استحقاق أيلول … هل من صفقة تطبخ .. أما من انتصار سيتحقق
امام استحقاق ايلول وما يجري الحديث عنه من صفقة تطبخ من اجل ثني الموقف الفلسطيني عن التوجه للامم المتحدة ، حيث ترتسم الحيرة ، وهي حيرة تمليها صعوبة الخيار والقرار، فالذهاب إلى الأمم المتحدة
، ليس نزهة قصيرة، ولم يعد خيار الضعفاء والمستضعفين، بل خيار الأقوياء الذين يتعين عليهم التسلح بكل الأوراق، وعدم التعاطي بالمزيد من "النوايا الطيبة" التي ما زالت متعلقة بالمفاوضات خياراً وطريقاً لا رجعة فيهما أو عنهم، اما سيحقق الشعب الفلسطيني حلمه بالاعتراف بالدولة كاملة السيادة وبذلك يحقق الانتصار حتى ولو ان الدولة محتلة .
على أية حال، لم يعد يفصلنا عن "استحقاق أيلول" سوى أيام قلائل، لذلك فإننا نعتبر استحقاق أيلول للذهاب للأمم المتحدة لنيل الاعتراف بفلسطين، هي خطوة تستحق منا العمل على توحيد صفوفنا واستنهاض طاقات شعبنا في الوطن المحتل والشتات وتقديم رؤية موحدة للعالم لا تنتقص من اية حق من الحقوق المشروعة الثابتة، وخاصة نحن اليوم نعيش في خضم معركة الكرامة للشعوب العربية .
ومن هنا نرى ثمة من يتحدث عن "صفقة" في الطريق،صاغها الأوروبي وهذا أمر ليس عديم الأهمية على أية حال، ودعونا من باب تسهيل قراءة الموقف، فالموقف الأميركي معروف وثابت ودائم في دعم حكومات الاحتلال, وكل ما عدا ذلك مناورات, هدفها اقامة حالات سلام مع الدول العربية وإفلات المستوطنين والمستعمرين الصهاينة على الارض الفلسطينية لمصادرتها واستعمارها وترحيل اهلها منها، وخاصة في مدينة القدس ومنطقتها .
أن القيادة الفلسطينية لا يجوز لها أن تبقى تنتظر نجاح الجهود الأمريكية أو تقديم عرض دولي من هنا أو هناك ، وخاصة ان واشنطن تتحدث منذ عشر سنوات عن دولة فلسطينية تعيش جنباً الى جنب مع دولة اسرائيل. لكن هذا الكلام المدهون بالعسل يحتاج الى موافقة اسرائيلية عبر مفاوضات تبدأ.. وتستأنف ولا تنتهي.
أن المتغيّرات في المنطقة العربية تملي في نهاية المطاف تغييرا في السياسات الدولية بما فيها الأوروبية، ليس من زاوية ما تفرضه المبادئ على صعيد حقوق الإنسان وسيادة الشعوب، إنما من زاوية ما يفرضه الأمر الواقع، وقد بدأت الثورات العربية تفرض واقعا جديدا، يشمل قضية فلسطين أيضا، مما يستدعي قدرا كافيا من التمهل في السياسات الفلسطينية نفسها، لا سيما من جانب القيادة الفلسطينية، مقابل ما يلاحظ من إلحاح غربي مضاعف على الإسراع في "استئناف المفاوضات" وبالتالي محاولة إيجاد واقع "فلسطيني" جديد خلال فترة وجيزة ما أمكن، قبل أن تبدل الثورات العربية المعطيات الإقليمية في صالح قضية فلسطين، بعد أن بقيت لعدة عقود في صالح المشروع الصهيوني والهيمنة الغربية.
نعم نحن نؤكد على أهمية ذهاب منظمة التحرير لمجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة رغم قناعتننا بأن الورقة السياسية ستصدم بالفيتو الأمريكي
فمطالب اسرائيل من التنازلات الفلسطينية لا تبقي في الحقيقيه مجالاً لاقامة دولة على أي جزء من فلسطين، ولا تقدم لشعب دولة فلسطين المشرد وعدا كالوعد الذي قدمه اللورد بلفورد.
ان الذهاب إلى الأمم المتحدة يتطلب منا مواجهة الفيتو الامريكي بصلابة ورفض اي مشروع لا يرتكز إلى الحق والعدل وإنما على القوة والمصلحة ،وهذا يتطلب دعم عربي واممي ،ومن هنا فإن على الشعب الفلسطيني وقيادته جمع أوراق القوة والضغط والاستعداد لمعركة طويلة عنوانها حصار الاحتلال دوليا وقانونيا للوصول إلى الحق المسلوب .
فبدلاً من أن تتغطى مؤسسات صنع القرار الأمريكي، بما يجري من انتفاضات شعبية في غالبية الأقطار العربية، على سياساتها وعلى النظم الدكتاتورية التي حمت وتحمي هذه السياسات في المنطقة، وفي المقدمة سياستها ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية،ودعم الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً ومالياً وحمايته في المحافل الدولية، وعملية النهب الجارية على قدم وساق لمقدرات المنطقة وتحويلها الى مزرعة لها، نراها تلجأ للإيغال المتزايد في ذات السياسية الاستعمارية القديمة الجديدة في المنطقة .
ان التهديدات الاميركية تترافق مع حملة تخويف دبلوماسية عالمية يشنها الاحتلال الاسرائيلي، ضد الدول التي تعهدت بتأييد المبادرة الفلسطينية العربية. بعدما تبين ان اكثر من 120 دولة تنوي التصويت لصالح المبادرة، فيما هدد وزير خارجية الاحتلال بالغاء اتفاقات اوسلو و قطع كل العلاقات مع السلطة الفلسطينية استباقاً لموجة عنف يقول انها ستندلع في اليوم التالي لاعلان الامم المتحدة.
امام كل ذلك يقف شعبنا امامنا ويدق أبواب عقولنا وضمائرنا ونحن مقبلون على استحقاق أيلول والقيام بتنفيذ خطوة سياسية ربما هي الأولى من نوعها من حيث مستوى الجدية والتأثير على مصير قضيتنا الوطنية جميعًا, نعتقد انه من الضروري عدم الاستمرار في إدارة الظهر لمبدأ ومحددات العمل السياسي الناجح الذي يستند للوحدة الوطنية في هذه الأيام كاستحقاق وشرط ضروري لنجاحنا في الأمم المتحدة وتحقيق مطلبنا بانتزاع الاعتراف الدولي بدولتنا الفلسطينية، والتأكيد على أن الفلسطينيين شعب لديه حقوق وطنية وإنسانية أساسية، أهمها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها قسراَ، وحق تقرير المصير والحرية والاستقلال ، هذه الحقوق معترف بها من قبل الأمم المتحدة كحقوق غير قابلة للتصرف يملكها الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق شكل اعتراف الاشقاء في سوريا ولبنان بالدولة الفلسطينية قوة دفع للموقف العربي بالذهاب الى الامم المتحدة ورفع التمثيل الدبلوماسي الى سفارة ، اضافة الى الاعترافات المتتالية لدول العالم والتي اصبح عددها 126 دولة، ومن هنا نرى ان القيادة الفلسطينية مطالبة بتطبيق المصالحة وتحويلها إلى واقع ملموس لا شكلي على أسس برنامج وطني موحد إلى جانب التفكير بخيارات وبدائل أخرى أهمهـا ،إعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية ، والعمل على حشد أكبر حراك شعبي وسياسي عربي ودولي مدعوم بمقاومة شعبية على الارض في مواجهة الاحتلال والاستيطان ، وكذلك اللجوء إلى المؤسسات والمحاكم الدولية لمحاصرة إسرائيل وفرض العقوبات والعزلة عليها.
وغني عن القول فأن يوم القدس العالمي شكل هذا العام موقعا هاما للقضية الفلسطينية وللقدس على وجه الخصوص من خلال الهبة الشعبية العربية وخاصة في مصر وكذلك على المستوى الاسلامي والعالمي ، وعليه نؤكد بأن الذهاب للأمم المتحدة أو القيام بأي عمل سياسي أخر مهما كان نوعه لا يعني أن يصبح بديلاً عن دور المقاومة بكل إشكالها ووسائلها خاصة في ظل فهمنا لحقيقة عدونا الإرهابي العنصري الذي لا يفهم سوى لغة القوة، ولا شيء يجبره على التراجع والانكفاء سوى القوة والفعل المقاوم.
إن الإيجابية الوحيدة بأن الربيع العربى سيظل منقوصا ما دام الاحتلال مستمرا لفلسطين وما دام دم الفلسطينيين ينزف فى شوارع غزة وأزقتها وفي الضفة واحيائها وفي القدس .
ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب ان لا يؤدي الى محاولة اجهاض منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتستمد شرعيتها منه في كل امكان تواجده، وهي الجهة المخولة بالمطالبة بالحقوق الرئيسة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها الحقوق غير القابلة للتصرف في العودة كحق فردي وجماعي، وتقرير المصير كحق جماعي للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم.
ان القيادة الفلسطينية مطالبة اليوم بتوضيح موقفها من الصيغة التي اتخذها المجلس المركزي حول التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67 ، وعلى أساس وثيقة إعلان الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988 ، وطلب العضوية الكاملة لها في المنظمة الدولية، وعن الدور المستقبلي لمنظمة التحرير الفلسطينية .