستخدمين الأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات.
وفي تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة، دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص، وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، فيما تقدَّمت المدرعات الفرنسية لتوجّه نيرانها باتجاه مبنى البرلمان بكامل قوتها، بينما استحكم رجال الدرك السوري ورجال الشرطة المولجون بالدفاع عن البرلمان وراء متاريسهم، وشرعوا في مقاومة ضارية لوقف تقدّم القوات الفرنسية، معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، رافضين الاستسلام. ومن بين المدافعين، الذين كان عددهم ثلاثين مقاوماً، استشهد ثمانية وعشرون، وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس النيابي، هما شهير الشراباتي وإحسان بهاء الدين، استطاعا الفرار والنجاة من الموت المحقق بأعجوبة، بالإضافة إلى الشرطيين إبراهيم الشلاح ومحمد مدور، اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى، ليصبحا الشهيدين الحيّين.
وتضمّ قائمة المجد لشهداء 29 أيار:
1. وكيل الضابط محمد طيب شربك.
2. العريف برهان باش إمام.
3. العريف طارق أحمد مدحت.
4. الدركي شحادة إلياس الأمير.
5. الدركي خليل جاد الله.
6. الدركي إبراهيم فضة.
7. الدركي محمد حسن هيكل.
8. الدركي يحيى محمد اليافي.
9. الدركي زهير منير خزنة كاتبي.
10. الدركي ممدوح تيسير الطرابيشي.
11. الدركي محمد أحمد أومري.
12. الدركي محمد خليل البيطار.
13. الدركي سعد الدين الصفدي.
14. الدركي ياسين نسيب البقاعي.
15. الدركي زين محمد ضبعان.
16. الدركي عيد فلاح شحادة.
17. الدركي إبراهيم عبد السلام.
18. الدركي أحمد محمد القصار.
19. الدركي جورج أحمر.
20. الدركي محمد عادل المدني.
21. الدركي واصف إبراهيم هيتو.
22. الدركي عبد النبي برنية.
23. الدركي سليمان أبو سعد.
24. الدركي أحمد مصطفى سعيد.
25. المفوض في الشرطة سعيد القهوجي.
26. الشرطي مشهور المهايني.
27. الشرطي محمود الجبيلي.
28. الطبيب حكمت التسابحجي (الذي حضر لإسعاف الجرحى واستشهد معهم).
ولم يقتصر العدوان الفرنسي يومذاك وفي اليوم التالي على البرلمان وحاميته، بل امتدَّ ليشمل عدة أحياء من دمشق. وقد صدر إحصاء رسمي قال إنَّ عدد القتلى من المدنيين بدمشق في ذلك العدوان بلغ 600 شهيد، وإنَّ الجرحى والمشوهين بلغوا 500 جريح، والذين أصيبوا بجراح يمكن معالجتها 1200 جريح (ويمكن مراجعة كل التفاصيل في كتابنا سعد الله الجابري السوري العروبي النبيل الزاهد).
شجاعة وكرامة وأنفة حامية المجلس الباسلة، رافقتها شجاعة الحكومة السورية، فقد استدعى رئيس الجمهورية شكري القوتلي، الذي كان يتعافى من مرض أصابه، سفراء الدول الكبرى، وأبلغهم بأنه سينزل إلى الشوارع على نقالة ليستشهد مع أبناء شعبه، إذا لم تتحرّك دولهم لإيقاف هذه المجزرة المروعة، كما رفض عرضاً من السلطات البريطانية بأن يذهب تحت حماية الدبابات البريطانية إلى الأردن، وقال للسفير البريطاني: «سأموت مع شعبي هنا في دمشق».
أما رئيس مجلس النواب الجابري، فكان قد غادر البرلمان في وقت سابق وذهب إلى فندق الشرق (أوريانت بالاس قرب محطة الحجاز في دمشق)، حيث كان يقيم، وفور وصوله استهدف الفرنسيون الفندق بنيرانهم بغية اغتياله، إلا أنه نجا من موت محقق؛ إذ صادف أن جاء السفير السوفييتي وأخذه من الفندق بعد أن ارتدى ثياب بطريرك موسكو وسائر روسيا وأوصله إلى الحدود اللبنانية، ومنها تمكّن من الوصول إلى بيروت، حيث فضح العدوان الفرنسي وأعلم العالم بما يجري، ومن هناك غادر إلى مصر حيث طالب بعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية الناشئة حديثاً.
وتكريماً وتخليداً لهذه المأثرة الوطنية المشرفة التي حفظت كرامة بلادنا وأسهمت في زرع فكرة المقاومة ورفض الذل في نفوس أجيال متتابعة من السوريين (وهكذا نرى أنَّ معركة ميسلون في 24 تموز 1920 اختتمت بمعركة البرلمان في 29 أيار 1945 كدلالة على موقف الشعب والجيش والدرك السوري من الاستعمار الفرنسي)، تمَّ اعتبار يوم 29 أيار من كل عام يوماً خاصاً لتخليد ذكرى رجال الأمن الداخلي الذين استشهدوا عام 1945 وجميع رجال الأمن الداخلي الذين استشهدوا بعد هذا التاريخ.
ورغم أنَّ أحداث 29 أيار جرت في العاصمة دمشق، إلا أنَّ قائمة أسماء الشهداء الذين سقطوا تجمع في طياتها كافة أزاهير النسيج السوري، حيث تجد فيها أسماءً من كافة الأديان والمذاهب والطوائف والأثنيات المتعددة المتنوعة المتآلفة المتحابة في بلادنا سورية، وهي تذكير بأنَّ قوى الدرك والشرطة والأمن الداخلي السوري مثل بقية المؤسسات كانت منذ نشأتها الأولى مدرسة في الوطنية والعيش المشترك وأداة لتعزيز الوحدة الوطنية التي نريدها اليوم قوية.. منيعة.. ودرعاً يحمي الوطن.
تحية إلى شهداء 29 أيار 1945 وإلى كل الشهداء الذين سبقوهم ولحقوهم… وتحية إلى إخواننا في سلك الشرطة والأمن الداخلي في يوم عيدهم.