الوجه «الدموي» للتدخل
بأعصاب باردة، كما هي العادة، تلقى المجتمع الدولي صور إحدى أبشع مجازر حلف الناتو في ليبيا إلى اليوم
وقلت إلى اليوم لأننا لا نعرف إن كان غداً سوف يرتكب الحلف مجزرة أخرى أكثر بشاعة أم لا، إذ إن السباق في هجمات دوله يكمن في مدى تحقيق كل منها لأعلى الخسائر البشرية والمادية…
ورغم صور الأطفال المؤلمة والجثث المشوهة والمقطعة بفعل شراسة القصف، إلا أن ذلك لم يحرك شيئاً في مشاعر وإنسانية الدول المتورطة في عمليات الناتو، سواء لجهة التحقيق في أسباب ارتكاب هذه المجزرة ومحاسبة المسؤولين عنها، أو البدء بإجراء مراجعة حقيقية لنتائج التدخل في الشؤون الليبية وما أدى إليه من نتائج سلبية على وضع هذا البلد ومستقبله.
وفي الوقت الذي يخطط فيه بعض قادة الناتو لعمليات القصف على المدن والمناطق الليبية ويديرونها من عواصم الاسترخاء والعطلات، ثمة عائلات ليبية تفقد حياتها ومستقبلها تحت ركام ما تخلفه طائرات الحلف، وأخرى لا تجد ما يسدّ رمق أطفالها أو يخفف من أمراضهم…
هكذا هي حكاية الغرب مع مواطني المنطقة العربية، عقود من القتل والتنكيل والجوع، فتارة يوكلون المهمة لإسرائيل لتقتل وتعتدي وتحرق، وسجلّ مجازرها بحق المواطنين العرب طوال العقود الماضية شاهد تاريخي على حماية الغرب ورعايته لها، وتارة أخرى يقومون هم بهذه المهمة، وصور العدوان على العراق واحتلاله وقتل ما يزيد على مليون مواطن عراقي لا تزال ماثلة أمام أعيننا، ومؤخراً أصبح العدوان الأطلسي على طرابلس الغرب درساً إضافياً لما يتمناه لنا كثير من الدول الغربية.
لم يسفر التدخل الدولي في شؤون أي بلد عن نتائج إيجابية، فدوماً كان هذا التدخل عبارة عن نافذة لتحقيق مصالح وغايات دولية معينة تتجاوز ما يعلن بكثير، وها هي الأمثلة القريبة والبعيدة تؤكد أن الدول الغربية زادت بفعل تدخلها من عمق المشاكل، وفي بعض الحالات تسببت بحروب أهلية وقتل آلاف الأشخاص.
والأهم أيضاً في مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للدول أن الحلف (الدموي) لا يتدخل حيث يفترض أن يفعل ذلك، ويتدخل بطريقة قاتلة حيث يفترض أن يحترم سيادة الدول وشؤونها الداخلية، فمثلاً دول الحلف لم تفكر يوماً في التدخل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر التي ترتكب بحق أبناء الشعب الفلسطيني وإعادة الحقوق لأصحابها، لكنها لا ترى مانعاً في ذلك عندما يكون البلد المستهدف عربياً أولاً… ونفطياً ثانياً.