فن الباليه مازال حديثاً في سورية ويبحث عن دعم الدولة
ربما كان رقص الباليه من أصعب الفنون الحركية التي يؤديها الانسان ولكنه من أجملها وأكثرها سحرا في المشهد
الثقافي اذ يتناغم الجسد مع الروح والعقل في أداء يوصل الفكرة إلى الجمهور بشفافية وجمالية تحتاج إلى سنوات من التدريب المتواصل لتطويع الجسد والغوص في اعماقه وهذا ماجعل معظم عروض الباليه تبقى خالدة الى اليوم مثل بحيرة البجع وكسارة البندق والأميرة النائمة.
وفي سورية مازال هذا الفن فتيا لايتجاوز عمره بضعا وعشرين سنة بالمقارنة مع الباليه الكلاسيكي في اوروبا والذي يعود الى مئات السنين 00 تأسس قسم دراسة الباليه بدمشق عام 1997 وكان تابعا للمعهد العالي للموسيقا ومدة الدراسة فيه خمس سنوات ثم الحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وصارت الدراسة فيه أربع سنوات00وإلى جانب المعهد هناك مدرسة الباليه التي تأسست عام1988 وتدرب الأطفال على هذا الفن منذ سن السابعة حتى الثامنة عشرة.
ويقول معتز ملاطيلي رئيس قسم الرقص بالمعهد العالي إن فن الباليه هو فن جديد في سورية ونحن لا نستطيع تحدي احد في هذا المجال ففي روسيا مثلا تعود بدايات هذا الفن إلى أربعمئة سنة وأغلبية فرق العالم كفرقة البولشوي تقدم عروضها بتقنية الباليه ولاغرابة في ذلك فللباليه تقنيات خاصة مهمة حيث يتدرب الطالب على الباليه كمرحلة اساسية وضرورية تسبق العروض الراقصة بمختلف أنواعها.
ويرى أن الباليه هو بمثابة الأبجدية للرقص وهو يعتمد في مراحله الأولى على تدريبات راقصة تشبه بصعوبتها تمارين الجمباز 00وفن الرقص بشكل عام هو أصعب من الرياضة لأنه مرتبط بما هو فني ونفسي وعاطفي اذ ينقل الراقص عاطفته للمتلقي فيؤدي اداء حركيا متقنا يترافق مع شخصية او حالة معينة.
وأشارملاطيلي المتخرج من تشيكيا الى ان الكثير من فرق الرقص العالمية تتدرب على الباليه الكلاسيكي لانه ضروري لجسد الراقص وبنائه البنية الصحيحة ويعتبر انه عندنا في سورية بذرة جيدة في هذا المجال وقد تخرج من المعهد أربعون راقصا أكاديميا على مدى عشر سنوات كما ان مستوى الراقصين يتطور عاما بعد عام وهذا مايظهر في عروض التخرج التي تكسبهم خبرة اضافة إلى ورشات العمل التي يقيمها المعهد باستضافة خبراء من مختلف دول العالم.
وقال تكاد سورية تحتل المرتبة الاولى في الرقص المعاصر على مستوى الوطن العربي حيث تتم الاستعانة بالخبرات السورية في مختلف المناسبات العربية ومثال ذلك افتتاح الالعاب الاسيوية في قطر بمشاركة 120راقصا وراقصة من سورية وتحت اشرافي.
وتحدث ملاطيلي الذي يعتبر أول راقص أكاديمي في سورية عن التنوع الذي يتميز به الراقص السوري الذي يستطيع أن يؤدي كل أنواع التقنيات الراقصة في العالم ففي مهرجان غرناطة بهر الجمهور عندما ادت الفرقة السورية رقصة اسبانية وأخرى روسية بمستوى عال من التقنية.
وحول نظرة الأهل والمجتمع لهذا النوع من الفن يقول إنه لا أحد يتباهى بأن ابنه يحترف الرقص ولكن نظرة مجتمعنا للفن تتطور نحو الأفضل والجمهور اختلف وصار يتقبل ويفهم الرقص التعبيري وما يسر هو الحضور المكثف لحفلات الرقص المعاصر.
وعن طموحاته يقول ملاطيلي انه حقق بعضا منها بالتاسيس اكاديميا لهذا الفن في سورية ويتمنى ان يستمر في الرقص والعطاء ورفع مستوى قسم الرقص في المعهد وان يلقى الرقص الاحترام اللائق من الناس.
أما حور ملص مدرسة مادة الرقص الحديث في المعهد العالي فتقول إن مجتمع الباليه موجود في سورية ولكنه مجتمع صغير ولا يوجد عندنا فرق باليه لأن معظم الطلاب يدخلون مجال الباليه كهواية وقلة منهم يحترفون كما ان الباليه فن صعب وبحاجة إلى تدريب منذ سن مبكرة وبحاجة إلى تفهم واهتمام من قبل الأهل وللأسف معظم الأهالي يدخلون اولادهم الى مدرسة الباليه للتباهي وكما يقال برستيج اجتماعي اضافة إلى أن بعض الأسر المحافظة تعارض استمرار أولادها في التدريب عندما يصلون إلى سن المراهقة.
وعبرت عن أملها في ألا ينظر الناس إلى الباليه والرقص المعاصر على أنهما فن مبتذل وأن يكون في سورية أكثر من أكاديمية أو مدرسة للرقص00كما تتمنى أن يكثف المعهد العالي من عروضه ونشاطاته من اجل ترغيب الناس بهذا النوع من الفن.
وتحدثت مديرة مدرسة الباليه هبة بيروتي عن شروط القبول في المدرسة فقالت انه يتم قبول الأطفال بين سن السابعة والعاشرة على ان يكون لديهم تناسق بالجسم ونحافة ومرونة وليونة بالعضلات والمفاصل اضافة إلى امتلاك الرغبة والموهبة والأذن الموسيقية مشيرة الى ان الانتساب للمدرسة مجاني ولايترتب على الأهل أي رسوم مالية كونها تابعة لوزارة الثقافة.
ويبلغ عدد الأطفال في المدرسة هذا العام 180 طفلا وطفلة مقابل 145في العام الماضي والملاحظ أن عدد الإناث دائما أكبر لكون الصبيان يخجلون من اداء الرقص وعددهم هذا العام ثلاثون طفلا فقط00وهذا الرقم افضل من السنوات السابقة 00وينقسم الطلاب إلى مجموعات حسب مستوياتهم إذ يتم اعدادهم بشكل احترافي وتتم تهيئتهم بشكل صحيح لكي يصل من يريد الاحتراف منهم إلى المعهد العالي وقد اتقن الباليه الكلاسيكي.
وأشارت بيروتي إلى أن الفرق واضح بين من يدرس في المعهد العالي على خلفية التاسيس في مدرسة الباليه وبين من يأتي من فرق الرقص الخاصة لأن الباليه فن تراكمي لا يمكن تعلمه بسنة أو سنتين وهو بحاجة إلى جهد متواصل ونظام غذائي للمحافظة على نحافة ورشاقة الجسم.
وطالبت مديرة المدرسة بتشكيل فرقة سورية للباليه وهذا يحتاج إلى قرار وزاري كما طالبت بوجود بناء خاص لمدرسة الباليه التي تتقاسم احدى قاعات المعهد العالي للفنون المسرحية مع قسم الرقص وقسم الموسيقا مشيرة إلى أن الامكانيات المقدمة للمدرسة محدودة00 ويفترض بالوزارة أن تدعم الباليه الذي يعتبر أساسا لكل انواع الرقص مشيرة الى ان عروض الباليه مكلفة جدا من أزياء راقية وديكور ضخم واضاءة ومسرح كبير.
وتقول السيدة منى الحسن أنها سجلت ابنتيها في مدرسة الباليه لأنها تحب هذا الفن الذي يجمع بين التمثيل والرقص والغناء والمسرح والموسيقا واللياقة البدنية ورشاقة الجسم وكان حلمها في الطفولة ان تمارس هذه الهواية ولكن الظروف لم تساعدها فحققت هذا الحلم لاطفالها الذين يمشون ويجلسون بطريقة صحية وأصبح قوامهم جميلا بسبب التدريب المتواصل.
ولاتمانع أم جودي وجوليا ان تحترف ابنتاها الرقص الا انها تفضل حصولهم على شهادات علمية لكون دراسة الرقص عندنا ليس لها مستقبل ولن يجد الطالب فرصة عمل الا في بعض فرق الرقص التي ليس لديها ضمانات للمستقبل وتدعو الدولة الى الاهتمام بمستقبل أصحاب المواهب من موسيقيين وراقصين ورياضيين لكي تتحسن نظرة الأهل والناس بشكل عام لها.