مرارة السـؤال.. والموقف..!!
سؤال مر.. يتردد على ألسنة السوريين.. كلما تكشفت التفاصيل عن تلك العمليات «المقززة» التي تمارسها عصابات امتهنت القتل والإجرام..
وتزداد مرارته كلما تذكروا يافطته أو شعاره.. وتتحول تلك المرارة إلى طعن غادر.. وهي تتحرك تحت ذرائع كانت أقبح من الذنب ذاته..
كل تلك الغرابة والدهشة التي ترتسم اليوم على وجوه السوريين.. تحرك في داخلهم زوابع من التساؤلات المتصلة أو المرادفة.. لماذا كل هذا الحقد على تعايشنا.. على وجودنا.. على ما نمثله اليوم.. وعلى كل ما أديناه في الماضي وما نؤديه اليوم رغم آلامه وأوجاعه وأحزانه.. وفاتورة الدم الغالية التي نسددها من دماء أبنائنا؟!
وإذا كانت المرارة بكل ما فيها.. وما يضاف اليها جزءاً من رديف الإجابات المؤجلة، فإنها في الوقت ذاته تحمل قدراً أكبر من اليقين بأن هذا الانفلات في ممارسات تلك التنظيمات الإرهابية هو جزء من حالة الإفلاس السياسي والفشل الدعائي والإعلامي، خصوصاً بعد أن نفذت إلى السطح اعترافات، وإن كانت بدرجة متباينة، بوجود تلك التنظيمات التي ظلت على مدى خمسة أشهر ونيف محاطة بسور كتيم سياسياً وإعلامياً منع تداولها.. ولو عرضياً.
على أن التطور الواضح بعد تكشفها وتتابع الإقرار حتى لو كان ضمنياً بوجودها يسلط الضوء على أجزاء أخرى وتفاصيل أكثر حول ذلك الإرهاب الذي يعكس حقداً وتشفياً كان للتجييش الإعلامي والتحريضي المفبرك دور أساسي في استشرائه، مثلما كان للتصعيد السياسي دور مواز ومساند في تشجيعه.
هذه القناعة وإن كانت لا تكفي للتغطية على مرارة السؤال ذاك، إلا أنها تعيد تشكيل المشهد بمترادفاته المختلفة وينتظر منها أن تقود إلى وضع الجميع أمام مفترق لا مجال فيه للخلط ولا للمداورة.. أو للمناورة..
فضفتا الحدث وأطراف المعادلة فيه على نقيض صريح.. إذ لا يمكن أن يستوي بعد اليوم الإرهاب والقتل مع المطالبة بالإصلاح.. ومن يشجع الإرهاب والقتل ويساهم في تصعيده لا يمكن أن يكون هدفه الإصلاح.. بل هو غير معني به ويتناقض معه.
عند هذا المستوى من الافتراق السياسي لابد من معايرة الأمر بمختلف أوجهه، وعلى نطاق أوسع مما تحاول آلات التجييش حصره منذ بداية الأحداث والتضييق عليه في حيز التوظيف المعد مسبقاً.. ومنع أي تسرب خارجه.. حين لم تكتف بالتجاهل، بل حرضت على النفي والرفض لأي حديث فيه، ولا تزال عالقة في أذهان السوريين تلك المفردات التي تسخر أو تستخف بأي ذكر لمسلحين أو تنظيمات إرهابية.
هذه المعايرة تملي قدراً أكبر من التدقيق والمتابعة لكل ما يتم تداوله.. وما يجري البحث الحثيث عنه تحت ذرائع تحمل صيغة صادمة ومؤلمة، بل مريرة..
اللغة اليوم تعدل من بعض مفرداتها.. لكن السياسة التي بنت افتراضاتها على الكذب والافتراء والفبركة.. تأبى في بعض قطوعها أن تغير.. وترفض أن تبدل.. والسوريون الذين خبروا ذلك الكذب وأدركوه مسبقاً.. لم يتفاجؤوا بهذا الإصرار على الاستمرار في تجييش الموقف والبناء عليه.. والمضي على ما كرسته هذه المشاهد على مدى الأشهر الماضية وما أنبتته من زرع غريب على وجودنا.. تاريخنا.. تعايشنا.. وذاكرة الحياة فينا..!!
لذلك ليست المرارة في السؤال.. بل أيضاً في تلك الكلمات التي تأتينا من منابر أدمنت الفتنة والاستهداف لتصفع السوريين في انتمائهم.. وفي وجودهم.. وفي ادعاء الغيرة عليهم وعلى حقوقهم.. وإذا كانت معروفة ومتوقعة من الغرب وسياسييه.. فإنها كانت مؤلمة.. وأشد مرارة حين تنطلق من قريب هنا أو مدعٍ هناك.. وكلاهما لن يكون بعيداً عن استهدافهم، ولا هو خارج أطماعهم.
صبر السوريين طال أكثر مما هو متوقع.. والمرارة باتت غصة, لأنها أنتجت تورماً من الحقد ولو كان محدوداً.. زرعت ما لا يصدق.. وما هو غير مفهوم على ضحالته.. أن يتحول سوري إلى قاتل بهذه الشناعة.. وأن يكون أداة يقتل فيها سورياً آخر.. بشعار أو دون شعار.. بذريعة أو دونها.. بهدف مشبوه ومرفوض.. أو لمجرد أن يمتد الموقف أبعد ليستنزف المزيد من دمائنا.. والتشفي من صبرنا وإرادتنا .. من موقفنا وما حققناه وما سنحققه رغماً عنهم..
بقلم : علي قاسم