كتاب توثيقي عن السينما السويسرية
عند الحديث عن السينما السويسرية لا يتبادر إلى الذهن إلا اسم المخرج السويسري الفرنسي جان لوك غودار
الذي بات اختصاراً عالمياً لموضوع السينما السويسرية ويمكن اعتباره ايقونة هذه السينما ولكن في النهاية لا يمكن اختصار سينما بلد هام مثل سويسرا باسم مخرج واحد وهنا يأتي كتاب (السينما السويسرية) ليضعنا أمام نموذج سينمائي لايقل أهمية عن أي نموذج سينمائي أوروبي آخر.
فكتاب السينما السويسرية الصادر عن المؤسسة العامة للسينما ضمن سلسلة الفن السابع يأتي في مجال توثيق السينما الإنسانية وتقديم شرح واف عن أهم النماذج السينمائية التي سادت في مرحلة من المراحل أو التي ما زالت تقدم إنتاجاً سينمائياً يحظى بالتقدير والاهتمام.
وينحو كتاب (السينما السويسرية) للمؤلف مارتين شاوب ترجمه توفيق الأسدي تجاه تقديم دراسة عن نموذج سينمائي فريد لم يلق الكثير من الاهتمام عالمياً فالأفلام السويسرية نادراً ما تشق طريقها نحو السينما العالمية لعدة أسباب أهمها النظرة التي ما يزال البعض يعتقد بها وهي أن سويسرا جزيرة وسط أوروبا وبالتالي هي مجرد محطة مراقبة.
ويستعرض الكتاب بداية اللفتة التوثيقية التي قدمها إيرفيه دومون مدير السينماتيك السويسرية في لوزان للفيلم الروائي الطويل في سويسرا من خلال كتابه (تاريخ الفيلم السويسري) حيث يتتبع الكتاب البدايات المتباينة للعقدين الأولين في سلسلة ما يسمى بأفلام الوطن وهي أفلام شاعرية عن الحياة الريفية السويسرية في جبال الألب ومن أهم هذه الأفلام : القرية الفقيرة-معنى الحياة-صليب ماتروهورن-وجوه الأطفال – الأم بترونيلا وغيرها وهي أفلام أنتجت في عقد العشرينيات والتي كان لها دورها في بدايات السينما السويسرية إلا أنها لم تستطع أن تحقق المعايير الدولية للسينما.
ويتحدث الكاتب عن مخرجين اثنين هما جاك فيدير وجان شو اللذين خرجا عن الصيغة الكلاسيكية للسينما السويسرية واستطاعا إيصالها إلى العالم الآخر وعلى يديهما برز عدد من الممثلين الذين خرجوا من نطاق سويسرا إلى العالمية مثل ميشيل سيمون.
ويتناول الكاتب عدداً من الأفلام السويسرية التي سادت في فترة الحرب العالمية الثانية وطافت اوروبا بكاملها مثل (قناص المشاة) لشركة افلام فشسلر برايزنش والمخرج ليوبولد ليندبرغ والذي اعتبر أول فيلم سويسري اصيل وكان فاتحة لعدد من الأفلام وضعت سويسرا في صف الأوائل سينمائياً في تلك الفترة إلا أن هذه الحقبة لم تطل فمع انتهاء الحرب عادت السينما الفرنسية والإيطالية والأمريكية والبريطانية والألمانية لتعرض دون عوائق في مختلف البلدان ما هدد السينما السويسرية التي أصرت الحفاظ على ذاتها بجهود سينمائييها ومجموعة من الأفلام التي أنتجت في تلك المرحلة.
ويرى الكتاب ان مرحلة الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كانت مميزة في السينما السويسرية من خلال أعمال فروه وشنايدر التي كرست الإيقاع البسيط الريفي في السينما السويسرية وحولت هذه السينما إلى سينما حكائية تراثية ذات إيقاع بطيء لذا لم تلق هذه الافلام رواجاً كبيراً ونبأت بمرحلة جديدة للخروج من هذا الطابع الكلاسيكي.
لكن منذ منتصف الستينيات بدأت السينما السويسرية تنطلق خارج الريف وترافق ذلك مع قوانين اصدرتها الدولة لتسهيل تمويل قطاع السينما لتنبئ هذه المرحلة بالانطلاق نحو العالم ولو بخطأ غير سريعة بدأتها السينما الوثائقية في نهاية الستينيات وعقد السبعينيات على يد آلان تانر-كلود غوريتا-ميشيل سوتيه وغيرهم.
وفي نهاية السبعينيات برز اسم غودار بقوة أكثر من السابق وهو المخرج السويسري الفرنسي مزدوج الجنسية حيث بدأ بتصوير أفلامه في سويسرا وكان أولها (عملية البيتون) وكان حضوره الأكثر تميزاً على صعيد السينما السويسرية لإتباعه نظريات فنية وفلسفية في السينما وتكوينه لحركة سينمائية ذات نتائج مذهلة على الصعيد السويسري والفرنسي بشكل خاص وعلى صعيد السينما الأوروبية بشكل عام.
ويرى المؤلف أن الافلام المشتركة سيطرت على الوسط السينمائي السويسري حتى الأن وذلك لقوة الجهات الأوروبية المنتجة التي تعتمد على خبرات سويسرية ونتيجة لضعف قطاع الانتاج السينمائي السويسري عامة مقارنة بالمنتج الاوروبي ولكن هذا لم يلغ الخصوصية السويسرية سينمائياً وتفرد سويسرا بما قدمته عبر تاريخ السينما وما زالت تقدمه بالإضافة إلى مهرجاناتها التي كانت من أهم المحافل السينمائية في العالم في مرحلة من المراحل.
ويختتم الكتاب بمجموعة من الصور المأخوذة من أفلام سويسرية هامة وخاصة تلك الأفلام الريفية التي أعلنت انطلاق حالة سينمائية أوروبية فريدة من نوعها.