التقنيات الحديثة في التشكيل السوري بين التجديد وتقبّل الجمهور
فنانون سوريون: التنوع في التقنيات الحديثة يطور أدوات الفنانين الشباب ويحرك خيالهم ليبدعوا فنا جديدا يبدد ملل المشاهد من الأعمال التقليدية
لم يعد الفن التشكيلي مجرد ألوان زيتية على سطح قماشي بعد أن وفرت التكنولوجيا للفنانين المعاصرين احتمالات كثيرة كالفنون البصرية والمواد الصناعية والخلائط المعدنية وغيرها من أدوات التعبير الجديدة التي فتحت الرؤية الفنية على أفق البحث والتجريب.
وقد شملت تأثيرات التقنيات الحديثة الموضوعات والألوان ووسائل عرض اللوحات في إطار توجه تشكيلي حداثي ينفلت من الثبات والجمود ويحرر الحس الفني ليعطي مفهوما عصريا جديدا للفن.
ويقول أكثم عبد الحميد مدير كلية الفنون الجميلة بدمشق إن "لكل عصر أدواته ومبدعيه ومن الطبيعي أن تختلف الموازين وتتطور الأدوات في عصرنا الحالي فلم يعد هناك معايير وشروط تقيد العمل الفني لأن دورة الحياة اختلفت وظهرت تسميات وأدوات تعبير جديدة ففي النحت نجد فن العمل المركب (انستوليشن) الذي يضم جميع مخلفات الطبيعة من خشب وحجر وزجاج وورق إذ بات كل شيء مباحا للاستخدام وأنا أعتبر ذلك ظاهرة صحية ولكن الجمهور السوري قد لا يتقبل هذه الأعمال لذلك نرى أن استخدام هذه التقنيات شبه بطيء في الحركة التشكيلية السورية".
ولفت عبد الحميد إلى أن بعض الفنانين السوريين الشباب استخدموا التقنيات الحديثة في أعمالهم التي شاركوا بها في مهرجانات عالمية وحصلوا فيها على الكثير من الجوائز مشيرا إلى أن هؤلاء الشباب اكتسبوا مهارات التعامل مع التقنيات بشكل شخصي من خلال ثقافتهم واطلاعهم على إنتاج الفن الحديث لينطلق كل منهم إلى الأفق الخاص به.
وقال شاهين عبد الله الاستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق إن الفنان في عصر النهضة كان يستخدم المواد المتاحة من الطبيعة( ترابات-اكريليك-تنبرا-زيتي-مائي) أما الآن فقدمت التكنولوجيا للفنان المعاصر خيارات كثيرة مثل الفنون البصرية التي تعتمد على الفيديو او السينما وهناك المواد الصناعية كالبلاستيك والمعادن والقماش والحبال المستخدمة في تجهيز الفراغ وكذلك في النحت الحديث صارت تصب القوالب من خامات مختلفة أي أن الفنان أصبح يتماشى مع تطور البشرية وروح العصر ليوظف فنه بالنهاية لغاية الجمال.
وأضاف أن هذا التنوع في التقنيات (الفيديو ارت- الفن التفاعلي- الفن الأدائي-تجهيز الفراغ )يساعد الفنانين الشباب على اظهار فنهم ويحرك خيالهم ليبدعوا فنا جديدا يفرض عليهم أفكارا جديدة ومواد جديدة وأداء جديدا بعد أن مل المشاهد الأعمال التقليدية.
ووصف عبد الله المناهج التي تدرس في كلية الفنون الجميلة بأنها محدودة في أفكارها وموادها وعدم مواكبتها للتجارب الغربية الحديثة والسبب أنها توضع من قبل أساتذة نمطيين لا يتقبلون التجديد وهذا ما يجعل الهوة تتسع بينهم وبين طلاب موهوبين يمتلكون مقومات الوصول إلى العالمية اذا توفر لهم الاهتمام الكافي وأفسح لهم المجال كي يظهروا مواهبهم.
هذا ما أكده موسى نعنع خريج 2009 قائلا إن طموح أي فنان شاب هو البحث عن تقنية جديدة ومفهوم جديد وكيفية تطوير أفكار من سبقه معتبرا أن التقنيات الجديدة ليست ضرورة بل هي عنصر من عناصر الفن فهناك فنانون شباب اكتفوا بالتقنيات التي اشتغل عليها من سبقهم كتقنية (الكولاج) الصاق قصاصات ورقية وقماشية على سطح اللوحة وهناك من اشتغل على اللون أو التكوين أو الموضوع بحد ذاته لينشأ ما يسمى الفن التركيبي وفن الفكرة.
وأوضح نعنع أن أسلوب التدريس في كلية الفنون يخلو من منهاج عملي واضح ويفتقر إلى أسس يشتغل عليها الطلاب سواء بالتقنيات القديمة أو الجديدة فمادة تقنيات الفن يجب أن تعطى اهتماما أكثر من حيث الوقت والتطبيق العملي حيث يتخرج الطالب ولديه ضعف في تقنية اللوحة لأن الكلية تعلمه أن يرسم ويلون فقط.
ويوافقه في ذلك عماد حباب طالب تخرج مشيرا إلى أن الأسلوب الأكاديمي المحدود في الكلية لا يفتح المجال للطالب لتجريب التقنيات الحديثة والأدوات الجديدة ففي النحت مثلا لا يمكن للطالب أن يقدم عملا تركيبيا في مشروع تخرجه والخلاصة ان الأساتذة الذين درسوا دراسة نمطية لا يمكن أن يعطونا شيئا حداثيا.
وتحدث حباب عن موضوع الفيديو ارت الذي يستخدم في بعض محاولات الفنانين الشباب موضحا انه يكون أحيانا على شكل توثيق صور بصرية متلاحقة تشكل في مجملها صيرورة وتدخل عامل الزمن في صلب العمل فيما كانت اللوحة في السابق ترينا النتيجة وليس الصيرورة التي فيها.
وقال إن صالات العرض في سورية تعرض أعمالا حديثة مثل (الأنستوليشن) وهو اسلوب في النحت بعيد عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على خامة واحدة فصار العمل يتكون من خامات متعددة تتداخل فيه السطوح مع الكتل اذ يتم العمل على الفكرة بعيدا عن المعايير المتعارف عليها وهذا فيه خرق للقواعد بما يفتح حدود العمل النحتي.
ورأى حباب أن ما يدخل إلى اللوحة أو العمل النحتي من تقنيات يكسب العمل قيمة فنية وكل يوم هناك تجارب جديدة توسع الأفق فالتقنيات المضافة هي أدوات تضاف إلى التشكيل في حالة من اختزال المفاهيم التشكيلية والوعي في استخدام هذه المفاهيم..
ويرى الناقد الثشكيلي اديب مخزوم أن الوسائل التقنية الحديثة حررت العمل الفني من منزلقات الوقوع في هاوية التكرار والترداد إلا أنها طرحت في مقابل هذه المظاهر الايجابية إشكاليات والتباسات ومخاطر سلبية لا حدود لها فالخلل الكبير الذي أصاب العديد من التيارات الحديثة المحلية والعربية يكمن في ارتباطها المباشر بالأجواء التقنية المستهلكة والمألوفة والمطروحة بكثرة في الفنون العالمية.
فالفن السوري الشاب الذي يقدم اليوم في معارضنا يدخل في إطار المغامرة والتجريب واجترار التقنيات الأوروبية البائدة منذ عقود وبالتالي فهو يثير التساؤل وعلامات الاستفهام حول مفهوم التشكيل الحديث ومسائل الابتكار وعلاقة التراث بالحداثة والمعاصرة.
وتابع مخزوم أن التجديد في الفن التجريدي المحلي والعربي لا يعني استعادة الصيغ الغربية الجاهزة وإنما الاندماج بنبض الحالة الداخلية والمشاعر المعاشة أثناء انجاز اللوحة لأنه حين يكون الاحساس صادقا يكون الكشف والابتكار في حركة الخطوط والاشارات والدلالات اللونية