مارسيل خليفة بين الثورة الموسيقية والموسيقى الثورية
جمل الأمهات تلك التي وضعت طفلاً يحول الطنين من ضوضاء إلى موسيقى تخترق العقل والواقع وتحملك على اجنحة الحياة والتأمل والرقيّ في الفكر والانسان إلى ابعد الحدود
، هو الفنان الذي يبخل على جمهوره باطلالته في حفلات او مقابلات مصورة، هو الفنان الذي ينعزل في موسيقاه ليخرج إلى الملأ بعد حين ويقدم لك موسيقى العصر المقبل، مارسيل خليفة الثائر في الثمانينات على الطغيان والقمع والظلم، مارسيل خليفة الثائر الموسيقي في الألفية الثالثة، مارسيل خليفة الفنان الذي احدث جدلاً في الآونة الأخيرة بين جمهوره، بين مؤيدٍ للثورة الموسيقية التي يقدمها وبين مؤيدٍ للموسيقى الثورية التي قدمها، تكرم خليفة على جمهوره وأطل ضيفاً برفقة مبدعيه بشار ورامي في حلقة خاصة مع الاعلامية منى ابو حمزة اقتبس عنوانها من نشيده المعروف، فكانت الحلقة "خبز وورد" لكل متعطش لموسيقى الصفاء الروحي.
استهلت الحلقة بـ "ريبورتاج" خاص من جبيل وعمشيت مسقط رأس خليفة والمكان الذي تربى ونشأ فيه، ورداً عن سبب الترحال الدائم لخليفة قال: "الترحال الدائم هو غنى روحي ثقافي وحضاري ومن خلاله تتعرفين على الأخر وتكتسبين الكثير"، وعن ما يحرر خليفة قال: "الذي يحررني هو الموسيقى، الانعتاق مع الآلة، مع المقطوعة الموسيقية، في التمرين في الحفلة، أنا اغمض عيناي اثناء الحلف لأرى افضل، لأسافر إلى البعيد لكي اتحرر".
وعن الحب في حياة خليفة قال: "لا يوجد إلا الحب في عقيدة مارسيل خليفة، أنا احب الحب، واعمل لأجله في موسيقتي، في علاقتي، في نظراتي، ابحث عن الحب لأنني اعرف انه موجود هنا بيننا، واتعجب ان العرب الذين اخترعوا كلمة حب لا يشعروا بها فيما بينهم".
مارسيل خليفة تحدث خلال الحلقة عن علاقته بصانع الأعواد البير منصور، الجار والصديق الذي لعب مارسيل دوراً مهماً في تغيير حياته من ميكانيكي سيارات إلى صانع أعواد، وتكلم ايضاً عن بغضه للتصنع قائلاً: "انا لا أحب ان يمشي احد برفقتي لحمايتي، لا أحب ان يفتح احد لي الباب، لا احب ان يقود احد سيارتي بدلاً مني"، ورداً عن القلق والضوضاء التي تعكر حياة خليفة قال: "وحدها الموسيقى هي التي تحميني من القلق والضوضاء، لدي قلق على المصير، فعندما تعيشين في مكان ليس محمياً، لا وجود للوطن، لا وجود للمؤسسة التي تحميك، لا حكومة، من الصعب ان تعيشين دون قلق، قلقي على الأولاد والأحفاد، على كل شيء".
تطرقت أبو حمزة خلال الحلقة إلى مارسيل الأب في عائلة خليفة، وعن انصياع مارسيل الثائر على كل شيء للقيود الزوجية قال: "رغم الرجولية العزيمة الموجودة في المجتمع للرجل، إلا انك بمجرد الدخول إلى البيت تجدين سلطة المرأة الرائعة الحنونة التي تكون سنداً لك، لو لم تكن "يولا كرياكوس" زوجتي لما كنت انصعت للمؤسسة الزوجية، يولا انسانة لديها الحنان ولديها القابلية لفهم الآخر، انسانة حساسة جداً".
وعن الحفلة الأخيرة التي قدمها الثلاثي "شياطين آل خليفة"، قال رامي: "انا كانسان احب الاكتشاف، الحفل الأخير أخذني إلى كوكب تاني بهذه الموسيقى التي قدمناها، السعادة اخذتني لاماكن لا اعرفها من قبل، كان ارتجالاً مدروساً، كنت على دراية إلى أين أتجه ومتى أعود إلى المسرح، هذه حريتي التي شاهدتموها في موسيقتي"، وعن طفولته قال: "عندما كنت صغيراً الشيء الوحيد الذي يأخذني من عالمي إلى عالم آخر هي الموسيقى، وأول أغنية عزفتها كانت "صرخة"، فمن صغري أهلي كانو يقولون انه ليس مقبولاً ان لا أكون فناناً"
أما بشار المستقر مع عائلته في باريس، فقد تحدث عن طفولته الهادئة، عن هروبه الدائم اليوم من العالم والانغلاق بين الأوراق والآلات لصناعة الموسيقى، بشار الذي استعان بالكثير من الآلات خلال العزف على المسرح، كان سيد الايقاع وضابطه، كان القائد الذي يوقظ الحالمين -رامي ومارسيل- لحظة خروجهما من العالم الحقيقي إلى عالم السكون والارتقاء في لحظة اندماج الروح مع الموسيقى.
واضاف مارسيل: "العمل الذي قدمناه في الحفل أطل على عصر الموسيقى، انا شخصياً انتمي إلى الجيل القديم، ولكنني استفدت من جيل بشار ورامي ودخلت عصرهم، الكثير من الناس وجه إلي اللوم لصمتي على المسرح أو تأملي، إلا أنني كنت أرتقي إلى تقديم الأفضل"، وأكد خليفة أن الصوت والموسيقى عنصرين متلاحمين. ورداً على النقد الذي وجه إليه بسبب حرمانه لجمهوره الأغاني الثورية التي قدمها في القدم قال: "الشعر العربي أخذ من درب الكثير من درب الموسيقى، واليوم اصبح من الضروري ان نقول للشعر العربي "معليش" يجب ان تأخذ الموسيقى حقها".
وتكلم خليفة عن طفولته، وعن الطنين الذي كان يشده، عن اللحظة الأولى التي دخل فيها العود إلى بيت اهله، مما دفعه للتخلي عن آلاته الموسيقية المؤلفة من الطناجر والصحون والملاعق وعلب الحليب الفارغة ليلعب على اوتاره قبل ان يدوزن. وعن علاقته باولاده قال: " انا انسان عاطفي، في البيت لا نتكلم كثيرا، نتكلم فقط عبر الموسيقى التي نقدمها، فأنا أداعب احفادي بالأغاني، وعندما يزورني حفيدي –ابن بشار- نقيم حفلة موسيقيّة غير مألوفة".
وفي الختام، تمنى مارسيل أن يكون لنا وطناً يوماً وقال: "تصبحون على وطن".