خيال الظل والحكواتي تاريخ دمشقي
يعتبر الكراكوزاتي ناقداً شعبياً وأديباً حاضر النكتة، أعجب ما فيه قدرته على تغيير وتيرة صوته ولهجته
عرفت "دمشق" أشكالاً عديدة من الفرجة الشعبية كانت تلبي جزئاً من حاجة الناس إلى فن المسرح والحكايات،حيث كانت خيمة خيال الظل فناً مركباً وأكثر تعقيداً من غيرها من الفنون الشعبية التي راجت في "دمشق" كصندوق الفرجة والحكواتي وسواها.
وللوقوف على هذا الفن التقى الأستاذ "محمد مروان مراد" في المركز الثقافي بالمزة أثناء محاضرة "مسرح خيال الظل والحكواتي" للباحث الأستاذ "محي الدين قرنفلة" للحديث عن هذا الفن وشخصياته الكراكوزاتية، حيث قال: «كان الكراكوزاتي ومعاونوه ينصبون خيمة الظلال في مقاهي "دمشق" الشعبية عارضين حكايات ذات أنماط ثابتة وحبكات درامية مرنة تتمدد وتتفاعل بالارتجال مع جمهور المشاهدين ولاسيما في أيام شهر رمضان مقاربةً بذلك أجواء موسم الدراما السورية في أيامنا هذه». وأضاف: «يعتبر "الكراكوزاتي" ناقداً شعبياً وأديباً حاضر النكتة، أعجب ما فيه قدرته على تغيير وتيرة صوته ولهجته، وكان الكركوزاتي يضمّن فصوله على لسان شخوصه بغية أن يبث في أذهان مشاهديه من نقد وتجريح أو مدح وطرب مع بعض الحكم و النوادر لاجئاً إلى إشراك المشاهدين أحياناً بإجراء الحوار بين الشخوص الممثلة والمشاهدين في مقاهي "دمشق" في كل من حي "ساروجة" و"القيميرية، العمارة والبحصة الجوانية"». فيما تحدثت الآنسة "مروة إسماعيل" من الحضور قائلةً: «يعتبر مسرح خيال الظل وشخصيات كركوز وعيواظ نوعاً من العروض المسرحية بأسلوب بسيط وتلقائي، ويهدف من ذلك المتعة للمتفرجين ومن خلال الحديث على لسان شخوصه يتم تمرير بعض الانتقادات الهادفة لرجال الحكم آنذاك وبعض المظاهر السلبية وكل ذلك كان يتم بأسلوب ارتجالي وفي اللحظة نفسها يتشكل الحدث». أما عن رأي "مها محفوظ" من الحضور، فقد قالت: «من خلال شخصيات "كركوز وعيواظ" وباقي شخصيات مسرح خيال الظل نتعرف على كثير من عادات المجتمع آنذاك وخلال الحقبة العثمانية ويجرى على لسانها أحداث من ضمن واقع مدينة "دمشق" أو "حلب" أوغيرها». أما الباحث الأستاذ "محي الدين قرنفلة" فقد حدثنا عن مسرح خيال الظل، قائلاً: «مسرح خيال الظل، ويعرف أيضاً بـ "شخوص الخيال"، و"ظل الخيال"، و"طيف الخيال"، و"خيال الستار"، و"ذي الخيال"، وهو فن شعبي انتقل إلى العالم الإسلامي من "الصين والهند" عن طريق بلاد "فارس"، واشتهر به العصر المملوكي على وجه الخصوص، ويعتمد هذا الفن على دمى من الجلود المجففة ذات الألوان المتباينة، ويتم تحريكها بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء، مما يجعل ظلها هو الذي يبرز للمشاهدين، وكان محرك الدمى فنان محترف، يعرف باسم "مخايلي" أو "محرك الشخوص"». وأضاف "قرنفلة" عن تمثيليات خيال الظل قائلاً: «تعتبر من أهم وسائل الترفيه وكانت تقبل الناس على مشاهدتها، وتعرض في مسارح مخصصة والمقاهي والأماكن العامة بل وحتى في حفلات الزواج والختان وغيرها من المناسبات، كان يقبل على مشاهدتها الناس من جميع طبقات المجتمع، كانت التمثيليات تناقش مواضيعاً سياسية واجتماعية وتاريخية بطريقة فكاهية ساخرة، وكان أهم رواد هذا الفن "سليمان ابن الحشيش" و"أبيض أبرص"». أما عن حكواتي مدينة "دمشق" أضاف "قرنفلة": «هو واحد من الشخصيات الشعبية في "دمشق"، والحكواتي اسم لمن يحفظ الحكايات ويلقيها عن ظهر قلب، وظهر مع ظهور القهاوي في "دمشق" والتي كان ينوف عددها على المئة، وكان الحكواتي يتخذ مكانه في صدر المقهى على سدة عالية من الخشب وقبل شروعه في الحكاية يحكي لهم مقدمة تسمى "دهليز الحكاية" فيها أمور مضحكة ونصائح ثم بعد إتمامها يشرع في إتمام ما كان قد قدمه لهم في الليلة الماضية، لأن الحكواتي يقف في جزء من القصة تحترق النفوس لتوقفه وهذا يدل على مهارة الحكواتي حتى يكب الناس لاستماع تمام القصة بشوق في اليوم التالي، ويركز الحكواتي خلال إلقاء الحكاية على بث الشجاعة في القوم من كرم ومحبة وآخر حكواتي في مدينة "دمشق" كان يقدم حكاياه في مقهى "النوفرة" بالقرب من "الجامع الأموي" والذي ما زال على حاله إلى يومنا هذا».