فايننشال تايمز : العولمة والفشل القيادي للولايات المتحدة وأوروبا من أبرز أسباب أزمة الديون
أكدت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن فشل الولايات المتحدة ومن ورائها الاتحاد الأوروبي في القيادة ورسم
الاستراتيجية الاقتصادية الناجحة شكل العامل الأبرز الذي يقف وراء انهيار الثقة في الأسواق المالية وتوسع أزمة الديون السيادية لدى هذه الدول ولاسيما بعد عجز حكومات أوروبا وواشنطن عن التعامل مع واقع أسواق رأس المال العالمية والمنافسة القادمة من آسيا لذا فان مسؤولية هذه الأزمة تقع بشكل مباشر عليها.
وقالت الصحيفة في تحليل مطول إن القيادات على طرفي المحيط الأطلسي سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا مقصرة من جميع الجوانب فلم تتمكن الإدارة الأمريكية أو الحكومات الأوروبية من تشخيص المشكلة الأساسية بالنسبة للأزمة المالية والمتمثلة في انغماس المنطقتين بالعولمة واجتياح هذه الظاهرة لجميع المظاهر الاقتصادية والاجتماعية هناك.
وأضافت الصحيفة أن وظائف العمال ذوي المهارات المتدنية في التصنيع فضلا عن الاستثمارات الجديدة في قطاعات واسعة من الصناعة خسرت أمام المنافسة الدولية واعتمدت العمالة في الولايات المتحدة وأوروبا خلال العقد الماضي على قطاع البناء والإسكان الذي استمد قوته بشكل مؤقت من انخفاض أسعار الفائدة.
وتابعت الصحيفة إن الفقاعة المؤقتة التي كانت تحيط بقطاع البناء في الولايات المتحدة انهارت أخيرا و يكمن الآن الطريق إلى الانتعاش في المهارات المتطورة وزيادة الصادرات والاستثمارات العامة في البنية التحتية والطاقة لكن الولايات المتحدة وأوروبا انحرفتا وسط حزم التحفيز الاقتصادية وخطط التقشف دون وضع رؤية للاستثمار.
وقالت الصحيفة إن سياسات الاقتصاد الكلي في أوروبا وأمريكا لم تفشل فقط في خلق فرص عمل بل فشلت أيضا في الرد على القيم الاجتماعية الأساسية أيضا فالسياسة الاجتماعية الجيدة لا تعني وجود عجز مالي كبير أما الديون العامة في أوروبا والولايات المتحدة فإنها ضخمة لدرجة مخيفة وهذا يعني وجود توازن مختلف تماما بين التخفيضات المفروضة على الخدمات الاجتماعية وزيادة الضرائب على الأغنياء.
واعتبرت الصحيفة إن العولمة لم تؤثر سلبا على العاملين الذين لا يتمتعون بمهارات عالية فقط بل انها وبالمقابل أثبتت أن أغنياء العالم يتمتعون بحظوة كبيرة فقد كانوا قادرين على الاستثمار في مشاريع جديدة ومربحة للغاية في الاقتصادات الناشئة وكانوا في الوقت ذاته قادرين على اقناع حكومات بلدانهم بخفض معدلات الضرائب على الارباح والمدخولات العالية بذريعة المنافسة الضريبية العالمية.
وأضافت الصحيفة إن الاعفاءات والامتيازات الضريبية التي وضعت لصالح الأثرياء سواء في الولايات المتحدة أم دول الاتحاد الأوروبي تكاثرت ونمت لدرجة أن السياسيين أنفسهم بدؤوا بشجبها وفي النهاية كانت عاقبة الأمر وخيمة بالنسبة للفقراء وذلك من خلال قوى السوق العالمي وقدرة الأغنياء على تخزين أموالهم في مخابئ آمنة حول العالم وبضرائب منخفضة أيضا.
ورأت الصحيفة أن تحسين السياسات المالية في الاقتصادات الأطلسية تقوم على ثلاث حقائق أولها توسيع الاستثمارات في رأس المال البشري والبنية التحتية وثانيها خفض الإنفاق المسرف على سبيل المثال في التعاقدات العسكرية المضللة في أماكن مثل العراق وافغانستان أما ثالثها فهو التوازن في الميزانيات على المدى المتوسط وفي أي جزء صغير من خلال زيادة الضرائب على الدخل الشخصي وارتفاع ارباح الشركات الدولية الذي تحميه الثغرات والملاذات الضريبية في الخارج .
وقالت الصحيفة إن التقلب الأخير في الأسواق المالية والانتعاش الاقتصادي البطيئ في الولايات المتحدة وأوروبا يعكس نواقص أساسية فلا يوجد استراتيجية للنمو بل هناك أمل ضئيل بأن يعاود المستهلكون الخائفون والمثقلون بالديون في شراء منازل لا يحتاجون إليها ولا يملكون سعرها .
وخلصت الصحيفة إلى القول إن التيارات الاقتصادية العالمية ستستمر في خسارة فرص العمل وتقلص رأس المال حتى يكون هناك إحياء لقيادة جريئة ومتضافرة وفي غضون ذلك ستتلوى أسواق المال بآلام الشك وعدم التيقن.
وتواجه الولايات المتحدة عبء دين غير مستدام إلى جانب شلل سياسي مستدام أما المخاطر في أوروبا فهي أعلى من ذلك بكثير إذ ظهرت تصدعات خطيرة في المشروع الأساسي للاتحاد الأوروبي وهو العملة الموحدة وكان من الممكن تفادي التهديد الذي يواجه اليورو بممارسة القرار السياسي الجماعي لكن السياسيين في أوروبا هربوا فزعاً من الناخبين الساخطين وعاقبتهم الأسواق بسبب خوفهم وحولت مشكلة ديون في البلدان الطرفية لمنطقة اليورو إلى تهديد لوجود الاتحاد النقدي بحد ذاته.
ويقول محللون وخبراء في الاقتصاد العالمي إن الولايات المتحدة وأوروبا تقتربان وعلى نحو خطر من ركود اقتصادي مع انخفاض القيمة الاجمالية لكبريات الشركات واندفاع التجار والمستثمرين للتخلص من الأسهم وسط مخاوف مستمرة حول تمويل البنوك وانتشار أزمة الديون الأوروبية وهشاشة الاقتصاد الأمريكى.