فرانك أولسن … أمريكا تغتال علماءها
الايدز .. فيروس ايبولا … الجمرة الخبيثة … انفلونزا الخنازير … انفلونزا الطيور .. جنون البقر …. و غيرها قائمة طويلة من الجراثيم الفاتكة القاتلة المكتسحة لأعداد هائلة من البشر مسبّبة المعاناة الأسوأ لعدد أكبر
هي أهمّ مشاركة للولايات المتحدة الأمريكية في تطوير الحضارة الإنسانية .
قرأنا في كتب التاريخ عن قصة سنمار الذي ضرب به المثل في سوء المصير و الجزاء فيقال: " جُزِيَ جزاء سنمار " و سنمار هذا مهندس بنى لملكه بناء لا يقارب روعته و جماله و دقّة صنعه أيّ بناء في الدنيا , فاصطحبه الملك إلى أعلى نقطة مشرفة من ذلك البناء ثمّ ألقاه من حالق ليلقى حتفه , حتى لا يبني لأحد ما يماثله .
تذكرت حكاية سنمار و أنا أتابع فيلماً وثائقيّاً عن مصرع العالم الأمريكي " فرانك أولسن 1910-1953" و كيف تمّ اكتشاف سبب اغتياله في ظروف غامضة , و إليكم الحكاية من أولها :
كان فرانك أولسن واحداً من العلماء المتخصصين في البحث في العلوم البيولوجية , و تطبيقاتها العلمية , و بعد اكتشافات تتعلق بالأسلحة البيولوجية ( كالجمرة الخبيثة ) بدأ فرانك يشعر بتأنيب الضمير لأنه علم أنّ حكومته الأمريكية تستخدم هذه الأسلحة البيولوجية ضدّ الشعوب الفقيرة البائسة لاختبار فعاليتها على البشر ,و أنّها تطوّرها لاستخدامها في حروبها ضدّ الآخرين , و بعد صراع نفسيّ طويل قرّر فرانك أن يستقيل من عمله , لكنّ مديره لم يقبل استقالته و طلب منه أخذ قسط من الراحة و مراجعة طبيب استشاريّ لمعالجة حالة الكآبة التي وصل إليها , و نصحه بمراجعة طبيب مشهور في نيويورك , و أرسل بصحبته أحد أصدقائه في العمل , و لكن بعد أيام من وجوده في نيويورك عثر على فرانك أمام الفندق يسبح في بركة من دمه بعد أن انتحر بالقفز من الطابق العاشر .
وصل خبر الانتحار إلى عائلته مع تقديم العزاء , و كبر الأبناء الثلاثة على ذكرى أبيهم الذي يؤلمهم منها أنه انتحر تاركاً أسرته التي كان يحبها كثيراً , و الذي يتذكرون منه كل محبة و رعاية على أفضل ما يكون الآباء .
بعد عشرين عاماً قرأ "ايريك أولسن" – الابن الأكبر لفرانك أولسن – مقالة عن إخضاع وكالة الاستخبارات المركزية علماءها إلى اختبار بعقار "lsd" و هو عقار يجعلهم يبوحون بما يجول في عقولهم من أفكار بكل بساطة في جلسات خاصة يضاف فيها العقار إلى الشراب , و يرجح كاتب المقال أنّ هذا العقار قد يكون السبب وراء حالة الكآبة التي دفعت بأحد العلماء إلى الانتحار عام "1953" .
هنا بدأت رحلة ايريك في البحث عن السبب الحقيقي لانتحار أبيه , فبحث عن الأشخاص الذين ورد ذكرهم تحقيقات حادث الانتحار , و تواردت التحقيقات التي أوصلته إلى يقين بأنّ أباه لم ينتحر و إنّما نُحِر و صمّم على متابعة التحقيقات لمعرفة قاتله , عند وصول التحقيقات إلى هذه المرحلة تمّ استدعاء عائلة أولسن من قبل الحكومة الأمريكيّة و عرضت عليهم صفقة (750) ألف دولار مقابل إغلاق ملف القضية .
قرّر ايريك الاستعانة بعلماء متخصصين في التحقيقات الجنائية الطبية , و عمل على استخراج جثة أبيه بعد واحد و أربعين عاماً على وفاته , ليتبيّن بعد الفحص أنّ الجثة قتل صاحبها و لم ينتحر كما أعلن سابقاً , و إنّما جهزّت الحالة لتبدو كأنها انتحار .
بعد رفع السريّة عن بعض ملفات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 2002 استطاع ايريك أن يحصل على ملف يبيّن طرق تنفيذ الاغتيالات من قبل الوكالة , ليجد مطابقة إحدى الطرق المذكورة في الملفّ لحادثة اغتيال والده وفق التقارير العلمية التي توصّل إليها المختصّون الذين قاموا بتشريح الجثة .
و قبل أن يرفع إيريك دعوى مقاضاة وكالة الاستخبارات توفي عدد من مسؤولي الوكالة و المدير السابق لفرانك أولسن في ظروف غامضة , و بقي ملف اغتيال فرانك أولسن معلّقاً حتى يومنا .
دولة تقتل النخبة من أبنائها العاملين على منفعة البشرية هل ينتظر عاقل منها إلا الغدر و الخيانة و الضرر لكل البشر في سبيل تحقيق مصالحها؟.
الحكومة التي تطوّر الجراثيم البيولوجية لتنشر الفساد و الأوبئة في الأرض و تجرّبها على البشر لتتسلّح بها لمواجهة خصومها , هل ينتظر منها إلا الشرّ و الخراب و الدمار أينما حلّت ؟
نأمل ممن يدعم استمرار هذه الحكومات و يتحالف معها أن يعلم أن لا صديق لها إلا مصالحها , و من يضحّي بابنه لن يكترث لأحدٍ غيره أبداً .