كسر الجفت.. مهنة تراثية عريقة قوامها الفضة وتقتصر على ثلاث دول في العالم منها سورية
المشغولات الفضية أو كسر الجفت إحدى أعرق وأشهر الحرف اليدوية التي اشتهرت بها مدينة حلب ومع ارتفاع
أسعار الفضة تراجع الطلب عليها إلا أنها حافظت على زبائنها الهواة الذين تذهلهم دقة التصنيع وجمال التصميم.
ويقول ديكران أرويان حرفي متخصص إن هذه الحرفة تعتمد على أدوات بسيطة وقليلة أهمها ملقط فولاذي أبيض يدعى الجفت ومادة أولية من الفضة الخام تذاب بأفران خاصة وتصب في قوالب للسحب تدعى ريزك ويستعان بمكائن سحب (سلندر) مهمتها تخفيف سماكة اللوح أو التيل المسحوب بحيث يصبح قطره رفيعا ليأتي بعدها دور آلة الرج أو الحداية لتصغير قطر التيل إلى الحجم المطلوب وبأقطار تتراوح بين 24 – 200 ديزيم أي ما يعادل قطر الشعرة الواحدة من شعر الإنسان .
وأشار ارويان إلى أن الاقطار العريضة تستخدم كهيكل أساسي للقطعة المراد شغلها بقصد إعطاء الموديل او النموذج المطلوب بينما تستخدم الرفيعة كحشوة باعتماد مبدأ السلكين الملفوفين المزدوجين ويدعى(لف بورما) مع إجراء عملية التبسيط باستخدام الجفت بحيث يتمكن الحرفي بمهارته الفنية من اعطاء شكل الزخرفة الداخلي(التحشاية).
وأوضح (ارويان) أنه بعد ذلك يتم لحم القطعة ببرادة الفضة مع رشها بمادة بورا المؤلفة من ملح الطعام والصودا لتأمين السهولة والسرعة والجودة والحيلولة دون تأثير أو ذوبان الزخرفة الدقيقة للقطعة المشغولة وصولا إلى مرحلة التبييض التي تعتمد على مزيج من الماء وحمض كلور الماء المسخن حتى درجة الغليان ويعطي تغطيس القطعة في هذا المزيج لونا فضيا لامعا لافتا إلى أنه في المرحلة الأخيرة يستعان بفرشاة ذات اوبار نحاسية لتنظيف القطعة بشكل نهائي من كل بقايا الأسيد العالقة وإعطائها لمعة إضافية لتصبح جاهزة للعرض .
وبين ارويان أن القطعة المشغولة تحتوي بشكل أساسي على الفضة الخام عيار100 وأسلاك نحاسية بنسبة 30 بالمئة لأن الفضة معدن طري وبحاجة لمعدن آخر أكثر قساوة لإعطاء القطعة الفضية متانة وجودة مشيرا إلى أنه يتم رسم التصاميم الأساسية وفقا لما يطلبه الزبون أو يتم اعتماد تصاميم تقليدية موروثة وتحتاج العملية إلى أيام أو أشهر تبعا لحجم القطعة ودقة زخرفتها .
ولفت ارويان الى اتساع وتنوع المشغولات بحيث يستطيع الحرفي عمل الحلي النسائية والصحون والشمعدانات وعلب الضيافة وإطارات اللوحات والساعات وتجسيد أشكال وزخارف نباتية وحيوانية متعددة مبينا أنه كلما كان الحرفي بارعا استطاع تجسيد الأشكال المطلوبة واستنباط رسوم جديدة بزخارف بديعة وساحرة .
بدوره قال فادي سلطان إن عائلته كانت تعمل سابقا في حرفة كسر الجفت وانتقلت إلى مهنة صياغة القطع الذهبية نظرا لتوفر الآلات ما يؤمن السرعة في الإنتاج وتوفير الوقت والجهد في حين يحتاج كسر الجفت إلى عناء ووقت إضافة لروح الابداع الفني واغلب زبائنها من هواة أو محبي اقتناء القطع الفنية الثمينة والنادرة لروح الابداع الفني وأغلب زبائنها من هواة أو محبي اقتناء القطع الفنية الثمينة والنادرة.
وبين رافي عقليان رئيس المكتب الإداري والقانوني في اتحاد حرفيي حلب أن الجمعية الحرفية لزخرفة المعادن هي إحدى الجمعيات الـ37 التابعة للإتحاد وتحتضن عدة حرف تقليدية يدوية إحداها مهنة الفضيات المشغولة حيث توجد 10 ورش مختصة بكسر الجفت تؤمن فرص عمل لحوالي 180 حرفيا.
وأضاف أن ندرة وعراقة حرفة كسر الجفت التي تقتصر على سورية وارمينيا وتركيا دفع اتحاد الجمعيات الحرفية في مدينة حلب إلى تنفيذ مشروع يهدف لحفظ بعض الحرف اليدوية المهددة بالانقراض وهي حرفة كسر الجفت والنقش على النحاس والمجوهرات التقليدية والدق والطرق على النحاس .
ونوه عقليان إلى ان تكلفة المشروع تبلغ 12 مليون ليرة وسيتم افتتاحه في بداية العام القادم لاستقطاب الطلاب من فئة الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 30 عاما على أن يكونوا حاصلين على شهادة التعليم الأساسي ويمتلكون موهبة الرسم والرغبة فيتعلمون إحدى الحرف وسيتم تدريبهم نظريا وعمليا بحيث يتمكنون بالاستعانة بحرفيين من أصحاب الخبرة في مدينة حلب من ممارسة الحرفة التي اختاروها وسيقام معرض خاص لمشغولاتهم وأعمالهم الفنية التي انتجوها خلال فترة التدريب .
وأوضح عقليان أن المشروع هو الأول من نوعه في سورية وسيكون نواة لمشروعات آخرى تهدف للحفاظ على هذا التراث الاصيل فضلا عن ازدياد أهمية المنتجات اليدوية اقتصاديا خلال السنوات الأخيرة .