أساطير قديمة تحكيها لوحات الفسيفساء الشهيرة في متحف شهبا الأثري بالسويداء
يتمتع زائر متحف شهبا الأثري بالسويداء الواقع على بعد 90 كيلو متراً جنوبي دمشق بمشاهدة لوحات فسيفساء
جميلة تحكي الأساطير اليونانية القديمة التي قدمها الرومان منتصف القرن الثالث الميلادي.
وتعد مدينة شهبا من أشهر المدن الأثرية في سورية وشهدت ازدهارها في عهد الإمبراطور فيليب العربي الذي أولاها عنايته وأراد أن يجعلها مدينة عظيمة تنافس أعظم مدن الغرب ولا سيما روما فأطلق عليها اسم مدينة فيليب بوليس وأشاد فيها العديد من المباني الدينية والمدنية بين عامي 244-249 ميلادي وأهمها المسرح الذي يعد من النماذج الجميلة للمسارح الصغيرة والمدفن والمعبد الإمبراطوري والحمامات.
وقال جمال أبو جهجاه الباحث في تاريخ مدينة شهبا وأثارها إن فيليب العربي أعطى للحضارة القائمة في مدينة شهبا مسقط رأسه الجانب الروحي والأخلاقي و المعنوي الذي يحكي لنا عن سلوك الإنسان اليومي والتعامل القائم بإنسانية الإنسان حيث كانت هذه اللوحات تمثل على خشبة المسارح التي انتشر معظمها في عهده على امتداد البلاد السورية.
وأضاف أبو جهجاه أن اللوحات لا تزال قائمة بمعالمها بهدف تثبيت الفضائل في الإنسان انطلاقاً من مبدأ المدينة الفاضلة التي تحدث عنها أفلاطون نتيجة تأثر فيليب بأفكار ومبادئ الفلاسفة اليونان الذين سبقوه في الزمن لهذا الجانب.
وأوضح أبو جهجاه أن الأساطير الموجودة ضمن اللوحات التي تزين متحف شهبا تدعو إلى إصلاح النفس البشرية وتهذيبها كما في لوحة أفروديت وأريس التي تبين أن الجمال يتحول إلى وباء إذا فقد صاحبه الفضيلة والحكمة والعدالة وكذلك إلى تعويد الإنسان على الصدق والابتعاد عن الفواحش التي يكون عاقبتها مأساة للفرد والجماعة.
وأشار أبو جهجاه إلى أن ذلك ظهر في لوحة أعراس دينزيوس التي تظهر الصدق بالمحبة إضافة الى خوف الإنسان الدائم على اخرته كما تعرض لوحة أرتيميس النهاية الوخيمة للصياد الذي نظر للفتاة وهي عارية .
بدوره قال وسيم الشعراني رئيس دائرة اثار السويداء إن اللوحات الفسيفسائية الموجودة تتضمن 4 لوحات مكتشفة عام 1963 قرب الحمامات الأثرية الكبرى أثناء عمليات التنقيب في موقع الخربة الأثري وذلك ضمن دارة رومانية مبنية من الحجر البازلتي ومؤلفة من 28غرفة تم حفظها في مكانها الحالي وبقيت على حالها دون تغيير منذ إنشائها في عهد فيليب قبل 17 قرنا ولا تزال زاهية بألوانها إضافة إلى لوحتين منقولتين من أحد المنازل المجاورة للمتحف .
وأضاف الشعراني أن اللوحة الأولى تمثل ربة البحر تيتس وهي حورية بوسيدون إله البحر عند الإغريق ونرى خلالها بأن الآلهة تتوسط اللوحة التي تمثل البحر للدلالة على معرفتها بعالم البحار وتتزين أو تزين شعرها بأسماك البحر للإشارة إلى خيرات البحار وأحيائها وعلى جبهتها نجمة البحر تزينها لإظهار كنوز البحر وجماله.
ولفت الشعراني إلى أن وجود حيوان بحري أسطوري مخيف يلتف على عنقها يسمى الدراكون له رأس كلب ويرمز إلى أعماق البحار لإبراز مخاطرها ومخاوفها فيما يشاهد على إطارها 9 ملائكة صغار ويطلق عليهم الكيوبيد حيث يمتطون المراكب والدلافين ويسيرون بعرض البحر بأمر من تيتس وكذلك نرى العامة من الناس تركب البواخر في إشارة إلى استخدام البحر للنقل وللسفر.
واشار الشعراني الى انه يبرز خلال اللوحة الثانية المغني والموسيقي الشهير وأحد شعراء اليونان الأسطوريين أورفيوس الذي يشاهد في اللوحة التي تمثل الطبيعة جالسا على صخرة يعزف أعذب الألحان وينشد أجمل الأغاني التي كانت تسحر البشر وتظهر الحيوانات منسجمة مع ألحانه تترنم جميعها فالعناكب تقف عن نسج بيوتها والنحل عن جني العسل كما تتوقف الأنهار عن الجريان وتهدأ أمواج البحر وتسكن الأشجار وكل ذلك لسماع ألحانه.
وأوضح الشعراني أن اللوحة الثالثة تقدم أعراس دينزيوس إله الخصب وأريادنا آلهة النبات وبينهما إله حب صغير يحمل بيده شعلة تمثل الرغبة التي تعمل على اتحاد الزوجين في عقد القران لتظهر بأن الزواج لا يتم بين الزوجين إلا بالرغبة والمحبة أما الذي يشهد عليهما أو يقوم بإجراءات عقد الزواج بينهما فهو رجل عجوز على يسار اللوحة للدلالة على أن الزواج لا يتم إلا بشهود ورجل يقوم بإجراء عقد الزواج وتبارك به الآلهة.
ونرى في أسفل اللوحة هرقل الذي يمثل القوة يتكئ على الأرض مبتهجا بزواج صديقه دينزيوس يتناول الخمر تعبيرا عن الفرح ويلتحف بجلد سبع متمثلا القوة بينما تطل على زواياها الأربع وجوه بشرية يمثل كل منها فصلا من الفصول الأربعة التي تمثل استمرار الحياة والخصب طيلة أيام السنة.
واللوحة الرابعة تمثل الغرام بين افروديت آلهة الجمال واريس آله الحرب الذي نشاهده حاملا للرمح والترس وعلى كتفه رداء وهو عار وخلفه امرأة متزينة بعباءة ترمز إلى الحشمة والعفة ووراء افروديت التي تبدو شبه عارية نجد شابة اسمها خارس بيدها اكليلا لتتويج الآلهة وفي أعلى الزاوية اليمنى للوحة امرأة اسمها سكوبي تتكئ على صخرة وتراقب المشهد من بعيد كما تقدم اللوحة ملاكين صغيرين يتراقصان وآخرين يحملان السيف.
ولفت الشعراني إلى أنه يبرز على زاويا اللوحة الخامسة الفضائل الثلاث والفصول الأربعة أربعة وجوه بشرية تمثل الفصول الأربعة وبين كل فصلين على يمين اللوحة صورة سيدة تحمل بيدها كأس خمر تقابلها على جهة اليسار بين الفصلين صورة شاب يحمل بيده صولجان ووسط اللوحة ثلاث فتيات يتزين بالخلاخل والأكاليل .
أما اللوحة السادسة والأخيرة فنقلت إلى متحف السويداء لكنها بالأصل تعود إلى فسيفساء شهبا وأساطيرها الروحية وتمثل مفاجأة أرتيميس آلهة الصيد عند الإغريق في الحمام وتروي مشهداً إنسانياً أخلاقياً يتحدث عن طبيعة الإنسان في الكون واستمراره في الحياة حيث كانت أرتيميس عذراء مثل وصيفاتها تغضب على من يراها من الرجال خلسة فتحوله إلى امرأة إن أشفقت عليه وإلا فتحوله إلى حيوان.
وتبدو أرتيميس في اللوحة تستحم مع وصيفاتها في نبع ماء صاف عذب يقع في مغارة محاطة بحوريات الينابيع للماء العذب حيث يفاجأها الصياد أكتيون بأن أطل عليها فوقع في الخطأ والتطفل وعدم الحذر الذي لا يليق به فغضبت عليه وحولته إلى أيل افترسته كلاب الصيد المرافقة له وعددها 50 كلبا حيث يرمز هذا العدد في الأسطورة إلى الأيام التي تتوقف فيها عصارة النبات عن النمو خلال العام.
وفي إطار اللوحة أشكال هندسية ونباتية وبشرية تتعاقب كشريط دائم تتبدل فيه ألوان الرؤوس البشرية التي تزينها وهذا دليل استمرار الحياة البشرية بلا انقطاع إضافة لأوراق ونباتات خضراء وفاكهة متواصلة مع تواصل البشر من قبل إله الخضرة أتيس وبعض القبعات فوق الرؤوس التي ترمز إلى الحرية في روما وبعض الطيور المقدسة في زمن الرومان تحط على الحزم النباتية لإطار اللوحة الحسون والغرغر والحجل والبط والطاووس.