دراما 2011 تنوع في المواضيع ونسبة مشاهدة عالية
مع اقتراب شهر رمضان على مغادرتنا تشرف قصص وحكايا الأعمال الدرامية السورية المعروضة في هذا الموسم على
نهايتها ليبدأ التحضير للموسم القادم مباشرة بعد هذا الشهر المبارك وليتم أيضا تقييم ما تم انجازه من خلال ما حظيت به هذه الأعمال من متابعة ومشاهدة جماهيرية مع تنوع القوالب المقدمة بين الاجتماعي والكوميدي والتاريخي.
وكما هي العادة فإن بعض الأعمال حظيت بنسبة مشاهدة عالية وأخرى أقل منها وهذا ما يثبت حالة التنافس الصحي الذي تعيشه الدراما السورية وكيف أنها تستفيد من أخطائها وتقترب موسماً بعد آخر من واقع المشاهد الذي ينتظر قضاياه وما يهمه في كل عام على تنوع هذه المواضيع والأشكال التي تعالج من خلالها.
ولعل حصة الأعمال الاجتماعية المعاصرة كانت هي الأكبر من الإنتاج الدرامي لهذا العام وككل عام حيث تنوعت مواضيعها الحياتية بين العلاقات الاجتماعية والأوضاع المعيشية لطبقات محددة من المجتمع وعلاقات العمل والحب والدراسة وغيرها بحلوها ومرها فحققت نسبة مشاهدة كبيرة بين شرائح المجتمع السوري
لاقترابها من همومه ومشاكله وقضاياه رغم التحفظات التي بدت عند البعض على طريقة معالجة قضايا معينة.
يقول أسامة الجردي لوكالة سانا.. تابعت أغلب الأعمال السورية المقدمة هذا العام وهي جيدة في عمومها ولكني لاحظت بعض المبالغة في إظهار الأماكن العشوائية على أنها بؤر للجهل والفقر والجريمة والانحطاط الخلقي كما بدت في مسلسل الولادة من الخاصرة مثلاً علماً أن العشوائيات تشكل نسبة أكثر من خمسين بالمئة من مجتمعنا وهي تضم الكثير من المثقفين والمتعلمين ومن هم من خيرة أفراد المجتمع إلى جانب المبالغة في تصرفات بعض شخصيات العمل والتي لا يمكن أن تكون في الواقع.
ويضيف.. ان المبالغة لم تقتصر على إظهار واقع العشوائيات وطريقة عيش سكانها ولكني لاحظت أيضا المبالغة في تسطيح العلاقات الاجتماعية في مسلسل جلسات نسائية واستسهال التعاطي مع القضايا المطروحة على حساب الإبهار البصري والترف المادي واسترسال الأحداث ببساطة دون تعقيدات كانت ستكون منطقية لو أنها ظهرت.
وتخالفه في الرأي غادة محمد معلمة ثانوي وتقول.. قدم مسلسل جلسات نسائية قالبا دراميا جديدا في الدراما السورية وذلك من خلال طريقة كتابة سلسة عن طبقة اجتماعية مرتاحة مادياً ولديها مشاكلها الإنسانية والاجتماعية التي تتقاطع مع الكثير من مشاكل أبناء مجتمعنا ولكن طريقة التعاطي معها كانت جديدة على المشاهد وهذا ما حقق عنصر الإثارة والجذب للمشاهدة وخاصة مع صورة جميلة وأماكن أكثر جمالاً.
بدوره جوزيف داوود موظف يعبر عن استغرابه من التركيز في الأعمال الدرامية منذ أعوام على موضوع محدد وإظهاره وكأنه الهم الوحيد الذي يعاني منه مجتمعنا على اختلاف شرائحه الثقافية والمادية فمسلسل العشق الحرام على سبيل المثال تشعب كثيراً في العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة والغش والغدر والخيانة وكأن هذه الظاهرة متفشية في المجتمع مع الاعتراف بأنها مشكلة موجودة وتحتاج لجرأة في طرحها وهذا ما يحسب للعمل ولكن ليس بهذا الكم.
وحول مسلسل سوق الورق عبر عدد من طلاب الجامعة عن أهمية طرح مشاكل الفساد في المجتمع والجامعة من خلال الدراما مبينين أن الجرأة في تقديم قضايا الفساد هي بداية الحل لهذه الظاهرة التي تضر بالمجتمع وأبنائه.
وتقول الطالبة الجامعية سوسن ناعورة إن مسلسل سوق الورق استطاع أن يسلط الضوء على الكثير من الأمور التي تحدث في الخفاء سواء في الجامعة أو في سواها وكان النص قويا وجريئا وواكبه أداء الممثلين الممتاز والإخراج المميز ما حقق لهذا المسلسل متابعة جماهيرية كبيرة.
وتعبر ولاء الحمصي محامية عن إعجابها بمسلسل الغفران الذي يعالج قضية الخيانة الزوجية بقالب جديد وأسلوب فكري رصين وجذاب استطاع مقاربة الحالة النفسية لشخوص العمل مع تحفظها على بعض التحولات الدرامية في سياق الأحداث عند شخصيتي محمود ولؤي مبينة أن معالجة قضية إشكالية في المجتمع من منطق فكري يساعد على تحليلها وتحديد مسبباتها وطرق معالجتها وهذا دور تحريضي مهم للدراما.
أما الشابة صفاء حمود فكانت من متابعي الأعمال الكوميدية وأكثر ما أعجبها مسلسل الخربة بما حواه من مواقف بسيطة في تركيبها وذكية في معالجتها وتقول.. إن الأفكار التي حواها العمل كانت عميقة ولها مدلولات اجتماعية وفكرية تستحق الوقوف عندها مبينة أن جميع الممثلين في المسلسل أجادوا تجسيد الشخصيات التي قدموها إلى جانب وجود نص محكم وإخراج مميز استطاع رصد جمال البيئة السورية.
ووجد حسين عبد الحق تاجر أن مسلسل بقعة ضوء استطاع في هذا الجزء أن يعود إلى بعض ألقه السابق في الأجزاء الأولى وذلك من خلال أغلب لوحاته التي كانت خفيفة الظل ومعبرة عن قضايا متنوعة في المجتمع والحياة مع وجود لوحات افتقدت لعناصر الكتابة الدرامية مكتملة مبيناً أن مسلسل مرايا استطاع أن يحافظ على جمهوره من خلال قصصه وطريقة تقديمه التي اعتاد عليها المشاهدون.
أما فايز بركات طبيب فانتقد مسلسل يوميات مدير عام من خلال تقديمه في قالب لم يحمل الجديد في المضمون ولا حتى من حيث الأداء والحوار والمواقف طارحاً تساوءلا منطقيا حول الحاجة لإنتاج جزء ثان من عمل درامي بعد أكثر من خمسة عشر عاماً دون ملاحظة التغيرات التي طرأت على المجتمع وأفراده وطرق عيشهم وتعاطيهم مع الفساد كأمر واقع وموجود.
ويضيف.. انه كان يمكن الاكتفاء بإعادة عرض الجزء الأول لتحقيق الغاية منه دون الحاجة لتكرار التجربة بجزء ثان أقل قيمة فنية وفكرية وبالتالي الإساءة للعمل ككل من خلال الاستهانة بعقول المشاهدين بكثير من المبالغة في أداء الممثلين بغرض الإضحاك فقط.
وتقول سما حداد ربة منزل إن بعض أعمال البيئة الشامية كانت مميزة في هذا العام وخاصة طالع الفضة والزعيم والدبور حيث كانت القصة محكمة ومشوقة وترصد الحارة الشامية القديمة بطريقة محببة وفيها معان عدة مبينة أن أكثر ما أعجبها في مسلسل طالع الفضة هو التوثيق التاريخي لمدينة دمشق ولحارة شامية مازالت باقية حتى الآن مع أداء مميز من قبل الممثلين وإدارة ناجحة من قبل المخرج.
ومن خلال الآراء المتنوعة والمتشعبة لجمهور الدراما في هذا الموسم يمكن استخلاص الكثير من النقاط التي تفيد في تخطيط خارطة الدراما السورية للعام القادم والأعوام التي تليه فكلما كانت الدراما أقرب للواقع ومعبرة عن مشاكل المجتمع وقضاياه وتقدم بقالب فني ذكي قادر على تحقيق عنصري التشويق والمفاجأة ستكون الأعمال المقدمة أقدر على تحقيق مبتغاها وأعمق في تعاطيها مع جمهورها الذي سيقدر لها عملها واجتهادها من خلال المتابعة والتشجيع إلى جانب كسب جمهور جديد بدل فقدان الجمهور الحالي.
ولعل أكثر ما تحتاجه الصناعة الدرامية لدينا في الوقت الحالي هو الخروج من النمطية في الكتابة وكسر القوالب الجامدة في رسم الشخصيات وخطوطها الدرامية من خلال التمرد على الإرث الأدبي والدرامي أحياناً ومن خلال التجريب في المتناقضات النفسية في أحيان أخرى بحيث يمكن التوصل لقصص واقعية تتماشى مع التغيرات التي تمر بها العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا العربية وطرق الحياة بصورة عامة إلى جانب ضرورة تحرير هذه الصناعة من المتحكمين فيها من الخارج بإيجاد قنوات فضائية خاصة بنا تتماشى مع تطور الدراما لدينا وتسوق لها.
وهنا يجب التركيز على أهمية إيجاد تنسيق عالي المستوى بين الشركات المنتجة للدراما مع بداية كل موسم درامي جديد من حيث اختيار المواضيع وتنوعها وإشراك أكبر عدد من الفنانين والفنيين في العمل لتكون هذه الصناعة منتجا وطنيا يخدم الوطن وأبناءه بأفكاره ومنتجاته وطرق إنتاجه لتعود الفائدة على الجميع.