طرق المعالجة المنطقية والنقدية في كتاب (التفكير فلسفياً)
يطرح كتاب (التفكير فلسفياً) لمؤلفيه كريس هورنر وإمريس ويستاكوت الصادر عن الهيئة العامة السورية
للكتاب قضايا فلسفية تتعلق بالوجود والجمال والمعرفة والأخلاق والسياسة بصورة عامة وبشكل خاص يحاول تسليط الضوء على طرق التفكير في التساؤلات الخاصة بالنفس البشرية.
وينطلق الكتاب الذي ترجمته ليلى الطويل من توجيه تساؤل حول قدرة الإنسان على صنع خياراته واتخاذ قراراته ومدى قدرته على التحكم في مسيرته الحياتية وذلك تجسيداً لجدل فلسفي حول ما يحدث على أسس كالجبرية التي تفرض مسيرة الأحداث في العالم مع مراعاة الفرق والتمييز بين الجبرية والحتمية من خلال طرح سؤال : هل نتصرف بحرية فعلاً حين نشعر أننا نمتلك خياراً حراً.
كما يتناول الكتاب إشكالية الجبرية كعقيدة أو مذهب أكثر من كونها موقفاً أو سلوكاً حيث في غالب الأحيان توصف الجبرية بأنها عقيدة تعبر عن سرمدية أو خلود الحقيقة أما الحتمية فهي الشيء الذي يحدث بواسطة مسببات سابقة أو الشيء الذي يقود لشيء آخر.
ويقدم المؤلفان نظرية المعرفة عبر محاولة استقصاء معنى المعرفة عبر عدة محاور رئيسية كالتحدي الذي يفرضه مذهب الشك واليقين العملي والنظري مستعينين بالشك المنهجي عند ديكارت الذي أوصلهما في النهاية إلى الاعتقاد الذي لا يمكن الشك به وانطلاقاً من سوءال حول كيف نعرف أن ما نعرفه هو معرفة حقيقية وليس زيفاً أو كذباً.
ويبين الكتاب معنى فلسفة العقل والتباين ما بين الجسد الفيزيائي للإنسان والعقل غير المادي طارحاً قضية التقمص من خلال استمرار الحياة من غير جسد أو الحياة في جسد شخص آخر وانطلاقاً من إمكانية وجود العقل خارج الجسد وكيف يمكن أن يكون الجسد مادياً والعقل غير مادي.
ويشرح المؤلفان فلسفة العلم والتقدم العلمي كظاهرة متميزة وإشكالية الاستقراء من خلال البحث في التغيرات التي من شأنها تحويل النموذج المعرفي مبينين كيف يتقدم العلم بصورة مذهلة مرتكزاً على الحقائق.
كما يبحث الكتاب عن معنى المفاهيم الأخلاقية كالخير والصواب مشككاً في الأحكام الأخلاقية المسبقة إن كانت صحيحة أم زائفة عبر التبرير لقواعد أخلاقية معينة بشكل عقلاني وتبيان دور الأخلاق في حياتنا.
وطرح الكاتبان تساوءلات حول الأخلاق وفيما إذا كانت مجرد شعور ذاتي أو انفعالي وهل تمتلك خصوصية معينة وفقاً لثقافة الفرد والجماعة أم إنها تمتلك سمة العالمية وهل يمكن أن يوجد دستور أخلاقي قابل للتطبيق في كل زمان ومكان.
ويسلط هورنر وويستاكوت في فصل (الفلسفة السياسية) الضوء على علاقة القوة بالسلطة والمجتمع من خلال طرح موضوع الحقوق ومنشأها والديمقراطية الاجتماعية بمعناها الفلسفي كتقدير للحرية الفردية دون استبعاد المسوءولية الاجتماعية أو العدالة على اعتبار أنه لا بد من أن تحكمنا القوانين فإما أن نكون تحت رعاية قوانين تحكمنا أو أن نعيش أحراراً ويحكمنا وقتها قانون واحد هو قانون الغاب.
وتجلى طرح أفكار الفلسفة السياسية من خلال عدة تساؤلات هي كيف تحدد الحرية الفردية الحقوق والواجبات وهل هدف الدولة صيانة الحرية الفردية أم الرفاه الاجتماعي وهل يسبق الحق الخير أم العكس.
ويتطرق الموءلفان لفلسفة الفن من خلال استقصاء مسببات قيمة الفن وكيف يمكن روءية القيمة في الفن من خلال تقديم المتعة على اعتبارها محك القيمة في الإدراك الحسي للموضوعات الجمالية والاستمتاع في الفن يأتي من مشابهته للعالم الواقعي وقربه من الطبيعة أو بعده عنها وبالتالي فإن الحكم بنجاح الفن أو فشله يأتي من خلال ذلك القرب أو البعد.
ويتخصص الفصل الأخير من الكتاب بفلسفة الدين على اعتبارها لا تختلف عن الدين ولكنها لا تهدف إلى الوعظ والتبشير بل إلى تعميق الفهم حول مجال الوجود الإنساني وتدرس إمكانيات النقد ليكون عقلانياً في تعامله مع المفاهيم والاعتقادات متسائلاً حول اعتبار العقيدة الدينية غير عقلانية في عصر العلم هذا وفيما إذا كان هناك حاجة للإيمان حقاً.
وتقول الدكتورة ليلى الطويل مترجمة الكتاب الذي يقع في أربعمائة وثماني صفحات من القطع المتوسط في مقدمتها إن الأسئلة التي طرحت في الكتاب لا تعرض تاريخ الفلسفة مع أن الكاتبين توقفا عند آراء بعض الفلاسفة العظام عبر العصور كما أنه لا يناقش الفلسفة بشكلها العام مع استلهامه للجدل بين العقائد الفلسفية التي شكلت انعطافات مهمة في تاريخ الفلسفة مبينة أن ما ركز عليه الموءلفان هو كيفية التفكير بشكل منطقي وبطريقة نقدية وتحليلية.