بوتين يتبسم منتصراً في سورية.. والأسد يبتسم قريباً :بقلم كفاح نصر
قبل شهور كتبت إن حرب الغاز هي جوهر الربيع العربي، وسبب العدوان على لبنان، ولاحقاً العدوان على سورية، وما كتبته قبل أربعة شهور تبناه الآن معظم المحلّلين،
وبعضهم كان اعتبره مبالغة وقتها، وحين زال غبار المعركة تبيّن تماماً أن ما حدث كان حرب الغاز، وفي بداية المقالات كتبت عن مخاطر تزايد طلب الغاز على الاقتصاد الأمريكي، والعملة الأمريكية، ولاحقاً كتبت عن خطر تأمين بديل للغاز الروسي على روسيا، هي حرب وجود بين روسيا وواشنطن، أشعلت حرب باردة منذ العام 2001 وحتى يومنا هذا، وانتصار سورية يعني انتصار روسيا، وتفتيت سورية ولبنان يعني انتصار واشنطن وانكفاء روسيا تماماً.
كتبت في المقال السابق تصادم الأساطيل نهاية حرب باردة أم بداية حرب ساخنة، وصفاً لما عاشه العالم من رعب في أواخر العام 2011 وإن كان الحراك العسكري خارج أحاديث الشارع، وأكرّر الرأي الشخصي أن واشنطن ليست بصدد شنّ حرب، وقد تمدّد الحرب الباردة، ليبدأ الصراع في وسط آسيا، وبنفس المقال كتبت عن مؤشرات تسوية، فما هي مؤشرات التسوية، وهل الحرب الباردة بصدد وضع أوزاها؟.
معالم التسوية..
خلال الشهور الماضية كانت ملامح التسوية تتسرّب، واليوم بالذات أصبحت أكثر وضوحاً ويمكن الكتابة عنها، فمنذ نهاية شهر أيار، حين تمّ تأجيل خط نابوكو إلى العام 2017 كان من الواضح أن عملية إسقاط سورية أو النظام، أصبحت من الأحلام الوردية، وبدأت في الكواليس مفاوضات على مستوى العالم، وبدأت تظهر معالم التسوية، فالإتحاد الأوروبي منح الغاز الروسي استثناءً من قانون سنّه الأوروبيون أصلاً للتضييق على الغاز الروسي، ورغم ظهور أنباء تفتيش مقرات "غاز بروم" في أوروبا من جهة ثانية كانت شركة فرنسية توقع على اتفاق خط أنابيب السيل الجنوبي، وفي مطلع شهر كانون الأول بدأت تتسارع الأحداث، وقد وصلت إلى تصادم للأساطيل وقرع لطبول الحرب، فجأة بدأ التوتر يهدأ وبدأت تتسرّب معالم التسوية للعلن.
الغاز الروسي في تركيا
لم يخفِ الإعلام نبأ الأزمة بين روسيا وتركيا بشأن تصدير الغاز، فالروسي قرّر عدم بيع الغاز لتركيا دون أن تلتزم بعدم إعادة بيعه، وتركيا رفضت الشروط الروسية، وكتبت سابقاً أن أمام تركيا شهر واحد للتفاوض، وخلال هذا الشهر تمّ توقيع عقد تركي أذري بستة مليارات متر مكعب لتركيا وعشر مليارات متر مكعب لأوروبا، ومن ثم تمّ توقيع الاتفاق الروسي التركي وتمّ الإعلان عن الخبر بتاريخ 27122011 أي قبل انتهاء عقد الغاز التركي بأربعة أيام، وافق الروس على إعادة تزويد تركيا بالغاز بعقد يزيد عن عشر سنوات، ولم أعلّق على الخبر لأني كنت أنتظر تفاصيله، فروسيا كانت تتفاوض مع تركيا، ومن الصعب تجديد عقد الغاز مجاناً، وبعد يوم واحد بدأت تظهر معالم ما حدث، حين استلم بوتين من وزير الطاقة التركي وثيقة تتيح لروسيا مدّ السيل الجنوبي في منطقتها البحرية الاقتصادية، وقال أليكسي ميلر مدير "غاز بروم" إن السيل الجنوبي سيبدأ بالعمل في العام 2015 أي قبل نابوكو المدعوم أمريكياً بسنتين، علماً بأن نابوكو لتاريخ اليوم بلا مصادر للغاز.
وفي معالم التسوية ازدياد الحديث عن خط غاز (أي تي جي أي) الذي يمكنه نقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز وصولاً لليونان، وليس 31 مليار متر مكعب، هي المليارات العشر التي ستوردها أذربيجان لتركيا إلى الإتحاد الأوروبي، ولكن هل ستعرقل موسكو هذا الخط أم أن هناك صفقة كبرى ومن الواضح أن هناك صفقة، حوّلت روسيا إلى بلد منتصر.
في تداعيات ما حصل..؟
ربما يكفي ابتسامة بوتين حين أعلن عن سماح تركيا بمد خط غاز السيل الجنوبي، وبدعم أوروبي، لإعلان انتصار روسيا، ولكن حين يقول أليكسي ميللر مدير "غاز بروم" إن السيل الجنوبي مرتبط بأوكرانيا، وكلّنا يعلم أن السيل الجنوبي يدمّر الاقتصاد الأوكراني، فشبكة الأنابيب الأوكرانية من أكبر شبكات الغاز في العالم، يمرّ منها ما يزيد عن 55 مليار متر مكعب من الغاز، وبالتالي أصبحت أوكرانيا تحصيل حاصل تحت النفوذ الروسي، وعلى الإتحاد الأوروبي أن يقدم دعماً للروسي للاستحواذ على إمدادات الغاز من أوكرانيا، أو أن يتشارك مع الروسي في الكثير من الساحات التي ستتأثر بالسيل الجنوبي.
ولن يقف الأمر هنا فمن الحدود الروسية تخرج الآن ثلاثة خطوط إمداد للغاز، السيل الشمالي والخطوط عبر روسيا البيضاء والخطوط عبر أوكرانيا، وفي العام 2015 سيكون السيل الجنوبي، وبالتالي في المستقبل لا يمكن لخط نابوكو أن ينافس الغاز الروسي، لأن روسيا لن توقف مد الغاز إذا خفّ الطلب عليه من البحر بل من البر، وبخطوط البحر أصبحت خطوط إمداد دائمة وآمنة لا تتوقف بأي شكل، وبالتالي منافسة الخطوط البرية سيترك تداعيات سترعب الأوروبيين، ومن جهة ثانية نجح بوتين في البدء بتقليل اعتماد الاقتصاد الروسي على الخامات ويملك الوقت للمتابعة، ويمكن القول إن مشاريع استهداف روسيا قد سقطت أو بحكم الساقطة، ولهذا ستنتقل من الدفاع للهجوم، وتبرز كقطب عالمي لا يمكن تجاوزه، وأن ورقة الغاز تكاد تسقط لتبقى ورقة الدرع الصاروخي، وإن كان تغيّر مسار السيل الجنوبي يترك فرصاً صغيرة، ولكن تبقى مهملة بحيث سيكون العنوان الأكبر هو الدرع الصاروخي.
في حيثيات ما حصل..؟
استنفرت القوات الأمريكية وتحرّكت بعض قطعها ومعها القوات الإسرائيلية، فكانت وكأنها بصدد توجيه ضربة لإيران وضربة لسورية، ولكن حدث استنفار للقوات الروسية في أرمينيا وأوسيتيا الجنوبية وجنوب القوقاز والبحر الأسود وبحر قزوين، وتوجّهت الأساطيل الروسية إلى البحر الأبيض المتوسط، والرئيس الصيني بصوت عالٍ طلب من القوات البحرية الاستعداد للحرب، فقرّرت الصين الدفاع عن إيران، وقرّرت روسيا الدفاع عن سورية، ورغم أن التوتر قائم والأساطيل لازالت في البحار، لكن من الواضح أن الأوروبيين يدخلون بالتسوية، وإن كان ساركوزي (الذي سيرحل قريباً) وخلفه لندن وواشنطن ليسوا راضين عمّا يحصل، والمشكلة الوحيدة التي ترعبهم هي خط الغاز الإيراني، فهو حسب القوانين الأوروبية يزيد من مصادر الطاقة ويقلّل من مخاطر الاحتكار ولكنه جيوسياسياً يعزل إسرائيل، بل ويجر مصر إلى الحضن السوري الإيراني، وبالتالي ربما تتوسّع الحرب الباردة، ولكن الملف الأكثر سخونة هو مع سورية الآن هو العملية السلمية، وليس غاز المتوسط، وإن كان غاز المتوسط سيبقى محل صراع، ولكن ما شُنّت الحرب لأجله سقط أو بحكم الساقط، وعسى أن يفهم بعض الأعراب ما حدث!!.
في النتائج..!
إن عدم سقوط سورية، وانتصار روسيا في سورية، سيلزم تركيا لاحقاً بالتصادم مع إسرائيل، والتصعيد ضد تركيا هو مؤشر أن تركيا بشكل أو بآخر على طريق الاحتواء، وخصوصاً مع توسع نواة الإتحاد الآوراسي، بحيث أصبح هناك تغير في المصالح السياسية بالمنطقة، وربما الرئيس الأسد الآن ليس بحاجة إلى أردوغان كوسيط لعملية المفاوضات، ولكن إذا أراد أردوغان أخذ العبر من نتائج ما حدث، فهو بحاجة للرئيس الأسد لإنهاء الاشتباك التركي الأرميني، ويدرك أردوغان تماماً أن الأسد سيبتسم قريباً، ويدرك تماماً أن الحرب الباردة لن تغيّر في الموازيين، بل عليه الاختيار ما بين الإتحاد الأوروبي والإتحاد الآوراسي، ما بين العزلة على أمل الانضمام للاتحاد الأوروبي، أو الاندماج بالمنطقة ليصبح بوابة الإتحاد الأوروبي.
نعم.. تفجيرات نيجيريا رسالة أمريكية للروس، والحراك الذي حدث في كازاخستان كان رسالة بريطانية، والضغط الفرنسي على تركيا هو رسالة، ولكن مع استعداد العالم للدخول في كساد جديد، هل سيفهم الغرب أن عامل الزمن أصبح لصالح روسيا والصين وحلفائهم، ربما ولكن من المؤكد أن ما تمّت تسويته حتى الآن حدث بعملية تركيع روسي للغرب، وليس كرم أخلاق غربي، وبأن السنوات القادمة ستشهد تغيرات جيوسياسية كبرى، وقد توصل إلى نهاية الحرب الباردة.