زجاج دمشق يتعشق بشعر وموسيقا من إيطاليا في غاليري مصطفى علي
افتتح النحات السوري مصطفى علي أمسية موسيقية شعرية أمس مع الشاعر الإيطالي دافيد روندوني وقال سنعرف
كيف اشتق الطليان لغتهم وشاعريتها بكل ما تحمله من طاقة بلد يطل على المتوسط بينما صعد كل من عازف البيانو ميل موركونه ليعزف مع مغنية موسيقا الأصوات إليسيا باسيني أكثر من ثماني أغنيات اختارتها باسيني لجمهورها السوري الذي تحلق حول بحرة الماء الدمشقية متابعاً إياهاً في أناشيدها عن الحنين والحب.
الأمسية الموسيقية الشعرية الإيطالية في خامس أيام مهرجان /كرفان الشعر والموسيقا/ اتسمت بحميمية أسبغتها عبقرية المكان في قلب دمشق القديمة حيث بدا أن الجمهور أكثر تفاعلاً مع الفقرات التي تضمنت قصائد للشاعر روندوني بدأها بقصيدة /شارلوت/ من مجموعته /سعادة شاقة/ الصادرة حديثاً عن دار بدايات ألقاها باللغة العربية الشاعر السوري /أسامة اسبر/ وتقول القصيدة.. /ستصبحين امرأة.. ستفكرين مثلي بأفكار.. لم أحققها قط.. ستصبحين أنا.. ولكن ستلبسين تنورة يكون لليل رقة أخرى لأجلك../ لتكون هذه المقطوعات بمثابة انتصار على الجغرافية عبر صوت قادم من أعماق المدن الإيطالية.
وتابع روندوني قراءته مخاطباً الحضور.. الشعر موجود كي يستطيع الشاعر التواصل مع الآخرين فهو يرتب الكلمات بطريقة غريبة محاولاً التقاط روح ذلك الغموض الذي يكتنف الكائن البشري فوظيفة الشعر شد الانتباه نحو غموض الحياة ليقول في قصيدته /الضوء الممطر في ميلانو/.. في الصباح الباكر قرب البوابة الرومانية أو السموات التي عليها أن تتفتح في الوقت.. الحاضر لكي تفتح باب المتاجرة للمجهول.. الذي يعبر الشارع ويعيش الحب والإثم.. لأجل الذي يحضن على ركبتيه رأس ابنك عندما أطلقت الرصاصة.
واستغرق ابن مدينة /فورلي/ الإيطالية في تلاوة نصوصه الشعرية باحثاً عن المعنى في لونه الغامض وفي فك الاحتمالات ومعايشة التناقضات من خلال مفردات جبلها بطينه الخاص وباحتراف البصيرة كما في قصائده /حب إنسان ما/ محيط مطبخ/ والموت هو حركة من حركات الحياة/ متابعاً في أنشودته التي حملت عنوان /في العشق تحتاجين إلى الصبر/ حيث يقول.. في العشق تحتاجين إلى الصبر وإلى عدم الصبر أيضاً.. لضوء يفسح مجالاً للظلال.. شجرة الصنوبر القديمة الطويلة في الساحة الخلفية تعلم ذلك.. رأت من النافذة تلك المنشآت الحديدية والأسوار والإعلانات المصورة العصرية.. قد أوقفت طيران الحب المنجذب للفراغ.
وتمكن روندوني الذي يشغل منصب مدير مركز الشعر الحديث في جامعة بولونيا من لفت انتباه الجمهور عبر ترنيمات صوتية خاصة في إلقائه لقصيدة /لا أريد أن أشيخ/ قائلاً.. لأنني كنت شيخاً لآلاف المرات أعرف مسبقاً تلك العاصفة الحالكة السواد.. والآن بما أنني أبكي كما رأيت.. أبي يبكي.. ليتابع بعدها قوله: الموسيقا تمتلك لغة إيقاعية خاصة هي تقريباً لا تفعل شيئاً إلا أن تقدم نفسها كما يجب بينما يمتلك الشعر ماهية أخرى للإيقاع فموسيقا الكلمات تختبئء في مفردات الجملة الشعرية إنها القصيدة منبع الموسيقا وأمها.
كما تمكنت المغنية باسيني من تحقيق مناخ موسيقي لقصائد الشاعر روندوني محلقة بتنويعات صوتية اقتربت من أسلوب الأكابيلا /الصوت العاري/ دامجة بين موسيقا الجاز والبلوز والفانك البرتغالية ملبية بذلك عدة عناصر جمالية ساهمت في استقبال القراءات الشعرية بالتحالف مع رشاقة أصابع عازف البيانو /موركونه/ ناقلة إلى الحضور مجموعة متنوعة من أغنياتها الدافقة بثقافة شعوب البحر المتوسط ورغبتها في السلام وعشقها اللانهائي للحياة.