رغم محاولات الحكومة لحل مشكلاته « السكن » ما يزال يشكل حلماً بالنسبة للشباب
إن العمل على تأمين المسكن المناسب وبالسعر المناسب وضمن البيئة والمناخ الذي يعيش فيه شباب سورية من فرص عمل متباين وادخار محدود يشكل هاجس كبير في حياة الشباب ويدفعهم للعمل على البحث لحل هذه المشكلة
التي أصبحت عائق كبير أمام مستقبل الآلاف من شباب الوطن ..
لقد أصبح حلماً .. فالسكن المناسب هو الخطوة الأولى لتكوين أسرة التي هي الخلية الأولى لبناء هذا المجتمع , ولأهمية هذا الأمر فقد عملت الحكومة ومنذ بدء أعمالها وضمن توجهات السيد الرئيس بشار الأسد الذي أكد على ضرورة تأمين السكن لمستحقيه وتوفير السكن المناسب , فقد أعلنت الحكومة السورية في وقت سابق موافقتها كمرحلة أولى على بناء خمسين ألف وحدة سكنية موزعة على جميع المحافظات , وقرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة فنية من الوزارات والجهات المعنية لوضع إطار عملي لتنفيذ هذه الوحدات واعتماد الصيغة التي تضمن المرونة والسرعة في إنجاز هذا المشروع والاكتتاب عليه ..
فيما أعلنت مؤسسة الإسكان العسكرية السورية في وقت سابق بأنها فتحت باب الاكتتاب للمواطنين على 1388 شقة سكنية موزعة على سبع محافظات هي ( اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة ودير الزور والحسكة والرقة ) .. أما المفاجأة فهي حول دفعة الاكتتاب , فقد أعلنت عن دفعة اكتتاب تتراوح بين (210000 – 1200000) ليرة ويتم سداد الباقي أقساطاً حسب مساحة الشقة والمحافظة ، كما يوجد شقق منها تسليم على الهيكل مع مرافق بالإضافة إلى شقق أكساء داخلي وخارجي كامل ..
في حقيقة الأمر فقد شكلت هذه الأسعار الجديدة للمنازل ودفعات الاكتتاب صدمة لكثير من الشباب الذين كان لديهم الرغبة في الاكتتاب وبدأت رحلة البحث لدى الكثير منهم عن الطريق الذي يكفل لهم تأمين المسكن المناسب , فمن مشاريع بناء الوحدات السكنية التي أعلنت عنها الحكومة إلى السكن الشبابي وإلى المصارف العقارية لتكون النتيجة بأن الخيارات الموضوعة لا تلبي الحاجة ولا يمكن أن تكون وسيلة لتأمين السكن المطلوب , فالمشكلة لا تتجسد في وجود مساكن أو عدم وجود , ولا تتجسد بطريقة عمل المشروع أو المساحة أو التكلفة , لكن حقيقة المشكلة تتخلص بأسلوب وكيفية تمويل الشباب لهذه المساكن إذ وضعنا في نصب أعيننا المعادلة التالية ( راتب أي شباب يتراوح بين 10000 إلى 20000 ل.س إذا كان موظفاً أو عاملاً في القطاع العام أو الخاص ) وهذه الشريحة من الشباب تشكل نسبة جيدة , بالإضافة لوجود حالات أخرى تتمثل في نسبة البطالة , أولئك الشباب الذين لا يجدون فرصة عمل مناسبة أو غير مناسبة فبعضهم يعتمد على فرص عمل موسمية أو شبه موسمية والبعض الأخر من المهن الحرة الذين لا يوجد لديهم دخل ثابت ففي أيام العمل يحصلون عن الأجر وفي أيامهم البقية ليس لهم من يعيل ..
المهم في الأمر بأن المشكلة الحقيقية تتلخص بكيفية الحصول على التمويل المناسب لشراء المسكن في ظل الإيرادات المحدودة أو الغير منظمة , فإذا ناقشنا فيما بيننا أسلوب الحصول على تمويل مناسب لشراء مسكن فإننا نتعرض لدراسة إحدى الحالات التالية ..
الحالة الأولى ( شراء مسكن عن طريق الاكتتاب بمشاريع السكن الشبابي أو التي أعلنتها عنها الحكومة مؤخراً ) وفي هذه الحالة نجد بأن سماسرة العقارات وتجار المخالفات يسعون جاهدين لاغتنام الفرصة وشراء عضويات من مكتتبين أو الاكتتاب بأسماء وأشخاص لا يملكون القدرة على التمويل المناسب فيكون اكتتابهم لمصلحة هذه الفئة المستغلة , إذا كان القانون قد أجاز قد أجاز إحلال العضوية أو التنازل عنها للغير فهذه فرصة ليستعملها بعض تجار سماسرة العقارات لمكاسبهم الشخصية أم مستحقي هذه المساكن فلن تسمح لهم الفرصة لأسباب أهمها عدم امتلاكهم أو معرفتهم لشخصيات اعتبارية تعيلهم على ذلك , حيث أن المسألة في كثير من الحالات تحكمها المحسوبية والواسطة لأن القلة ممن أوكلت إليهم مهام الإشراف والمتابعة على اكتتاب المواطنين أو الشباب يستغلون موقعهم الوظيفي لتحقيق مكاسب بعض السماسرة والتجار , إضافة لذلك فإن عدم قدرة المواطن أو الشباب على تأمين الدفعات والأقساط اللازمة لشراء أو الاكتتاب على هذه المساكن يشكل عبء عليه ..
الحالة الثانية لشراء العقار أو المسكن هو ( الشراء عن طريق شركات الاستثمار أو التطوير أو التجارة العقارية ) وهناك أساليب كثيرة للشراء أما عن طريق الشراء على الخريطة أو عبر أقساط إلا أن ذلك لا يتم بدفعات بسيطة أو بأريحية الدفع لأن هذه المشاريع تتم بتنفيذ عقاراتها ضمن مدة محدودة ويجب أن يرافق ذلك دفعات محدودة خلال فترة زمنية معينة .
الحالة الثالثة تتم عن طريق ( الاشتراك أو الانضمام أو العضوية في إحدى جمعيات التعاون السكني ) حيث نجد أنها لا تخلو من السماسرة وتجار العقارات , كما أن مسألة إحلال العضوية تشكل إمكانية لتحويل هذه المنحة والمكرمة التي خص بها السيد الرئيس بشار الأسد أبناء شعبه إلى تجارة للعقارات , ففي كثير من الحالات نجد بأن معظم الذين يكتتبون على مشاريع هذه الجمعيات لا يملكون إمكانية السداد بالتوازي مع تنفيذ المشروع فيكون الخيار الأفضل أن تلجأ الجمعية ممثلة عن أعضائها بالاقتراض من المصرف العقاري لتمويل المشروع وتحويل المبالغ المتبقية كدفعات متساوية على الأعضاء إلا أن حالات الخلل والفساد الإداري في بعض هذه الجمعيات وقيام البعض باستغلال الجمعية لأغراض خاصة جعلها تتحول من مؤسسة عامة ذات استقلالية تعاونية إلى مؤسسة خاصة إضافة لموضوع الشراء والبيع في العضويات ..
الحالة الرابعة تتمثل في القروض العقارية من المصارف العامة أو الخاصة أو الإسلامية التي تتطلب توفر شروط يصفها الكثيرون بالتعجيزية , فالبحث عن كفلاء بمثابة البحث عن المستحيل أو أنك تكون مجبر لدفع مبالغ مالية لهؤلاء الكفلاء حتى تستكمل طلب منحك لقرض , إضافة للحاجة إلى رهن عقار الذي يشكل صعوبة جديدة , فكيف لشخص أن يقوم برهن عقار وهو لا يملك عقار , إذا كان هو بحاجة لقرض شراء عقار فكيف يمكن له أن يأمن عقار ليضعه رهناً لقرضه ..
كما أن الفوائد المصرفية أو المرابحة في المصارف الإسلامية تشكل عبء كبير على المقترض فالعقار الذي يتجاوز سعره المليون ليرة سورية قد يتطلب من الشباب سداد مبالغ تزيد قيمتها عن نصف المبلغ المطلوب بين سلفه شراء عقار ومبالغ مخصصة للكفلاء ومبالغ مخصصة تعويضاً لإشارة الرهن عن العقار ومصاريف معاملة القرض , إذاً في هذه الحالة قد لا يفكر الشاب نهائياً بالاقتراض حينما يضع أمامه هذه الاعتبارات , ولا ننسى بأن قيمة المبلغ المقترض قد يتضاعف في نهاية مدة القرض لقاء الفوائد المصرفية أو المرابحة ..
البعض يقول بأن القرض العادل قد حل المشكلة إلا أنني أكد بأنه لم يحل حتى الجزء القليل من المشكلة لأن أي شاب إذا كان يملك 40 % من قيمة عقار موجود في مناطق التنظيم السكاني فالأولى به أن يقوم بشراء مسكن ضمن أحدى المناطق النامية سكنياً , ويتخلص من الروتين وإجراء معاملة تحتاج لوقت طويل ولدفع رشاوي وكفلاء ورهن عقار و .. و …. , المشكلة الحقيقية في صعوبة تأمين المسكن يمكن حلها من خلال دراسة الظروف الموضوعية لحالة وواقع الشباب السوري وتقديم الدعم والمساندة والتسهيل لتوفير الفرصة الملائمة , ويمكن العمل على حل المشكلة من خلال إحدى النقاط التالية ..
• أن يتم وضع معايير ومقاييس علمية شديدة ونزيهة بما يخص مشاريع السكن الشبابي أو إحدى مشاريع الإسكان التي تعلن عنها الحكومة مع مراعاة أن تكون الدفعة الأولى ميسرة والدفعات أو الأقساط الشهرية متناسبة مع دخل المواطن أو الشاب البسيط الذي لا يتجاوزه راتبه عن ( 20000 ) ل.س بالإضافة إلى أنه يتحمل مصاريفه الشخصية وجزء من عبء الأسرة , كما أكد على ضرورة إيجاد آلية للرقابة والمحاسبة بقسوة لكل من يحاول استغلال هذه المنحة أو الفرصة لأغراض التجارة والسمسرة العقارية , أو الاكتتاب بعدة أسماء واستخدام المعارف والمحسوبيات لكسب الفرصة , حيث أن هذه المحاولات هي التي أفرغت هذه المنح والمكرمات من مضمونها وجعلت الشباب الذين هم الشريحة الأحق بذلك بعيدين كل البعد عن الاستفادة منها ..
• أن تعمل المصارف على منح القروض العقارية بدون كفلاء أو رهن عقار وذلك بالاكتفاء بوضع إشارة الحجز على المنزل أو العقار الذي يتم شراءه , حيث يكفي بان يقوم المصرف سواء كان عام أو خاص بشراء العقار أو المسكن الذي يرغبه طالب القرض وتوضع إشارة حجز على هذا العقار , بالإضافة إلى النظر بعين الرأفة لطالب القرض في احتساب الفائدة أو المرابحة ..
• في نظام التعاون السكني الأمر يتطلب عدم إحلال العضويات أو التنازل عن السكن مع تسهيل الدفعات الخاصة بالمشروع أو تحويل هذه الدفعات المصرف عن طريق حصول الجمعية على قروض عقارية , حيث يتمكن العضو من دفع القيمة ضمن فترة زمنية طويلة وعلى أقساط متساوية توازي دخله ..
إن السعي الحثيث من أجل تبني قضايا الشباب والعمل على حل مشكلاتهم يحتاج للمزيد من التدابير والإجراءات على أرض الواقع وتشكل مشكلة تأمين السكن المناسب أحد أبرز وأهم المشكلات , لذا نرى من الضروري الإسراع والعمل على استصدار قرارات وقوانين تسهم في حل هذه المشكلة لأن الشباب هم الشريحة الأكبر من المجتمع السوري , وأعود في ختام حديثي لأذكر بأن المشكلة ليست بإنشاء وتعمير المساكن وإنما بإمكانية الشباب المالية تجاه تمويل عملية شراء هذه المساكن ..
يسلم تمك
تحليل سليم نرجو ان يصل الى مسامع المعنيين
بس بدك مين يسمع هالحكي و يفهموا