العوامل التي تؤدي إلى إنحراف الأحداث
الطفولة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع والطفل يتعلم ما يعيشه ويكتسب سلوكه وتصرفاته مما يشاهده عملياً في الحياة اليومية وما يلاحظه من تصرفات الكبار الذين يقلدهم ويقتدي بهم .
كون الطفولة هي الخطوة الأولى المؤدية إلى المراهقة وهذه الأخيرة هي السن الذي يترعرع فيها الجنوح والإنحراف وفيها تصقل شخصية الإنسان فإما أن تكون لبنة صالحة في بناء مجتمع سليم معافى وإما أن تكون لبنة مهلهلة ضعيفة معوجة فتكون النتيجة (( الكارثية )) وتكون لبنة فاسدة تصيب جسد المجتمع والبناء الإجتماعي بالخلل والوهن والفساد .
لقد بينت بعض الدراسات أن هنالك عدة عوامل تؤدي دوراً رئيسياً في جنوح الأحداث وإنحرافهم مثل :
(( الفقر والجهل وتفكك الأسرة )) لكن تلك العوامل لا تؤدي دورها منفردة بل إنها تتفاعل لتؤثر في كيان الحدث وفي نموه الإجتماعي والنفسي .
وعزا بعض علماء النفس الدارسين لظاهرة الجنوح أسبابها إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية .
فالعوامل الداخلية تتمثل في رأيهم بالإنفعالات القوية التي تعبر عن الغرائز الأولية كغريزة حب التملك التي تدفع صاحبها إلى السلب والسرقة والغريزة الجنسية التي تدفعه إلى إرتكاب الجرائم الجنسية والشذوذ الجنسي وما شابه ذلك .
ومن العوامل أيضاً الأمراض العقلية وإعتلال الجسد …. فالمرض الظاهر قد يترك في نفس المريض نقصاً يدفعه للإنتقام وإرتكاب الجرائم .
أما العوامل الخارجية (( وهي مايهمنا هنا )) والتي تدفع لجنوح القاصرين فنذكر منها :
-سوء ة الأسرة وفسادها فالماجنون والمنحرفون في الأسرة هم نتاج أبوين غير سويين والمنزل الذي يسوده الخلق الدنيء والتصرفات الفاسدة غير المسؤولة لا شك أنه سيورث أبناءه الشقاء والتعاسة ويدفعهم لمرافقة قرناء السوء بسبب غياب الرعاية الحكيمة والتوجيه السليم وهذا ما يدفعهم لإكتساب العادات الذميمة والأخلاق السيئة .
-تشغيل الأحداث : يؤدي لإنحراف سلوكهم وإعوجاجهم وقيامهم بإرتكاب الجرائم وإكتساب العادات السيئة وتعلم ألفاظ السباب والشتم خاصة إذا غابت رقابة رب العمل أو غاب حسه بالمسؤولية تجاههم .
-الفقر والبطالة : يؤديان لإنحراف الأحداث وسلوك طريق الجريمة والعنف للحصول على ما يمسك رمقهم ويستر أجسادهم فإذا ما لجأ الحدث إلى السرقة فإنما يفعل ذلك كرد فعل على واقعه وكنقمة على مجتمعه وتشفياً من هذا المجتمع الذي لا يعتني به ولا يعيره أي إنتباه .
-ضعف الرقابة المدرسية : فالمدرسة هي البيئة الثانية التي يترعرع فيها الحدث فإذا ما أهملت المدرسة الرقابة على تلاميذها أو أخضعتهم لأساليب تعليمية جامدة وعقيمة فإن ذلك سيؤدي إلى نتيجة عكسية على التلاميذ مما يدفعهم إلى الإنحراف والجنوح .
وللحد من تلك الظاهرة وإستئصالها من المجتمع يجب أن نعتني بالولد وتربيته وخاصة في مرحلة المراهقة وواجب الأباء والمعلمين هو حسن المعاملة مع المراهق وحسن تأديبه وهنا يبرز دور الوالدين والأسرة (( على وجه الخصوص )) في تكوين شخصية الفرد وتقويم سلوكه فإذا نشأ على الأخلاق الفاضلة سيكون فرداًصالحاً وأيضاً من واجيات الأباء مشاركة الأبناء في حل مشكلاتهم بعد كسب ثقتهم (( طبعاً )) وعدم القسوة والشدة في التعامل معهم لكي لا يحقدوا عليهم فتنعكس الصورة رأساً على عقب كما يجب خلق الثقة بالنفس لديهم وتعويدهم الوسطية في كل الأمور لأن خير الأمور أوسطها وإبعادهم قدر الإمكان عن رفاق السوء الذين يقودونهم إلى مهاوي السقوط والرذيلة ويجب كذلك تعزيز الأخلاق الفاضلة في نفوسهم وتربيتهم بالقدوة الحسنة بأن يكونوا لهم قدوة حسنة بالقول والفعل وأن يعززوا تقدير قيمة الوقت في نفوسهم وضرورة الحفاظ عليه لما له من قيمة كبرى في حياة الإنسان .ولا يغيب عن بالنا أن أغلب قوانين العقوبات في العالم قد أخذت إجراءً لإصلاح تلك الفئة ينطوي تحت مبدأ (( التدابير الإصلاحية )) وراحت تطبق أصول وقواعد هذه المؤسسة على مرتكبي الجرائم من الأحداث هادفة من وراء ذلك إلى رعاية الجانحين وإعطائهم الفرص الكافية لكي يعودوا سالمين إلى المجتمع مزودين بالعلم والمعرفة والسلوك اللائق وقد سنت الدول الراقية ولاسيما في أوربا وأمريكا مناهجاً جديدة في رعاية الأحداث وطرق تلك الرعاية كإنشاء العيادات النفسية للأطفال التي تدرس مشاكل الأطفال وتحللها وتوجد أسبابها وطرق معالجتها التغلب عليها قبل إستفحال أمرها .
وقد طرحت في تلك الدول شعارات تقول بأن الدولة مسؤولة وحدها عن كل إنحراف إجتماعي فالمجتمع يقع عليه العبء الأكبر في توجيه وإرشاد ومساعدة الناشئ الذي تبدو عليه مظاهر الإنحراف وتتجلى هذه المساعدة بالإكثار من إنشاء الملاجئ ودور الأيتام والمدارس الخاصة بضعاف الققول والمصابين بالشذوذ النفسي فهذه المؤسسات تحميهم من خطر التسول والتسكع في الشوارع وتنمي في نفوسهم بذور الخير والإصلاح .