خارج إيقاعهـم..
ترسم التطورات بتدفقاتها الداخلية والخارجية إيقاعها، وترتسم على الضفة الأخرى مساحات ورؤى لها إحداثياتها المغايرة،
وتأخذ رزمة الاصلاحات التي أقرت وتلك التي باتت جاهزة للإقرار قريباً تموضعها داخل البنية السياسية، بحيث يأخذ المشهد المتشكل تدريجياً ببلورة ملامحه و سماته القادمة.
وريثما يكون التموضع نهائياً ثمة مساحة فاصلة تبدو مهيأة لبروز استطالات بعضها سيواجه معضلة التآكل الذاتي، وبعضها الآخر سيدمر نفسه، لأنه استطال فوق طاقته وأكثر من مقدرته على الاستيعاب.
في كل الحالات السؤال الذي يلح هنا هو إلى أي حد يمكن لها أن تؤثر في تشكل المشهد المنتظر، بل كيف سيكون الواقع بعد أسابيع أو أشهر؟!
في الرؤية العامة بتفاصيلها المختلفة نجد ترابطاً واضحاً، وظاهراً للعيان بين كل خطوة تتم، وبين لغة التصعيد، يضاف إليها عامل التأثر بالمحيط وتداعياته والصور المتنقلة التي يحملها.
لكن الأوضح من ذلك أن محاولة التشويش لن تتوقف، تارة بالوعيد والتهديد، وتارة بإعادة الإملاء والاشتراط، وثالثة بالدخول مباشرة أو الحضور على ساحة الحدث، عبر تصعيد سياسة الضغط والتهويل.
في عملية تدقيق بسيطة نجد أننا نخطو وبثقة كي تتبلور تلك التموضعات، دون أن ننتظر ذلك التموج في الحراك والتهويل والمبالغة أو ريثما تركن الأحداث إلى مستقر.
لذلك ثمة اتجاه يرسم مؤشراته الأولى على ساحة الحدث لتكون الإطار الأوضح لحراكنا القادم بكل مافيه ومايترتب عليه، وأن انطلاق رزمة الإصلاحات بتواصله وتتابعه يشكل الحلقة الوسيطة الكفيلة بنقل الحدث من الانفعال بتداعياته إلى التأثير في معطياته، وفق الروزنامة المحددة للخطوات لنكون صانعي الحدث، بل محركيه ومحددي اتجاهه.. ومن ردة الفعل إلى الفعل ذاته ومن فضح الأسلوب والوسيلة والهدف إلى المبادرة في كسب الوقت وفي الحراك.
بكثير من الثقة والطمأنينة رسم حوار السيد الرئيس بشار الأسد مع التلفزيون السوري إحداثيات المشهد وتطوراته، وحدد إيقاعنا وفق الخصوصية السورية، والتميز السوري، بكل ما يمتلكه من مساحات حراك خصبة تفوق إيقاعهم وحيزه الضيق كما تتفوق عليه.
في ردودهم المتشكلة نقرأ ذلك الاندفاع المسبق للرفض والتشكيك والتضليل من قبل أطراف حسمت خياراتها وأماطت اللثام عن أهدافها التي تعمل عليها، رغم القناعة أن الحوار كان مشبعاً بالوضوح والتحديد الدقيق لكل الخطوات وأبعادها ومداها الزمني..وهو على الأقل ماتشكل لدى الغالبية العظمى من السوريين، كما أنه الحصاد الأولي لما زرعه من إجابات على أسئلة كثيرة كانت تنتظر!!.
هنا لم يعد من المنطقي السؤال عما يريدون.. وماذا يخططون ، وماهي الخطوط الأخيرة في تحركهم.. لأن مايريدونه بات واضحاً، والخطة التي تجملت في بعض مراحلها بأدوات ومطالب وشعارات أفصحت عن مرادها.. فيما تبدو الخطوط مفتوحة دون ضوابط.
بهذا المعنى ستأخذ المواجهة شكلاً من أشكال الحسم في مرحلة فاصلة، وهم يعتمدون في أدواتهم ووسائلهم على كل ماهو متاح.. ولن يستثنوا حتى غير المشروعة منها.. بل لن يترددوا في التلويح بما هو غير ممكن بلغة من التهويل والمبالغة إلى حدود غير مسبوقة.
في المبدأ فإن الحديث عن السيناريوهات المتوقعة يحمل أكثر من احتمال.. لكن كلها لاتلغي مساراً بدأ يتوضح.. وأمكنة زرعت فيها خطوات الإصلاح حضورها..
على أن هذا سيبقى محكوماً بإرادة أن نتعايش مع كل ذلك دون أن نكترث بردات فعلهم.. أن نمارس حياتنا بعيداً عن ضغوطهم، وأن تكون هذه الضغوط خارج حساباتنا.. وأن نبتعد عن إيقاعهم الذي حاولوا مراراً وتكراراً أن يملوه ويفرضوه دون جدوى.
وكما فشلوا في فرضه في الماضي، هم اليوم أكثر عرضة لذلك الفشل، ومثلما نجحنا في رفضه نبدو اليوم أكثر مقدرة على الدفع بإيقاعنا الذي حددناه والذي تبلوره خصوصية سورية تعطي لألوان طيفه المتعددة إحداثياته المميزة.
بقلم: علي قاسم