مدرج جبلة الأثري.. تاريخ مليء بروايات عن خلفاء وممالك
يعتبر من بين أهم ثمانية مسارح أثرية اكتشفت في سورية حتى الآن.. انه مدرج جبلة الاثري الذي تبرز أهميته
من خلال سلامة بنائه ويعد الرابع بعد مسارح بصرى وتدمر وشهباء من ناحية المحافظة على بنيانه إضافة إلى قدرته على استيعاب عدد كبير من الجمهور.
وعن موقع هذا المسرح يقول ابراهيم خيربك مدير دائرة الآثار في مدينة جبلة.. يقع المدرج وسط مدينة جبلة الحديثة و في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة القديمة, على أطراف المدينة بمجاورة السور كما هو الحال في موقع مسرح بصرى ومسرح جرش الجنوبي. وعن واقع المسرح قبل الكشف يضيف.. بعد الخراب الذي تحدث عنه رينيه دوسو عقب زيارته للمدرج عام 1895 ازدادت حالة المسرح سوءاً حيث بات مكبا للقمامة والأنقاض وعبث الأهالي بحجارته وأعمدته واستعملت أروقته ودهاليزه كمخازن ومحلات وأقيم فوقه داران اتخذت إحداها سكنا للمستشار الفرنسي والأخرى لقائد الدرك.
ولكن عقب جلاء الفرنسيين سعت الدولة لكشف المدرج وإظهاره ففي عام 1950-1952 بدأت أعمال الكشف فأزيلت المقابر والمنشآت الحديثة التي أقيمت عليه ورفعت كميات ضخمة من التربة والأنقاض التي تراكمت عليه كما تم هدم الدارين اللتين بنيتا فوقه.
يعيد خير بك تاريخ بنائه لعهد الإمبراطور سبتموس سيفيروس حسب بعض المؤرخين ولكنه يشير إلى أن هذا غير مؤكد حتى الآن لكن من خلال الدراسة المعمارية لمسقطه وزخارفه الهندسية يمكن أن نرجع تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي.
وما يميز مسرح جبلة لدى سكان هذه المدينة هو مجموعة الروايات حوله إذ يقال إن معظم المؤرخين في العالم أقدموا على ذكره كما أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان بنى حصناً عربياً إسلامياً في جبلة خارجاً من الحصن الرومي القديم ما يعني أن الروم البيزنطيين حولوه إلى قلعة للدفاع عن المدينة أثناء الفتح العربي الإسلامي لمدينة جبلة ويبدو أنه بقى قلعة حتى في الفترة الصليبية الأيوبية والمملوكية يدل على ذلك من خلال الأبنية المضافة والقطع الأثرية من فخار ونقود التي ظهرت أثناء أعمال التنقيب على حد تعبير فضل الشيخ حسن طالب دراسات في قسم التاريخ.
هذا وقد توالى على زيارة مسرح جبلة عدد من الباحثين والرحالة منهم أرنست رينان الذي زاره عام 1860 ووجده في حالة جيدة, غير أنه بعد هذا التاريخ امتدت إلية يد العابثين ويشهد بذلك رينيه دوسو الذي زاره مرة ثانية عام 1895م فوجده خرابا ربما بسبب الزلازل المتلاحقة التي تعرضت لها المنطقة وكذلك يد الإنسان التي تأخذ الحجارة المشذبة لبناء بيوتها.
ما يميز مسرح جبلة كما يشير خيربك هو بناؤه بالحجر الكلسي القاسي كما هو الحال بالنسبة لمسارح تدمر وعمان كما أنه بني على أرض منبسطة كليا بحيث تساوت أرضية أقسامه اعتبارا من أرضية الاوركسترا في حين ان أماكن الجمهور بنيت كمرتكز على الأروقة والممرات والركائز والفتحات القباب لافتا الى انه يندرج ضمن المسارح الكبرى المبنية من ثلاث طبقات للمتفرجين "الكافيئا" .. السفلى والوسط والعليا مثل مسرح بصرى, مسرح عمان ,مسرح سيدة.
ولا بد من ذكر العناصر الهندسية لبناء المسرح الذي يتألف من المنصة وهي الاوتستراد الذي تقام عليه العروض والكافيئا مكان الحضور والاوركسترا عبارة عن فسحة سماوية تفصل الكافيئا عن المنصة بحيث تسهل حركة المرور في المسرح وتزوده بالمداخل والمخارج الضرورية اضافة إلى الممرات والأدراج إذ ان المسرح زود بالعديد من الأدراج الشعاعية الفاصلة والأدراج الفرعية الظاهرة والمخفية والداخلية والخارجية وكذلك بالعديد من الممرات والمماشي التي تفصل أقسام المسرح وتسهل عملية التنقل داخل المسرح . يضاف إلى ذلك الأروقة الجانبية والتي هي عبارة عن ممرات جانبية على شكل أروقة مقببة ترتبط مع الاوركسترا والمنصة والمدرج و كباقي المسارح يمتلك مسرح جبلة رواقين جانبيين شرقي مهدم وغربي بحالة سليمة مع المحافظة على قسم من سطحه المقبب.
ويتسع المسرح حسب خير بك لما يقارب عشرة الاف متفرج وبالطبع يؤخذ بالحسبان استيعاب الرواق العلوي وساحة الاوركسترا والأمكنة الفرعية الأخرى وهذا يدل على أن المدينة كانت من مدن المتربول أو من أمهات المدن بالمقارنة مع المدن الأخرى المعاصرة لها.
وعن مكانة هذا المسرح بالنسبة لسكان مدينة جبلة تقول عبير عفيف مدرسة لغة إنكيزية.. هو يمثل عبق الماضي الأصيل وروح الحضارة المعمارية كما أن ما يميزه عن المسارح التي سبق وزرتها سهولة الحركة والتنقل بداخله بفضل المداخل والأدراج والأروقة الموزعة على كامل المسرح وكذلك بفضل الأدراج الشعاعية وسط الكافيئا على حد تعبير عبير.