محافظ دير الزور يعتبر استهداف دور العبادة «تمثيلية» ويؤكد أن التظاهرات كانت عبر «متعهدين»
على مدخل مدينتهم التي تحاول استيعاب الصدمة، يتحلق أهالي دير الزور محتضنين أفراد وآليات جيشهم امتناناً له بعدما أنهى مهمته الوطنية في الوقوف بوجه مجموعات إرهابية مسلحة أماطت اللثام عن وجهها البشع، محولة الحياة الهادئة لهذه المدينة إلى جحيم ..
يحتاج المرء وهو يلج الطريق المنخفضة التي تتصدر حدود المحافظة إلى أكثر من عينيه كي يقف على حجم الصدمة التي أرهقت أهل المدينة الفراتية الخالدة على مدى الأيام الثمانية عشر الأخيرة، فهذه المدينة التي تحتضن قسطاً وافراً من تاريخ العروبة في شرق المتوسط، تتلعثم بألم وهي تقص ما شهدته أزقتها وشوارعها من عنف مسلح مارسه أغراب لا يشبهونها.
يحتاج المرء إلى أكثر مما يمكن لزيارة خاطفة أن تنقله، فيوميات هذه المرحلة القصيرة نسبياً وصلت بهذه المدينة التي تلاقت عند أصالة عشائرها العروبتين الأموية والعباسية إلى حافة النهاية، لا خوفاً، بل خشية التشرذم الذي لطالما برز كأوضح العناوين التي حملتها العصابات الإجرامية المسلحة بين كتفيها وأكثر.
السيدة «ندى العثمان» مدرسة اللغة الفرنسية من حي «الشيخ ياسين» بالمدينة جاهدت خلال حديثها لـ«لوطن» علها تتمكن من نقل الصورة القاتمة التي عاشتها المدينة: «أنا وأهلي في الحي لم نعد نجرؤ على الوقوف أمام نوافذ المنزل المطلة على شارع الحي بسبب المجموعات المسلحة التي قطعت جميع طرقات المدينة مدججة بعشرات أنواع الأسلحة التي لا نعرف من أين أتوا بها ولم يسلم منهم أحد في المدينة».
وأشارت السيدة ندى إلى أن الهدوء الذي اعتاده أهالي دير الزور على مر حياتهم، وقع منذ صبيحة الثامن والعشرين من تموز الماضي أسيراً لبطش الجماعات المسلحة، مضيفة: إنه «لولا أن استجاب الجيش العربي السوري لمطالباتنا بتخليصنا من المسلحين الذين عاثوا فسادا في مدينتنا الآمنة، لما كان لأحد أن يعلم أين كانت لتصل بنا تلك المجموعات».
في حديثها عن النقلة التي أحدثها دخول الجيش في حياة المدينة وسكانها، تتسابق كلمات السيدة ندى بالتحية لجيشها الوطني الباسل الذي قدم الشهداء فداءً لأمان المدينة وأمنها مستطردة بالقول: «في اليوم الذي سبق دخول الجيش، وصل بي التفكير إلى حدود الاعتقاد بأن إرثاً حضارياً عظيماً بدأ يتسرب من بين أصابعنا ليحل عصر الظلام الذي حاولت المجموعات المسلحة تدشينه في هذه المنطقة… لكنهم فشلوا وفشلت محاولاتهم المستميتة في «حقن» العاطفة الشعبية عنوة بالفبركات والأضاليل كالقول إن الجيش قصف أحياء المدينة في حين كان هذه الجيش الوطني ينظف شوارع بلاده من حقدهم وإرهابهم الذي مارسوه بحقنا كمواطنين.
وعن حجم التظاهرات التي شهدتها المدينة، أكدت السيدة ندى أن تلفيقاً فاضحاً مارسته القنوات المغرضة في هذا الجانب، بما في ذلك حديثها عن عشرات وأحياناً مئات الآلاف وغير ذلك من الأعداد لدى تناولها التظاهرات التي شهدتها المحافظة في حين أن الواقع الذي عايناه بشكل شخصي في أحيائنا شهد تجمعات بالمئات في معظم الأحيان انطلقت من بعض الأحياء لتعيث فساداً في شوارع المدينة الآمنة، مشيرة إلى أن الكثيرين منهم كانوا من الأطفال المغرر بهم لا يدرون ما يفعلون في مثل هذه التظاهرات سوى أنهم كانوا يتقاضون مبالغ مادية زهيدة لقاء سيرهم مع الهتافين لدقائق ولو قليلة.
«رنيم الناصر» طالبة الصف التاسع بمدرسة زكي الأرسوزي، خرجت مع أهلها تحمل بين يديها باقة من الزهور تهديها لأبطال الجيش العربي السوري الذين خلصوا مدينتها من العصابات المسلحة، وأعادوا الأمن والبسمة لها ولأقرانها من أطفال مدينة دير الزور.
رنيم ابنة الخمسة عشر ربيعاً راقبت بعينيها الصغيريتن ما شهده حيها الذي تقطنه خلال الأيام الماضية، ووصفته بـ«أيام صعبة.. فقبل دخول الجيش بقيت في البيت لأن الشوارع كانت مملوءة بالمسلحين فكيف سنخرج وهم هناك..؟».
ووجهت رنيم رسالة إلى الأطفال ممن نزلوا إلى التظاهرات دون أن يعرفوا لماذا ينزلون، ولماذا يحمل بعض الكبار ممن يسيرون معهم سلاحاً، قائلة: «هذا البلد سورية، ولن يستطيع أحد تخريبه وما حصل مجرد مؤامرة، ومكان الأطفال في النوادي والملاهي أو في بيوتهم مع أهاليهم..».
أما الطفلة آلاء التي نجحت إلى الصف السادس، فقد خرجت هي الأخرى أيضاً لتلوح بيديها الغضتين مودعة أرتال الجيش السوري المغادرة بعدما أعادت الأمن إلى مدينتها وأزالت الحواجز التي نصبها المسلحون.
وقالت آلاء في حديث لـ«الوطن»: «أقول لهم اللـه يحيي الجيش.. لأنني سأخرج يوم الجمعة القادم مع أهلي للنزهة واللعب».
الطالبة الحقوقية «نسرين حميد» تحدثت عن تسلسل الأحداث في مدينتها: «بدأ الأمر بتظاهرات متفرقة شهدتها بعض أحياء مدينة دير الزور، ما لبثت أن تحولت شيئاً فشيئا إلى حملات تحريضية ممنهجة..»، مشيرة إلى «صغر أعمار الكثير من المشاركين!… وقد سمعتهم بأذني كيف كانوا يتقاضون مبالغ مالية.. وأحياناً تتم المساومة على المبالغ التي يراد دفعها لحشد أكبر عدد من هؤلاء…؟!».
وأكدت نسرين طلب الأهالي دخول الجيش بعد أن قطع الإرهابيون الشوارع ومداخل الحارات كافة، ومنعوا الدخول والخروج إلا في حالات نادرة.. نافية بشكل قاطع ما تردد عبر بعض وسائل الإعلام من أن الجيش قصف الأهالي!!.. في حين أن الأمر كان عبارة عن مواجهات دامية مع مسلحين اعتدوا على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة وحرقوا محال الناس البسطاء دون وجه حق.
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد محافظ دير الزور سمير عثمان الشيخ «أجواء الترويع بعد أن سيطرت العصابات المسلحة على المواطنين وقامت بتهديدهم في بيوتهم وأهاليهم وأعراضهم، إلى أن جاء الجيش لإنقاذ المدينة من براثن هؤلاء، وأعاد الحياة طبيعية كما كانت وكما شاهدتم خلال جولتكم…».
ولفت المحافظ إلى تجاوب الأهالي مع دخول الجيش الوطني والترحيب الذي لقيه إبان دخوله وخروجه من المدينة، امتنانا له بعد أن أعاد لهم الأمن والأمان، مشيراً إلى تضرر جميع المنشآت الحيوية والاقتصادية والأمنية في المدينة من اعتداءات المسلحين عليها بما فيها مكتب وبيت المحافظ متمنيا عودة الحياة إلى شكلها الطبيعي كاملة في أسرع وقت.
وعن استهداف دور العبادة تحدث المحافظ عن «تمثيلية قذرة» بدأها المسلحون بإطلاق النار من قبل قناص يتمركز في المئذنة، سقط إثرها أحد عناصر الجيش شهيدا أمام الجامع، موضحاً أن من يدعي الصدقية في الإعلام عليه العودة إلى الشريط المصور ذي العلاقة من قبل العصابات الإرهابية والذي يتضمن كلمة اللـه أكبر تلاها قصف المئذنة التي ثبت بالدليل القاطع من قبل المهندسين المختصين أنها نسفت من الداخل.. الأمر الذي لا يعد غريباً على مجموعات مسلحة هتكت المحرمات للنيل من صمود الشعب السوري وتلاحمه. وفي تصريح له أمام وسائل الإعلام أمس عقب خروج وحدات الجيش العربي السوري من مدينة دير الزور والعودة إلى ثكناتها بعد أن استكملت مهمتها بتخليص المدينة من المجموعات الإرهابية المسلحة التي روعت المواطنين الآمنين وعاثت تخريباً بالممتلكات العامة والخاصة بيّن المحافظ: «إننا مستهدفون، وهذه ليست المرة الأولى، فهذا الاستهداف كان وما زال وسيبقى، لكننا سنبقى بصمودنا مع شعبنا نعمل تحت سقف الوطن والقائد بشار الأسد..».
وتحدث المحافظ عن توافر الخدمات في المدينة على الرغم من تعرضها للضرب من قبل المسلحين، مشيراً إلى أنه تم إصلاحها بشكل شبه كامل خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة ما شجع الكثير من المواطنين الذين خرجوا من المحافظة للعودة إلى ديارهم آمنين ومرحبين بالجيش.
وأكد المحافظ أن سيطرة الدولة كانت وما زالت موجودة في المدينة مشيراً إلى أن الجيش أمهل المسلحين لعل وعسى يعودون لصوابهم، لافتاً إلى أن التنبيه كان للمرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة مؤكداً أن هيبة الدولة موجودة.. كانت وستبقى موجودة.
وعن استمرار التظاهر بوجهه السلمي، أكد المحافظ أنه سيتم العمل على تلبية المطالب بالخدمات المطلوبة لإزالة أسباب التظاهر، موضحاً أن من يتسلل للتظاهر طلباً للفوضى فسينال جزاءه العادل.
وأكد المحافظ الشيخ أن التظاهرات التي شهدتها المدينة كانت عبارة عن «تعهد تظاهرات» مشيراً إلى أنه يعرف شخصيا بعض المتآمرين على سورية ممن كانوا يسمون أنفسهم معارضة وهم يعرفون أنفسهم بأنهم عملاء، مستطرداً بالقول: «هم يسمعونني الآن.. سورية ستبقى قوية بشعبها وجيشها وصمودها لأنها تعرف دوماً أنها مستهدفة والغاية من المؤامرة على سورية هي لخدمة إسرائيل فقط لا غير».
وتحدث المحافظ عن استهداف معمل الغزل الذي يشغل 3 آلاف عامل، متسائلاً عن الغاية إن لم تكن التخريب وضرب الاقتصاد وإعاقة حركة الإصلاح في سورية.
وشرح المحافظ أمام ما يقرب من 70 صحفياً عربياً وأجنبياً كيف تعرض مكتبه لإطلاق النار مشيراً إلى النوافذ التي اخترقتها رصاصات المسلحين واصفاً هذا التصرف بـ«محاولة يائسة لتخويف رجال الأمن والشرطة».
من جهته تحدث قائد إحدى التشكيلات العسكرية برتبة عميد عن مهمة الجيش التي أنجزها في المحافظة قائلاً: استجابة لنداءات الأهل في دير الزور نزل الجيش إلى المدينة لإعادة الأمن والاستقرار إليها بعد أن حوصرت من قبل المسلحين وأقامت الحواجز والمتاريس وطوقت المدينة حتى أبعدتها عن أهلها تماماً، مشيراً إلى أن المجموعات المسلحة دمرت وخربت بشكل مرعب ما واجهه الجيش بالتعاون مع الأهالي بعملية عسكرية نوعية سريعة لإعادة الأمن والاستقرار للمدينة..».
ووجه قائد التشكيل شكر الجيش العربي السوري لأهالي المحافظة لما قدموه من دعم وعون أثناء القيام بمهامه، معرباً عن «اطمئنان الجيش للأوضاع القائمة عقب انتهاء العملية، وبعودة الأمان للأهالي ها هي قوات الجيش السوري تعود إلى مواقعها العسكرية للقيام بواجباتها الوطنية اليومية».
ورداً على سؤال «الوطن» عن الحديث عن قصف المدينة بالدبابات أكد المصدر العسكري نفيه لهذا الكلام قائلاً: «لا وجود لأي دبابة أو عربة مدرعة، ويمكن لوسائل الإعلام معاينة الأرض للتأكد من أن العتاد المستخدم عبارة عن ناقلات جند لها فتحات لرمي النار من السلاح الفردي والرشاش فقط، مشيراً إلى أنه «نحن نودينا للقيام بالواجب الوطني وإعادة الأمن إلى هذه المدينة وحمايتها وهو واجب مقدس.. وقد تم القبض على جماعات مسلحة بحوزتهم المتفجرات والعبوات الناسفة».
ابتسام حميدي ممرضة في مشفى الفرات تحدثت عن عمل المشفى بشكل متواصل خلال المواجهات واستقبالهم للإصابات أغلبها بالرصاص ونجاة الأغلبية العظمى من هؤلاء المصابين ووفاة القلة القليلة منهم مشيرة إلى أن أعمار المصابين كانت تبدأ من 10 إلى 15 سنة.
وفي جولة على أسواق دير الزور يبدو أنها اكتظت بالزبائن الصائمين الذين عادوا بعد استقرار الأوضاع في محافظتهم إلى ممارسة عاداتهم الرمضانية بالتسوق عند ساعات العصر قبل ساعات قليلة من الإفطار.
أحمد عبد الجبار الحسين صاحب أحد محال بيع اللحوم تحدث لـ«الوطن» عن توقف مبيعاته خلال الأسبوعين الفائتين إلى أن نزل الجيش السوري إلى شوارع المدينة لإنهاء حالة الفوضى التي أجبرته كغيره من الباعة على وضع لحومه في الثلاجة لمدة 9 أيام متواصلة.
وأكد عبد الجبار أن نزول الجيش إلى المدينة كانت في صالح جميع أبناء المدينة لأن العمل عاد إلى طبيعته والناس عادوا للتسوق ولحياتهم الطبيعية وندعو اللـه لحماية هذا البلد والمواطنين.
أما محمد في الصف السادس فرأى أن الأيام التي قضاها مؤخراً جميلة ومليئة بالسعادة والمرح واللعب لأن الحي الذي يقطنه وهو «الجبيلة» لم يشهد أي مظاهرات ولا أعمال تخريب من أحد.
إبراهيم وهو موظف في مالية دير الزور من قرية البصيرة قرب الميادين تحدث عن التهويل والخوف الذي عاشته مدينة دير الزور وقال: أقولها أمام الجميع إن من كان يقود المظاهرات أعرف أحدهم من خريجي سجن عدرا في دمشق وآخر منبوذ من أهله ولا يحمل صفة من صفات الأهلية أو الثقافة أو حتى العلاقات الطيبة مع أهله أو جيرانه ومع ذلك نزل إلى الشارع يطالب بالحرية وبإسقاط النظام وهو بعيد كل البعد عن أي صفة من صفات النظام أو الانضباط. وأكد أن بناته موظفات وبعضهن طالبات لم يسمح لهن خلال الفترة العصيبة مؤخراً بالخروج إلى وظيفتهن أو إلى أي مكان آخر.
وكان إبراهيم شاهد عيان على الكثير من الأحداث التي جرت في ساحة أحد أسواق دير الزور عندما كان هؤلاء يجبرون الناس على إبراز هوياتهم الشخصية ويفتشون صناديق كل السيارات المارة حتى أنهم منعوا في إحدى المرات ميكروباصات قادمة إلى المدينة من الميادين فقاموا بإجبارها على الرجوع من حيث أتت وكذلك الأمر بالنسبة لإحدى السيدات التي قدمت بتكسي أجرة من إحدى القرى المجاورة للاطمئنان على أولادها في مدينة دير الزور فمنعوها وأعادوها أدراجها.
وأكد إبراهيم أن دخول الجيش مفخرة لجميع أبناء دير الزور الشرفاء لأنه الحامي لهم والمدافع عنهم في السلم والحرب لافتاً إلى الترويع الذي لحق بالكثير من المواطنين ففروا هاربين إلى الحسكة وحلب واللاذقية هربا من بطش هؤلاء المسلحين.