تقلده الأمراء وأعظم قادة الجيوش.. السيف الدمشقي يحكي قصة المدينة ومنعتها وإرثها الحضاري
اشتهرت مدينة دمشق قديما بصناعة السيوف القتالية التي أطلق عليها السيوف الدمشقية ذات الجودة والصلابة
وسمي المعدن الذي تصنع منه بالأسطوري بسبب عدم معرفة سر المعدن الذي تصنع منه رغم محاولات الأوروبيين اكتشاف ذلك في العصور القديمة عبر استقدامهم أمهر صناع السيوف من أجل معرفة هذا السر.
ونسجت العديد من الأساطير حول السيف الدمشقي ونصله، إذ تقول الأسطورة إن النصل الدمشقي كان يستطيع أن يشرح المصنوعات الفولاذية الأخرى وأخرى تحكي قصة انقسام قطعة من الحرير لدى سقوطها على سيف دمشقي ثابت لا يتحرك.
يقول فياض السيوفي أحد أشهر صناع السيوف الدمشقية إن تسمية عائلتي بالسيوفي نسبة إلى عمل أجدادي بهذه المهنة التي تعلمتها عن طريق والدي الذي ورثها بدوره من جدي، موضحا أن عائلته هي الوحيدة في مدينة دمشق التي تصنع السيوف وتقوم بتنزيل وتطعيم الذهب والفضة عليها حيث تحولت هذه الصناعة في بداية القرن الماضي من صناعة حربية إلى قطع تراثية يسعى الأغنياء والسياح لاقتنائها.
وأعرب السيوفي عن أمله في أن تولي الدولة مزيدا من الاهتمام على هذه الصناعة وتقدم لها الدعم الكافي لافتا إلى ازدياد الإقبال على تجارة السيوف بعد الانتشار الكبير للأعمال الدرامية التاريخية التي قدمت على شاشات التلفزة العربية حيث تعتبر شركات الإنتاج التلفزيوني زبونا متميزا عند السيوفي.
بدوره يرى سامر السيد أحد المتسوقين المهتمين بالتراث والفلكلور في سوق المهن اليدوية قرب الجامع الأموي أن السيوف الدمشقية ما زالت تحتل مكانة مرموقة ومميزة في الشارع السوري والعربي رغم عدم مقدرة البعض على اقتنائها، وتعتبر جزءا جوهريا من تاريخ وثقافة وتراث هذا البلد، منوها بما قامت به الأعمال التاريخية التي قدمت على شاشات التلفزة بتعريف المجتمع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص بجودة السيف العربي اليماني والدمشقي، لافتا إلى أن السيف الدمشقي كان سيفا للأمراء وأعظم قادة الجيوش.
وعن كيفية تحديد أسعار السيوف الدمشقية يقول السيوفي إن سعر كل سيف تحدده الزينة التي تضاف إلى غمده وعمره الزمني لافتا أن هناك في السوق سيوفا دمشقية يصل عمرها إلى 500 عام، ويتفاوت السعر من 150 ألف ليرة سورية حتى المليون وأن صناعة السيف الواحد تحتاج لمدة أسبوع وقد تصل إلى ثلاثة أشهر وذلك وفقا للزينة المطلوبة عليه من قبل الزبون.
من جهته يقول الدكتور فيصل العبد الله أستاذ في قسم التاريخ بجامعة دمشق إن هذه الحرفة اليدوية أخذت بالتراجع منذ القرن الخامس الميلادي عندما اجتاح القائد المغولي تيمورلانك دمشق وأخذ معه إلى سمرقند نحو 15 ألفا من أشهر حرفيي صناعة السيوف ثم قيام السلطان العثماني سليم الأول بنقل عدد آخر من أشهر المهرة في صناعة السيوف إلى تركيا.
وعزا العبد الله تراجع هذه الصناعة إلى السرية التي تعامل معها صناع السيوف المشهورين في البلاد، إذ كان الأب يقوم بتعليم أولاده فقط تقنية صناعة السيوف معربا عن خشيته من ضياع وفقدان هذا الإرث التاريخي الجميل.
وحول تاريخ البدء بصناعة السيف الدمشقي وسمعته الأسطورية يؤكد العبد الله أنها تعود إلى القرن الثامن الميلادي مضيفا أن سمعة السيف الأسطورية تكونت أثناء الحملات الصليبية عندما وجد الأوربيون أنفسَهم أمام مدافعين عن أراضيهم مسلحين بسيوف أكثر تقدماً وأقوى وأحدّ من سيوفهم البدائية العريضة.
وللسيف الدمشقي نصب تذكاري في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق يدل ويشير إلى قوة المدينة ومنعتها وارثها الحضاري ويحكي عن الانتصارات والانجازات من خلال المعارك التي خاضها سكان المنطقة في الزود عن حمى الوطن إذ كان إنشاؤه عرفانا بالجميل وتذكيرا بمهارة الحرفي الدمشقي في صناعته للأسلحة الحربية.
وعن مصادر الشرقيات التراثية يقول سامي الحجة صاحب محل إن أغلبها من ورشات عمل مختصة بصناعة قطع الشرقيات وبعضها يعود لأبناء قبائل واسر عريقة وبرأيه أن من أهم زبائن السيوف في الوقت الحاضر منظمو المهرجانات الفولكلورية وأصحاب فرق العراضة الشامية الذين يلعبون بالسيف والترس في حفلاتهم وعروضهم أمام الجمهور.