أميركا تضغط… بعدما أرعبتها الحقائق السورية : بقلم امين حطيط
قبل أن ينقضي ثلث المدة التي انتدب المراقبون العرب للعمل خلالها في سورية، بمقتضى البروتوكول الموقّع بين الجامعة العربية وحكومة الجمهورية العربية السورية،
سارعت أميركا وحتى قبل أن يرفع رئيس المراقبين تقريره الأولي إلى اللجنة الوزارية العربية، التي انتدبتها الجامعة لمتابعة الوضع السوري، سارعت أميركا لإصدار حكم على سورية، تتهمها فيه بأنها "لم تف بكل التزاماتها وبأن المراقبين العرب لم يستطيعوا القيام بما كلفوا به، وبأن الوضع بات ملحاً لإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، لمتابعته دولياً".
قد يكون الموقف الأميركي مفاجئاً للذين لا يعرفون أهداف أميركا ومطالبها في سورية، وقد يفاجأ الذين ينكرون وجود مؤامرة تستهدف سورية وموقعها، ولكنه لن يفاجئ من أدرك بعمق وموضوعية الدور الأميركي ضد سورية.
ومع هذا، تساءل البعض عن سبب قيام أميركا باستباق تقرير المراقبين وهو لم يصدر، كما أنها لم تمهل اللجنة الوزارية العربية وهي لم تنعقد بعد لتصدر تقييماً لما استثبته المراقبون، ويحتمل أن يظهر في تقريرهم – إن كان موضوعياً – علماً بأن اللجنة برئاسة قطري "التزم أمام أميركا" بأن ينفذ كل ما تطلب، ويعمل بمشيئتها وفق ما تريد، من أجل نقل سورية من موقعها في معسكر المقاومة الحالي إلى معسكر العمالة للغرب، والارتهان للصهيونية، بعد أن يؤدي فيها الإرهاب دوره قتلاً للسوريين، وتدميراً للبنى التحتية التي دفع الشعب السوري من عرقه وسهره ثمناً لبنائها.
أسئلة تطرح حول أهداف أميركا وخلفية موقفها الذي عبّرت عنه خارجيتها أولاً، ثم تبعها البيت الأبيض، وحاكاه ساركوزي المترنح في بلاده، إلى الحد الذي باتت خسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هي الأكثر ترجيحاً، كما تشير الاستطلاعات.
في مقاربتنا للإجابة نرى أن أميركا التي نصبت فخاً لسورية، من خلال بعثة المراقبين، قصدت في البدء إحراج سورية، ودفعها إلى عدم التوقيع على البروتوكول وإظهارها بمظهر الخائف من "الحقيقة" التي سيكشفها المراقبون، فيما لو وصلوا، أما إذا تملّصت سورية من الفخ الأول، فإنها حتماً ستقع في الفخ الثاني عبر ما كانت تتوقع أميركا أو أنها بالفعل خططت لمهمة المراقبين، من حيث أن يتقن هؤلاء الدور بما تريده أميركا على غرار لجنة التفتيش عن سلاح الدمار الشامل التي استطلعت في العراق الميدان وفتحت الطريق لغزوه واحتلاله، من قبل أميركا.
كانت تتوخى أميركا من إرسال المراقبين تلفيق الاتهامات للنظام السوري، إلى حدّ وصفه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما سبق وأن زوّرت ولفقت هيئات دولية أخرى تعمل بإمرتها تحت تسمية "حقوق الإنسان" أو "العفو الدولية" وهي جماعات كتبت تقاريرها عبر البحار، استناداً إلى تلفيق فضائيات القتل والتحريض على الفوضى.
كانت أميركا تتمنى أن يستفيد السوريون من فرصة وجود المراقبين، وينزلوا بالملايين إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام، كما حصل في مصر، أو أن "يرتعب النظام" من وجود المراقبين، فيمتنع عن المتابعة الأمنية ومعالجة الإرهاب الذي يمارسه من شجعتهم أميركا على حمل السلاح ورفض الانصياع لأوامر السلطة التي تسعى لحفظ الأمن والنظام، وعند ذلك ينطلق الإرهاب المسلح الذي تديره أميركا ودول إقليمية وأوروبية، تعمل بإمرتها، فيسقط المدينة تلو المدينة، والمنطقة تلو المنطقة وتنتهي القضية بسقوط النظام ميدانياً.
لكن الواقع صدم أميركا ومخططاتها، وقدم الصورة المغايرة. فسورية تمسكت بسيادتها وعدلت البروتوكول بما يحفظ هذه السيادة، ويضع الضوابط لعمل المراقبين، بحيث إنهم يجدون أنفسهم في وضع من اثنين: قول الحقيقة أو السقوط أمام نورها الذي تسجله عدسات الإعلام المرافق لكل مجموعاتهم أثناء عملها الميداني (وبعد أن كان وجود الإعلام مطلباً عربياً وغربياً ملحاً، انقلب لدى البعض عبئاً ثقيلاً، إلى الحد الذي ذهب فيه إلى تهديد بعض القنوات التلفزيونية، إذا تابعت تغطية العمل).
أما الفخ الثاني، فيبدو أن من نصبه وقع فيه، حيث إن المراقبين أقرّوا بالتعاون المطلق معهم من قبل السلطة، وتمكينهم من زيارة أي مكان يشاؤون وأنهم بعد جولاتهم ومعايناتهم للميدان، أكدوا وجود مسلحين يمارسون الإجرام، وأن الدولة تقوم بواجبها لحماية المدنيين المستهدفين بنار الإرهابيين هؤلاء، كما لمس المراقبون أن التظاهرات التي يحسب لها حساب كماً ونوعاً ومكاناً وزماناً، هي تظاهرات مؤيدة للرئيس الأسد في حركته الإصلاحية، وترفض التدخل الأجنبي في الشؤون السورية، والأخطر في الأمر أن المراقبين سمعوا الكثير عن فظائع الإرهابيين، من قتل وتدمير وتهجير واغتصاب نساء، وتقطيع أجساد ورميها أشلاء. لقد انقلبت الصورة كما استثبتها المراقبون، فجنّ جنون أميركا وعملائها من مجالس مصطنعة، وأنظمة مرتهنة، وهنا صح القول "وبهت الذي كفر".
من أجل ذلك، وبعد أقل من عشرة أيام على بدء مهمة المراقبين، خشيت أميركا أن تظهر الحقيقة في تقرير هؤلاء، وتحرج "لجنة حمد" ويسقط المخطط التآمري ضد سورية عبر الجامعة العربية، فاستبقت كل ذلك بموقف غير مبرر، ولا يستند إلى قاعدة واقعية أو حقيقة موضوعية، ونحت باللائمة على سورية قبل أن تصدر شهادة تبرئتها من المراقبين العرب وتالياً من الجامعة العربية، لقد استبقت أميركا الأمر هذا، من أجل تحقيق الأهداف التالية:
1) الضغط على المراقبين العرب لمنعهم من قول الحقيقة، فإذا كان تلفيق الوقائع غير ممكن بسبب الآلية التي فرضتها سورية لدى توقيع البرتوكول، فعلى الأقل يمنع المراقبون من نقل الواقع بأمانة، لأن في ذلك خدمة لسورية، ودفعهم لإغفال الأمر، وعدم تقديم شهادات حسن سلوك للنظام السوري تعطل خطط التآمر.
2) الضغط على اللجنة الوزارية العربية، وتحديداً على بعض أعضائها – لأن رئاستها ليست بحاجة إلى ضغط وهي تندفع عاملة ضد سورية اندفاع العدو الحاقد ضد عدوه – ضغط من أجل الإحجام عن تبني تقرير المراقبين، إذا جاء لمصلحة النظام السوري، أو على الأقل إهماله وعدم التعاطي الإيجابي معه لجهة عرضه على مجلس وزراء الخارجية العرب ذي الصلاحية بمراجعة مواقفه ضد سورية خاصة تعليق عضويتها، والعقوبات التي فُرضت عبر الجامعة على الشعب السوري.
3) الضغط على الجامعة العربية من أجل الامتناع عن الأخذ بتقرير الخبراء، إن كان موضوعياً، لأن الأخذ به سيستتبع التراجع عن الموقف العدائي الذي اتخذته حتى الآن ضد سورية، من تجميد وعقوبات، أو دفعها إلى سحب المراقبين بعدما تبيّن من حقيقة، عرفت خلالها سورية كيف ترد الكيد إلى نحر أصحابه، وتجعل مهمة المراقبين لها خلافاً لما شاءته أميركا بجعلها سيفاً على الرقبة السورية بالتلفيق والتزوير.
4) توجيه رسالة إلى المعارضات السورية المتنافرة المتناحرة، مؤداها القول بأنها غير متروكة، وبأن أميركا لن تقبل بمنح شهادة حسن سلوك عربية للنظام السوري، تمكنه من الاندفاع أكثر باتجاه معالجة الأمن والإرهاب على يد بعض تلك المعارضات في بؤر دخلها المسلحون، لأنه كما بات واضحاً، لم يبقَ من "الثورة المزعومة" سوى أعمال القتل والإرهاب، التي تمارس ضد السوريين.
هذا ما شاءته أميركا من موقفها اللاموضوعي تجاه مهمة المراقبين العرب، فهل ستحقّق هذه الأهداف؟..
موضوعياً لا نستبعد احتمال سقوط هذا أو ذاك ممن وجهت إليهم الرسائل فيستجيبون للأوامر الأميركية، ولكن الذي نراه يقيناً أيضاً، بأن من سينصاع لأميركا سِيسقط وحده، ولن تسقط سورية معه، خاصة وأن المعادلات الدولية والإقليمية والسورية الداخلية، حسمت مسائل كبرى في هذا المجال، لجهة إقفال الباب أمام التدخل الخارجي عسكرياً، أو إسقاط سورية بالعقوبات الاقتصادية، أو إسقاط الشعب السوري بالحرب النفسية.