وثقت لأمجاد الانتصار في تشرين.. الدراما السورية شاهد على تضحيات الجيش العربي السوري
تمكنت الدراما السورية من العمل عبر العديد من الأعمال الفيلمية التلفزيونية التوثيق لحرب تشرين التحريرية
من خلال تركيزها الفني على بطولات الجيش العربي السوري في ميدان المعركة ناقلة قيم التضحية والفداء التي جسدها استبسال الجندي السوري أمام غطرسة آلة القتل الصهيونية حيث التقطت كاميرا التلفزيون ومنذ بداية الحرب مشاهد حقيقية من مواقع الاشتباك المباشر مع العدو الإسرائيلي لتكون بمثابة وثيقة بصرية حية عن شجاعة المقاتلين وبسالتهم.
ومن تلك الأفلام التي نفذتها دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون العربي السوري فيلم /عواء الذئب/ من إخراج الراحل شكيب غنام وتأليف خالد حمدي الأيوبي عن قصة واقعية لرجل يأسر طياراً إسرائيليا تقصف طائرته من قبل سلاح الطيران السوري ليكون من أكثر الأعمال التي استطاعت تقديم صيغة درامية قاربت نبض الشارع السوري في سبعينيات القرن الفائت.
ونجد في فيلم /عواء الذئب/ طاقة جيدة على دغدغة المشاعر الوطنية من خلال حكاية رجل يدعى /ديب بو عمر/ يعمل في التهريب ومتهم بقتل أحد رجال الجمارك يصادف أثناء اختبائه عن أعين الشرطة طياراً إسرائيلياً جريحاً بعد إصابة طائرته /الفانتوم/ وتفجيرها بصاروخ طائرة سورية حيث يجسد الفيلم شهامة الإنسان العربي واعتناقه النهائي لوطنه وانتمائه العميق لأرضه وشعبه إذ تمكنت كاميرا /غنام/ من تسجيل حوارات شفافة ذكية تدور بين /بو عمر/ والطيار الإسرائيلي جسدتها لقطات قريبة لكل من وجهي صلاح قصاص ورضوان عقيلي تكشف عن أصالة الإنسان العربي السوري وقدرته على المواجهة والمقاومة.
ويعرض الفيلم لمقاطع من إذاعة دمشق تبث أخباراً عن سقوط مدو للطائرات الإسرائيلية وتدمير عشرات الدبابات على يد سلاحي الجو والبر السوريين معشقا ذلك بأغاني السيدة فيروز /خطة قدمكن عالأرض هدارة/ حيث تكون هذه الأغنية بمثابة كابوس على شخصية الطيار الإسرائيلي الذي يصرخ /أوقف هذه الإذاعة، أريد أن أستمع لإذاعة إسرائيل/ ليجيبه بو عمر ضاحكاً /إسرائيل ما بتطلع بهادا الراديو/ لتنتهي الحكاية بسوق /بو عمر/ ل/موسى/ وتسليمه لمخفر القرية بعد أن يرفض بو عمر كل الإغراءات والمبالغ المالية التي يعرضها الطيار الإسرائيلي عليه.
وكانت لجملة الفنان /صلاح قصاص /ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين ياخديجة/ صدى سيتردد كنشيد لتصبح هذه الجملة بمثابة صرخة دللت على تماسك المجتمع السوري بأكمله أيام الحرب مبيناًً قدرته على مواجهة عدوه بعد نكسات ونكبات متتالية أوضحت صلابة الشعب السوري في مقارعة العدو ومجابهته حتى النهاية.
وتبدو حكاية /عواء الذئب/ ورغم صعوبة التصوير الخارجي آنذاك أكثر ملامسة لمشاعر السوريين الذين حفظوا /ألف حبل مشنقة/ في كادر الأبيض والأسود كأهزوجة شعبية لا ترد عن شموخ المواطن العربي السوري وعدم مساومته على وطنه وبلاده تحت أي ظرف كان حيث نلاحظ في هذا الفيلم مشاهد مصورة سينمائياً في شارة النهاية آخذةً طابعاً وثائقياً لحرب تشرين التحريرية.
وأعقب التلفزيون السوري /عواء الذئب/ بإنتاج سهرة تلفزيونية بعنوان /العريس/ عام 1975 لشكيب غنام أيضاً عكس من خلالها تماسك المجتمع السوري ووحدته الداخلية بنياناً مرصوصاً في وجه العدو حيث نجحت السهرة في إعلاء قيمة الشهادة كعرس وطني وطريق أوحد لاسترداد الحقوق المغتصبة لنلاحظ في هذه التمثيلية قدرة كل من /أحمد عداس/ و/صلاح قصاص/ و/سلوى سعيد/ وغيرهم على تأصيل روح التضحية والذود عن الوطن مهما بلغت الأثمان.
كما تمكنت السهرة من نقل مشاهد حية عن تماسك وتآلف الشعب السوري على امتداد مدنه وقراه وبلداته في مواجهة الدعاية الصهيونية أيام الحرب المجيدة والتفافهم منقطع النظير حول قيم وطنية جسدت عبقرية السوريين عند الأزمات والملمات العامة لنرى تجسيداً درامياً عالي المستوى في شحذ الهمم والقيم النبيلة وكيفية انعكاس الحرب وانتصارات الجيوش العربية على آلة الحرب التي كان يروج على أنها لا تقهر.
وتعد تمثيلية /حكاية من تشرين/ للمخرج هاني الروماني بمثابة استطلاعات حقيقية من أرض الميدان تمكن عبرها الفنان السوري من محاكاة أيام الحرب المجيدة مسجلاً مشاهد مزج فيها بين الوثائقي والدرامي ناقلاً حقائق المواجهات الدائرة وانتصارات الجندي العربي على الجبهتين السورية والمصرية موثقاً لتكاتف الجنود العرب على الجبهة أمام العدو الإسرائيلي ولاسيما في الكشف الواقعي لجبن هذا العدو وتقهقره أمام شجاعة الجيوش العربية.
بينما تميزت تمثيلية /الولادة الجديدة/ عام 1985 التي أخرجها غسان باخوس بإبراز عمق العلاقات الاجتماعية بين السوريين ووقوفهم إلى جانب بعضهم البعض ونسيانهم لكل الخلافات أمام إيمانهم المطلق بحرية الأرض والإنسان العربي ولاسيما في المشاهد التي نجح /باخوس/ في التقاطها لمعارك حقيقية ضارية بين الجيش العربي السوري وقوات الاحتلال موثقاً بذلك لذاكرة بصرية لافتة في تعاطيها مع حرب تشرين المجيدة خصوصاً تلك الروح الأصيلة للجندي السوري التي جسدها الفنان /رشيد عساف/ أثناء أدائه لدور قائد كتيبة دبابات تتعرض لقصف الطيران الإسرائيلي ليحمل بعد ذلك رفيق السلاح الفنان /عبد الفتاح مزين/ معيداً إياه إلى أهل قريته.
ونجح المخرج /هيثم حقي/ في صياغة مشهدية أخاذة في فيلم من كتابته وإخراجه بعنوان /مهمة خاصة/ عن تضحيات الجنود السوريين في عملية تحرير مرصد جبل الشيخ إذ استطاع هذا الفيلم أن ينتزع شهادة تقدير لجنة التحكيم في مهرجان لايبزغ للأفلام الوثائقية ليكون بمثابة توثيق فني لأبطال تشرين وتضحياتهم على خطوط النار مع العدو الإسرائيلي.
كما قدم الفنان /نجدت أنزور/ مسلسله /رجال الحسم/ عن بطولات الجيش السوري في حرب تشرين التحريرية من خلال حبكة جاسوسية يقوم عبرها ضابط سوري في متابعة شبكة للموساد في أوروبا وهذه التوليفة الجديدة في تناول حرب تشرين مكنت المخرج من إبداع روءية فنية لراهنية الوطن كقضية حاسمة في المعيش اليومي للسوريين.