دمشق القادمة من الأساطير بقلم عبد الرحمن بسوت
لم تحظ مدينة بالظهور في كتابات المبدعين ولوحاتهم وأفلامهم مثلما حظيت دمشق فحين نقول دمشق “” فأننا نختزل في مفردة واحدة تاريخاً مديداً من الانتصارات والخيبات وتظهر لنا
أطياف الماضي بشخصياته وأحلامه وألغازه وتباشير الصباح الذي لايعرف أحد حتى أشرق لأول مرة على هذه المدينة التي تحفها وتؤطرها من تراب الخرافات وماء الأساطير والمنحوتة ..من صخور قاسيون وخرير بردى وخضرة الغوطة ..خلف شرفات المدينة تسكن الأحلام ولدى كل زاوية وزقاق تختبئ ضروب العشق هكذا فعلت دمشق مع كثيرين أو هكذا أراد العاشق الذي يقول لمدينته : قتيلك فترد دمشق : أيهم فهم كثر : أحمد شوقي , الجواهري , نزار قباني , ناديا خوست , خيري الذهبي ,,فدمشق أبعد من تخوم الذاكرة وأرحب من مساحة الحلم …وأشهر من الغياب وخلف مشاهدها المملة والبائسة تختفي مدينة خائفة وودودة ..ومتسامحة أخطاؤها قليلة ..وخطاياها أقل : يقول فواز حداد ويضيف صاحب (الضغينة والهوى ) منتقداً التطرف في حب دمشق وكرهها فقد (أصحاب دمشق أسوة بغيرها من المدن الشهيرة في تاريخ الكثير من التبجيل المريع على أيدي كتاب أدمنوا حبها فأسبغوا عليها أوصافا فيها من الشعر المدائحي مايفوق التغزل بالنساء ) ويتابع حداد مدافعاً " ربما لو انتهج كلاهما مواقف أقل إثارة لنجوا من رعونة تلازم عادة المتطرفين غير النجباء ولوجدوا التفاني في حبها مثل الوقاحة في ذمها كلاهما من الأمراض الشائعة في البشر لافي المدن لان المدن تستعصي على الجمال النقي والقبح الخالص ومثلما هي قابلة للمدح معرضة للذم لكن شوقي عارض مايقوله حداد حين قال :
"أمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان
دمشق المدينة الملونة بألف لون ولون تتغير بمرور الزمن وتقدم نفسها ككرنفال"مستمر" خاضع لسطوة الأيام وهاهو خيري الذهبي يصوغ مرتين في حنين : حين وصل المصريون إالى دمشق سنة 1958م مع أول تباشير الوحدة ,أذهلتهم هذه المدينة الغاطسة في الخضرة , شوارع لاتبدو شوارع بقدر ماتبدو دروباً للشجر وبيوت لاتبدو بيوتاً بقدر ماتبدو منتزهات فقالوا مبتهجين " ربما كان يجب أن تكون المدن على هذه الشاكلة "
دمشق ستبقى المدينة التي تعني الحضارة والتاريخ العريقين فهي أقدم مدينة مأهولة في التاريخ كما تقول (واحة الراهب ) التي تذكر الحضارات الغابرة التي مرت على هذه المدينة والتي حملت في كل حضارة رمزاً وإشارة تتبدى في بيوتها وقلاها وأسواقها وهندستها المعمارية وقبابها ومآذنها
وما يسحر (واحة الراهب ) في دمشق المعاصرة هو رائحة الياسمين وزهر الليمون والنارنج المنبعثة من بيوت دمشق التي تعانق بعضها بعضاً وتتراقص معأ على خرير مياه البحرة التي تتوسط الدار لتكون أشبه بفردوس صغير يهب البهجة والفرح والصفاء
كم من المحاربين والرحالة والفضوليين والسكارى والهاربين والحالمين ..والعشاق والمجانين سكنوا أرضها ومروا فيها فلم تبخل عليهم دمشق بما يبهج الأبصار ليترك أولئك خلف كل جدار أحجية وعلى ناحية طريق ذكرى وعند كل منعطف قصيدة في عشق الأرض والمكان وهاهي دمشق ومع كل صباح جديد تمنح أوراقها للعابرين كي يدونوا عليها خيباتهم وضحكاتهم وهفواتهم وأمالهم وكأن دمشق دأئما أشبه "بمعرض لسائح يعشق الصور "