دمشق ولندن تعززان «علاقة الشراكة بينهما»
قرابة الساعتين من المباحثات أجرها الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند أمس وصفت بـ «جيدة أرست قاعدة متينة لشراكة مستقبلية» بين سورية وبريطانيا.
وكان ميليباند وصل إلى دمشق أول من أمس في زيارة استمرت يومين هي الأولى لمسؤول بريطاني رفيع منذ عام 2001، بحث خلالها مع الرئيس الأسد «تطور العلاقات السورية البريطانية، والأحداث في منطقة الشرق الأوسط، وعملية السلام في المنطقة».
وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء «سانا» إن الرئيس الأسد وميليباند «أكدا ضرورة استمرار التشاور والتعاون بين البلدين الصديقين بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى أساس المصالح المشتركة لكلا الشعبين».
وفي أثناء بحثهما عملية السلام «أكد الوزير ميليباند أن بلاده تدعم بقوة المحادثات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل وترحب بالتقدم الذي أحرز على هذا الصعيد معرباً عن أمله في استمرار هذه المحادثات جزءاً من سلام شامل في المنطقة»، على حين «لفت الرئيس الأسد إلى أن عملية السلام في المنطقة تحتاج إلى جدية الطرف الإسرائيلي وإلى راع نزيه وإلى دور أوروبي فاعل وتضافر الجهود الدولية» قبل أن يعتبر أن «الوصول إلى سلام عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية هو الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة الأمر الذي ينعكس إيجاباً على العالم أجمع».
وجرى خلال اللقاء أيضاً «تبادل وجهات النظر بشأن تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط والعالم ولاسيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ولبنان حيث أعرب الوزير ميليباند عن تقدير بلاده العالي لدور سورية المهم والإيجابي والجهود التي تبذلها في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة».
من جهته «عبر الرئيس الأسد عن قلق سورية الكبير من الوضع الإنساني المأساوي في قطاع غزة بسبب الحصار والممارسات الإسرائيلية ولفت إلى أن كسر الحصار بات حاجة ملحة وأن على الدول الأوروبية القيام بدورها في هذا الخصوص».
وفي مؤتمر صحفي مشترك عقده الوزير ميليباند ووزير الخارجية وليد المعلم، تطرق الجانبان إلى التقارير الإعلامية التي تحدثت عن وجود آثار لمادة اليورانيوم في العينات التي أخذها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من منشأة عسكرية في موقع «الكبر» في محافظة دير الزور الذي قصفته إسرائيل في أيلول من العام الماضي بزعم أنه منشأة نووية.
واعتبر المعلم أن العثور على ذرات اليورانيوم في موقع الكبر «يشير إلى أن التفسير العلمي الوحيد لها هو نتيجة القذائف الإسرائيلية على الموقع»، وأعرب عن ارتياحه لأن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية طالب إسرائيل بالتعاون مع الوكالة لكشف حقيقة هذا الأمر، مؤكداً أن موقف سورية التي وقعت معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة «هو انتظار تقرير البرادعي للرد عليه» وهو ما وافقه عليه الوزير البريطاني الذي قال «نحن ننتظر التقرير الذي ستقدمه الوكالة الدولية في هذا الشأن قبل التعليق على هذا الموضوع».
وجدد المعلم تأكيد أن المنشأة المستهدفة في موقع الكبر هي منشأة عسكرية قيد الانشاء وليست للأغراض النووية.
وأكد الوزير البريطاني أهمية دور سورية في المنطقة وأبدى ارتياحه للمباحثات وتطوير الحوار الذي جرى بين البلدين خلال الأشهر الـ18 الماضية، وقال إن «عام 2009 عام مهم لتطوير رؤية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تتبادل من خلالها وجهات النظر حول مختلف القضايا» وأكد أن أمام سورية فرصة كبيرة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة مشيراً إلى أنها قامت بخطوات جيدة في الأشهر الـ18 الماضية ولاسيما في لبنان والعراق.
وحول الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان قال الوزير ميليباند «نحن ندعم قرارات الأمم المتحدة ونطالب كافة الجهات المعنية بتنفيذ التزاماتها تجاه هذه القرارات» ورحب بالجولات الأربع من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسورية برعاية تركية مؤكداً دعم بلاده لهذه العملية وتشجيع كل الأطراف فيها وقال «نأمل من هذه الجولات أن تستمر».
وعن ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة اعتبر ميليباند أن الصواريخ التي تطلقها المقاومة الفلسطينية رداً على العدوان الإسرائيلي «تشكل تهديداً لعملية السلام» مؤكداً في الوقت ذاته رفض بلاده للمستوطنات التي تقيمها إسرائيل التي دعاها إلى الالتزام بتعهداتها إزاء خطة خريطة الطريق، كما أعرب عن قلق بلاده إزاء الوضع الإنساني في قطاع غزة، مشدداً على ضرورة أن تصل المساعدات إلى المحتاجين هناك أينما كانوا.
وقال ميليباند: «أعتقد أن إقامة دولة فلسطينية بحدود حزيران عام 1967 يشكل الأساس لإقامة السلام، ونحن نشاطر القيادة الفلسطينية القول إن هذه الدولة يمكن أن تستمر إذا أمنت بالعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل» مضيفاً: إن الفرقة والعنف لا يخدمان القضية الفلسطينية ويضران بها.
ورداً على سؤال يتعلق بعلاقة سورية مع حركة حماس وحزب اللـه قال المعلم «إن حركة حماس جزء من الشعب الفلسطيني وهي جزء مهم يستحوذ اليوم على الأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني التي جرت فيه الانتخابات» مؤكداً أن العلاقة مع حماس كالعلاقة مع حركة فتح والفصائل الأخرى، معرباً عن الأمل في أن ينضم الجميع إلى التوافق الفلسطيني لأن ذلك سيخدم قضية فلسطين بشكل أفضل.
وأضاف المعلم أن «حزب اللـه كذلك هو حزب سياسي مقاوم ولديه نوابه في البرلمان وهو جزء من مكونات الشعب اللبناني وعلاقتنا به كعلاقتنا مع حركة أمل وكافة القوى اللبنانية التي نحرص على أن تستمر».
ودعا الوزير المعلم كل الأطراف في فلسطين إلى الالتزام باتفاق التهدئة مطالبا برفع الحصار عن سكان غزة لتجنب كارثة إنسانية هناك وقال إن «رفع الحصار والتهدئة يخلقان جوا مناسبا في عام 2009 الذي نأمل في أن يكون عام العمل من أجل السلام الشامل».
وحول انتخاب باراك أوباما رئيساً لأميركا، قال ميليباند «أعتقد أن انتخاب إدارة جديدة يوفر فرصاً جديدة للانخراط في الشرق الأوسط» ودعا إدارة أوباما «إلى المشاركة في تحقيق السلام منذ يومها الأول».
ورداً على سؤال يتعلق بمدى إمكانية أن تطور سورية علاقتها مع أوروبة مع الاحتفاظ بعلاقتها الجيدة مع إيران قال الوزير المعلم: «الواقع الجغرافي يجعل من إيران حقيقة واقعة في منطقتنا وجاراً لهذه المنطقة ونعتقد أن علاقة جيدة مع إيران سوف تساعد على أمن واستقرار المنطقة»، وأضاف إن «للغرب علاقات طيبة مع إسرائيل ونحن نريد استثمار هذه العلاقات لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، ونحن سعداء لأن الغرب يسأل الآن حول كيفية أن تساعد سورية بردم الهوة بين الغرب وإيران».
ونوه الوزير المعلم بنتائج المباحثات التي أجراها ميليباند مع الرئيس الأسد ووصفها بأنها «جيدة وأرست قاعدة متينة لبناء علاقة بين البلدين» وقال «لقد عملت سورية وبريطانيا منذ أكثر من 18 شهرا على بناء علاقة شراكة» بين سورية وبريطانيا.
بدوره أعرب الوزير البريطاني عن امتنانه للمباحثات التي أجراها مع الرئيس الأسد والتفاصيل التي تطرقت إليها، وللطريقة التي تطورت بها العلاقات السورية البريطانية.
وقال: إن «المقاربة التي بنينا عليها عملنا خلال الثمانية عشر شهراً الماضية كانت تستند إلى قاعدة من بناء الثقة والاحترام».
ميليباند في وزارة الأوقاف
وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك مع الوزير المعلم، توجه ميليباند إلى وزارة الأوقاف حيث بحث مع الدكتور محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف وبحضور سماحة الدكتور أحمد بدر الدين حسون المفتي العام للجمهورية وعدد من السادة العلماء أهمية الحوار بين الأديان والثقافات وتبادل الأفكار في تعزيز التواصل بين المجتمعات الإنسانية. وقال ميليباند: لقد حضرنا إلى سورية مهد الحضارة الإنسانية والتعاليم الدينية السمحاء والتعايش بين الأديان المختلفة للاستفادة من التجربة السورية في العيش المشترك.
من جهته أشار وزير الأوقاف إلى أن الوحدة الوطنية والتسامح الديني والعيش المشترك الذي تنعم به سورية جعلها أنموذجاً يحتذى.