هل يفسد الرهان على المشهد الاحتجاجي ؟
يبدو أن المشهد الاحتجاجي ظاهرة دولية في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، وهو مشهد متباين في بنيته ومقدماته ونتائجه،
حيث تسعى مراكز الغرب للتحكم به واللعب بمكوناته، وبمصائر الشعوب التي تعيشه، وهي تدفع به من المركز الى الأطراف دفعاً استراتيجياً تقليدياً، أو متجدداً حسب المصالح: الثابتة والمتغيرة، وهو ليس بعيداً عن آثار الأزمة المالية العالمية التي بدأت 2008 .
لقد واكب المشهد العربي المشهد الغربي في عدد من الدول منها اليونان – إسبانيا – بريطانيا.. لكنّه في الغرب اقترن بالحفاظ على الدور التدخلي القوي للدولة، وبعدم إثارة الأفعال الناتجة عن التناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… فتم التعاون مركزياً على تجاوز آثاره وتهذيبه، ثم الانقضاض عليه، والالتفات الى إشغال قوى الغرب بما يجري على الساحة العربية، محط الأطماع التاريخية، بتعاون مركزي وإقليمي غير مهذّب.
وبالمقابل تركّز اهتمام الغرب، والمجتمع الدولي بالأحداث في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية، ولا ندري لاحقاً بمن ! لكن هل ستسفر هذه الأحداث عن واقع جديد مطابق لتطلعات الشعب، أم كما يعمل عليه الغرب ؟!.
هذا سؤال يقترن بأن المواد الداخلة في التفاعل تبيّن النتائج، فلن ينتهي تدخّل الغرب الفاضح بتفاصيل هذا المشهد وببنيته الداخلية والخارجية الى إقامة حكم وطني ديمقراطي شعبي ينطلق من المصالح الوطنية والقومية، ولن تسمح أمريكا ولا الناتو بمثل هذا الحكم، لأن لها علاقات مميزة وواضحة في المقدمات، ولن يغيب أثرها في النتائج، وهنا لماذا لا يكرر التاريخ نفسه ؟
إن نشاط وسائل الإعلام المستحدثة والمأجورة، وتقنيات الفبركة والتضليل والتزوير ستقع قريباً في خيبة وفشل وخيانة تاريخية بسبب وعي الشعب للحدث والنتيجة، وللواقع والتاريخ.
– وفي سورية، فالأمر مختلف في كثير من جوانبه، لأن السوريين، بوعيهم التاريخي ينطلقون من وفاء أصيل للمصالح الوطنية والقضايا العربية، ويعرفون أن الغربيين في الأساس يحتقرون من يخون شعبه ووطنه، لأنهم براغماتيون، ولاصداقة لهم وإنما مصالح مؤقتة لذلك يستأجرون عملاءهم، ولايشترونهم. وهنا ستفسد أهم أدوات المشهد أولاً.
– ثانياً كان فعل بعض أطراف المعارضة الوطنية مخاتلاً، ولاسيما تلك التي لم تنخرط فعلياً في الحوار الوطني الداخلي، بينما سُهل عليها الانخراط في حوار خارجي مغرضٍ في هدفه المباشر وغير المباشر، وغاب عنها أن المتغيرات، والإصلاح، والتحولات تحتاج الى قوة المجتمع والدولة، وليس الى الفوضى الخلاقة، وبهذا ستخسر الرهان.
– ويجب ألا يغيب ثالثاً عن الوعي الفساد الذي تنطوي عليه مؤسسات المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية، من حيث ازدواجية المعايير تجاه قضايا الصراع الطارئة والثابتة في المنطقة، ولاسيما الاحتلال والعدوان الصهيوني، فقد راهنت بعض أطراف المشهد بخسارة ومقامرة على هذا الفساد، وعلى سياسات الغرب والناتو المعادية تاريخياً لحقوقنا وقضايانا، كما راهنت من طرف آخر على قطاع الطرق، وعلى العصابات الإرهابية المسلحة، وهذا رهان فاسد أيضاً.
– ومن الواضح رابعاً أن سورية مستهدفة سياسياً استهدافاً ليس طارئاً ولا راهناً، بل هو ثابت ثبات الدولة والشعب على التمسك بالحقوق وبالمبادئ، ويزداد هذا الاستهداف طرداً مع ضآلة التوتر الداخلي، وتقدّم المشروع الإصلاحي المعلن وفق جدول زمني محدد بوضوح، ولاسيما أن القيادة السياسية طرحت خطوات المشروع ومفرداته على الرأي العام، ودعت الى توسيع المشاركة الوطنية فيه وتعزيز هذه المشاركة وتطوير أساليبها، انطلاقاً من ثوابت الوحدة الوطنية، والعيش المشترك، والحفاظ على الأمن والسيادة وحاجات الشعب وتطلعاته.
ومن الخطأ التاريخي الإعراض عن المشاركة في هذا الطرح وإعطائه الزمن اللازم، ومواكبته بالنقد والمراجعة.
هذا جميعه كان واضحاً في الحديث رفيع المستوى الذي أدلى به الرئيس الأسد للتلفزيون العربي السوري، بما انطوى عليه من صدق الإحساس بالواقع، ومن عمق المسؤولية الوطنية والقومية، ومن غنى الدلالة، وتقنية العرض، ودقة السؤال والسرد، وأهمية العلاقة بين الحدث والزمن والهدف «فالغرب الاستعماري لايريد إصلاحاً، والتنازل عن حقوقنا أمر لن يحلموا به، ووعي الشعب السوري سيحمي الوطن».
وبالنتيجة، سيفسد الرهان على الغرب والناتو، وعلى ازدواجية معايير المجتمع الدولي، وعلى العصابات الخارجة عن قيم الشعب وقناعاته ومصالحه، وعلى اللعب بمكوّنات هذا المشهد بين المركز والأطراف.
وستنتصر إرادة الإصلاح الوطني الديمقراطي، وتنتصر سورية بها، بقيادة الرئيس الأسد.
بقلم: د. عبد اللطيف عمران