البناء الفني للمسرحية بين رسم الشخصيات وتجسيد الفكرة
يعد النقاد الفن المسرحي من أبرز الفنون التي عرفتها المجتمعات الانسانية عبر تاريخها الطويل فقد كان هذا الفن يتطور بتطور الشعوب ،ويرتقي بارتقاء مداركها ،ويتنامى بتنامي وعيها في مختلف مجالات الحياة ،
لذلك كان تاريخ المسرح احدى الوثائق الهامة لتاريخ الأمم و الشعوب ،فلاغرابة في أن يحظى بالاهتمام الكبير ،وتتناوله الدراسات الفنية المتنوعة بالشرح والنقد والتحليل .
وقد يجد الباحث صعوبة في تحديد مفهوم المسرحي ،وايجاد تعريف شامل له ،لأن المذاهب المسرحية قد تعددت وتنوعت مناحيها واتجاهاتها وأساليب تصميمها وطريق بنائها منذ نشأتها حتى عصرنا الراهن ،بيد أن هناك أسساً يقوم عليها البناء الدرامي ،وتشكل قواسم مشتركة بين الأعمال التي عرفتها الانسانية عبر الاجيال المتعاقبة .
البناء الدرامي
يعرف أحد النقاد البناء الدرامي بقوله(هو الجسم الدرامي المتكامل في حد ذاته والذي يتكون من عناصر مرتبة ترتيباً خاصاً ،وطبقاً لمزاج معين ،لكي يحدث تأثيراً معيناً في الجمهور )، ويتضح من هذا التعريف أن البناء الدرامي شبيه بجسم الكائن الحي الذي تتناسق أعضاؤه ويقوم كل منها بعمله ودوره المحدد له يتيح هذا الجسم الحيوية والقدرة على الحركة والنشاط .
أما عناصر البناء الدرامي فقد تصورها الناقد الالماني جوستاف فريتاج في مأساة تقليدية ذات خمسة فصول
1- التقديمة 2- لحظة الدفع 3- الحدث الصاعد 4- ذروة التأزم 5- الحدث المنهبط 6- الفجيعة .
الشخصية المحورية كانت في حاجة الى شخصيات مساومة لها في الحيوية حتى تنضج وتحسن التعبير عن نفسها من خلال علاقاتها بها وتفاعلها معها ،متنافرة متضاربة أم منسجمة متعاونة .
الشخصيات في المسرحية
وقد يشعر بعض الكتاب بالنشوة حيث يرون شخصياتهم قد نضمت وامتلأت بالحيوية ،وأصبحت تتصرف وفقاً لمشيئتها وارادتها ،بل وتحسن التصرف ازاء مايعترضها من مواقف وأزمات ،وبرغم ذلك فإن على الكاتب المسرحي ألا يجعل هذه الشخصيات تتحكم به ،وتسيطر عليه ،وتقوده الى مواقف وآراء لايقتنع بها ،ولم يحسب لها حساباً من قبل ،بل عليه أن يكون ذا عزيمة صادقة ،وارادة صادقة حين يحدد لها مسارها ويوجه افعالها وسلوكها ،أما إذا غفل عنها ،ولم يعمد الى مناقشتها مناقشة متزنة واعية في كل تصرف تقوم به ،وكل رغبة تتحكم بها ،أو تقودها الى مواقف وأعمال طائشة متهورة ،فإن زمام هذه الشخصية يفلت من يده ،ويؤدي الى التناقض في مواقفه ،وقد يعرض بذلك هيكله الدرامي الى التخلخل والنقص والتشويه .
كذلك فإن على الكاتب المسرحي ان يدرك أن اجادته في رسم الشخصيات المتقنة لاتغنيه عن تحقيق التوازن بين عناصر عمله ،وتجسيد الفكرة التي ارسى عليها اركان مسرحيته ،فكل عنصر درامي له أهميته التي لاتبرز ولاتتحقق إلا بانسجامه مع العناصر الأخرى ،ولاشك في ان موهبة المؤلف في تصوير الشخصية الانسانية ،وإلقاء الضوء على تصرفاتها وشذوذها بالتحليل الدقيق أغلى وأثمن من أية موهبة ،ولعل عظمة شكسبير لم تترسخ إلا من خلال خلقه لعدد كبير من الشخصيات المتبا ينة سناً وجنساً وطبعاً وذكاء وحرفة ،خلقاً ناضجاً يوشك أن يبلغ التمام والكمال .
وعلى الكاتب أن يدرك أن الشخصيات في العمل الدرامي ليسوا أناساً واقعيين يستمدهم من الحياة ويصورهم كما هم في الواقع ،بل لابد له من حيث اصطفائهم أن يعمد الى التركيز على جوانب معينة من هذه الشخصيات تنسجم مع موضوعه ،وتسهم في تجسيد الفكرة التي بنى عليها مسرحيته ،كما أن عليه ألا يغالي أو يبالغ في التغيير والتعديل الى درجة يبعد فيها الشخصية عن الواقعية والاحتمال ،بل ينبغي أن تكون قريبة جداً من الطبيعة تصور اناساً لا عمالقة ولاكائنات غريبة .