ميل الشباب للعمل التطوعي يتنامى والأولويات المادية قد تعوق الاستمرار
يهدف العمل التطوعي الى تقديم جهود إنسانية فردية أو جماعية بناء على الرغبة والدافع الذاتي مقابل اكتساب الشعور
بالانتماء إلى المجتمع وتحمل مسؤوليات تلبي احتياجات اجتماعية ملحة أو تخدم قضية اجتماعية ما دون أي مقابل مادي.
ويعد العمل التطوعي دافعاً أساسياً من دوافع التنمية بمفهومها الشامل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً ودليلا على حيوية المجتمع واستعداد أفراده للتفاني والتضحية لتحسين حياة بعضهم البعض.
وخير شريحة ممكن أن تنجح العمل التطوعي وتصل به إلى حد الإبداع والتميّز هي فئة الشباب كونها الأكثر قدرة وطاقة على فهم المشاكل وإيجاد الحلول وبالمقابل فان التطوع يعد أهم الوسائل المستخدمة في تعزيز دور الشباب في الحياة الاجتماعية والمساهمة في النهوض بمكانة المجتمع في شتى جوانب الحياة.
وبدات ظاهرة التطوع لدى الشباب السوري بالانتشار خلال السنوات الأخيرة ايمانا منهم باهمية هذا العمل و تجسيدا لادراكهم مغزى التكافل الاجتماعي الذي يلعب دور المحرك لشريحة عريضة وجدت في تقديم جهودها وخبراتها فرصة مميزة وواجباً إنسانياً وأخلاقياً يحقق الشعور بالرضا ويعزز الثقة بالنفس.
وقال الشاب مياس اليوسف خريج المعهد الهندسي.. ان ما دفعه للتطوع هو الرغبة في القيام بجهود رديفة لجهود المؤسسات الحكومية في خدمة المجتمع لافتاً إلى وجود حالات إنسانية كثيرة منها ما هو طارئ يمكن للجمعيات الخيرية ومنظمات الاغاثة الأهلية ان تواجهه أحيانا بشكل أكثر مرونة ومباشرة.
وأضاف مياس في حديث لنشرة سانا الشبابية ..ان اولى تجاربه مع التطوع كانت من خلال منظمتي الشبيبة والهلال الأحمر خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 حيث شارك في تقديم المعونة للاسر اللبنانية التي لجأت إلى المدينة الجامعية بدمشق من خلال استقبالهم وتسجيلهم ومعرفة حاجاتهم والحالات المرضية المحتملة وتوزيع الاغذية عليهم مبينا ان هذا التواصل اليومي مع محتاجي المساعدات يبرز وجها إنسانيا وحضاريا للعلاقات الاجتماعية وأهمية العطاء غير المرتبط بمقابل مادي من أجل اسعاد الآخرين واشعارهم بالأمان.
وأعرب الشاب يزن داود عن اعتزازه بالمشاركة قبل سنوات في برنامج التبادل العالمي للمتطوعين الذي يستقطب سنويا شبابا من سورية وبريطانيا للتدرب طوال 6 أشهر على العمل في مؤسسات خيرية أو أهلية تعمل على تنمية المجتمع المحلي ليعمل مع جمعيتي قرى الأطفال وتنظيم الأسرة مشيراً إلى ان التطوع يعكس وعي المواطن لدوره في رفع مستوى مجتمعه صحياً وتعليمياً ومعيشياً بحسب الامكانات المتاحة.
وتحدثت الشابة خولة الزين التي تشارك في نشاطات متعددة لمنظمات وجمعيات خيرية عن شعورها برضا كبير عندما ترى نظرات التقدير في عيون من تساعدهم لافتة إلى ان عملها شمل مساعدة الايتام والمعوقين وحماية البيئة وتنظيف وتجميل بعض المناطق.
وأضافت خولة.. ان التطوع يفقد قيمته ومعناه عندما يكون هدفه الشهرة او الاستعراض او التقرب من جهات معينة وفي حال وجد أشخاص كهؤلاء فهم لايستمرون طويلا في العمل التطوعي الذي يتطلب صبرا وحبا للمساعدة وزهدا في أي مكاسب مادية حتى ان كثيرا من النشاطات تتم دون ضجيج إعلامي حولها فليس المهم ان يعرف الناس بعملنا بقدر ما يهم ان نعين المحتاجين دون تسليط الاضواء عليهم بشكل قد يؤذي مشاعرهم.
وبين فادي مخول الطالب في كلية الهندسة انه شارك مع منظمات شبابية في حملات تشجير وتنظيف احياء لافتا إلى أهمية العمل التطوعي في استثمار أوقات الفراغ وإعداد شباب مبادرين في الحياة الاجتماعية وترجمة مشاعر الولاء والانتماء للوطن.
ويبدي فادي ترددا في مواصلة هذا النوع من النشاطات موضحا ان متطلبات الحياة والظروف الصعبة لدى كثير من الشباب تجعل العمل التطوعي في مرتبة متأخرة ربما من أولوياتهم.
وعبرت ليندا الحافظ 23 عاماً من كلية الحقوق عن أهمية هذا العمل بالنسبة لها من ناحية ما اكتسبته من خبرات في التعامل مع الآخرين أخرجتها من طبيعتها الخجولة التي كانت تعوق تواصلها مع اقرانها.
ويوضح عامر القادري 20 عاماً ان العمل التطوعي يتيح الفرصة للتعرف على اصدقاء جدد ويساهم في أداء العمل المطلوب بجو من الحرية والالفة ما يجعل خوض العمل أكثر متعة وجذبا مضيفا ان من يعمل في هذا المجال يؤدي العمل بصورة أفضل من الذين يتقاضون أجراً لأنهم مارسوا هذه الأعمال حبا فيها وليس لأجل المادة.
ويؤكد الشاب بدر السيد الذي شارك عدة مرات في حملات التبرع بالدم ان العمل التطوعي يفتح الباب أمام الإنسان للتحرر من السلبية و اللامبالاة مشيراً في الوقت نفسه إلى صعوبة التفرغ للعمل التطوعي كلياً أو جزئياً بسبب طغيان الأولويات المادية لدى غالبية الشباب على الاعتبارات الاجتماعية.
تقول الاخصائية الاجتماعية هيا عمران ان محفزات التطوع تتنوع بين ما هو داخلي كحب التجربة والبحث عن المتعة والحاجة إلى الشعور بالرضى عن الذات والتفاعل الاجتماعي وكسب الفرص المختلفة لاسيما في مجال زيادة المهارات المتنوعة ومنها خارجي كالرغبة في الانتاج ومساعدة الآخرين وحب الوطن مضيفة.. اننا في حياتنا اليومية قد نسلك سلوكا تطوعيا غير منظم استجابة لظرف طارئ أو لموقف إنساني أو أخلاقي وفي حين يمكن للانسان تنظيم سلوكه التطوعي والتخطيط له انطلاقا من الايمان بفكرة ما كتنظيم الأسرة أو متابعة تطبيق حقوق الأطفال او جهود محو الأمية.
ورغم تزايد الميل بين الشباب نحو التطوع ترى الاخصائية ان عزوف كثير منهم عن هذه النشاطات مرتبط بحاجتهم للبحث عن الامان المادي اولا وبالتالي يضعف ميلهم إلى تكريس وقتهم أو جزء منه للعمل الاجتماعي دون مقابل بينما يوجد شباب استطاعوا الاستفادة من انخراطهم في العمل التطوعي لاكتساب مهارات وفرص للتوظيف في المؤسسات التي تطوعوا بها.
وبلغ عدد الجمعيات الأهلية المرخصة في سورية 1240 جمعية وفقا لاحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العام الماضي نصفها تقريبا ذو طابع خيري ويتوزع الباقي على المجالات الاجتماعية والبيئية والطبية والأدبية والفنية.