أبو شنار.. مسرحية عن مأساة الفلسطيني وأحلامه
تروي مسرحية أبو شنار التي افتتحت عروضها أمس الأول على خشبة مسرح القباني بدمشق حكاية رجل فلسطيني
عجوز يقوم عبر عرض الممثل الوحيد على الخشبة بفضح ممارسات من تاجر بالقضية الفلسطينية عبر تخييل ذاتي اعتمد فيه الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية على مخاطبة مجموعة من الشخصيات الغائبة في محاولة سرد مأساة شعب بأكمله فقد وطنه بين وعود الأمم المتحدة بالعودة للاجئين وبين تخاذل المتخاذلين في الدفاع عن حق العودة.
واعتمد الفنان قدسية في مسرحيته التي كتبها وأخرجها على تنويعات أداء مسرحي عالي المستوى مجسداً أصوات شخصيات عديدة متنقلاً عبرها إلى تفاصيل الجرح الفلسطيني وما تبعه من نضال مرير ضد المحتل الإسرائيلي وذلك عبر باقة متنوعة من الإكسسوارات الصغيرة لرجل يجلس على فراشه في عراء الخشبة ووفق تمويهات دقيقة للضوء.
ويتابع الفنان قدسية في هذا العرض مشروعه الذي بدأه بداية ثمانينيات القرن الفائت بالاشتغال على مسرح المونودراما حيث قدم في هذا النوع الفني تجارب مازالت راسخة في مخيلة عشاق المسرح السوري كان أهمها عروض القيامة حال الدنيا الزبال غوايات البهاء الكأس الأخيرة لسقراط تميز من خلالها قدسية في ترسيخ عروض المونودراما كمسرح للمقاومة والصراخ والاحتجاج على ضياع الحقوق الفلسطينية.
ويوصف قدسية تجربته مع مسرح المونودراما بأنها أتت من السؤال الضبابي لديه الذي يتعلق بالغوص في طبيعة الإنسان حيث تبدد هذا الضباب مع بداية الثمانينيات عبر بحث تمكن فيه رجل المسرح من صنع عرض يحقق فيه موقفه الفكري والجمالي منفرداً كما لو كان شاعراً أو فناناً تشكيلياً ففن الممثل الواحد يكون عندما تعجز الجماعة عن القلق والإبداع فتنبجس فكرة الفرادة كنبتة واحدة على أرضية من الاحتجاج لتقول قلقها في محاولة تعويض عن عجز الكل في التعبير عن أنفسهم.
ويعيد قدسية في عرض أبو شنار ملامح شخصية أبو توفيق التي قدمها في مسرحيته الطيراوي عبر اشتغاله على نصوص للأديب الراحل غسان كنفاني عن رجل فلسطيني صاحب ذاكرة حضارية لا تموت في مواجهة شرطي بلا ذاكرة حيث نجح قدسية بأن يحول عروضه ذات الممثل الواحد إلى مونولوج لحكواتي يسرد حكاية كل الفلسطينيين وذلك عبر دمج لافت بين الذاكرة الشعبية الجمعية لشعب هجر من أرضه من جهة وبين لغة سهلة وقريبة اعتمدت المزج بين الحلم والواقع لتوعية المتآمرين على القضية الفلسطينية من جهة أخرى.
ويعتبر قدسية من أوائل الفنانين العرب الذين نظروا لهذا الفن المسرحي الصعب ولاسيما في غياب الحوار الجماعي عن عروض الممثل الواحد نحو تصعيد خاص لمونولوجات الشخصية المسرحية عبر توليفة تتعدد فيها أصوات الممثل لمناقشة الصراع الداخلي الذي يعيشه منفرداً على الخشبة مشتغلاً على وعي استثنائي لأدواته في جذب الجمهور ولفت نظره إلى قضايا غاية في الحساسية والدقة.
واستطاع عرض أبو شنار الإطلالة على قضية الشعب الفلسطيني المبعد عن أرضه من خلال حدوتة بسيطة زاوجت بين الذاتي والموضوعي مبرزاً فداحة ما يجري داخل الأراضي المحتلة من خلال انتقاد صريح لمن تقاعسوا في العمل من أجل الحقوق المغتصبة وفق نبرة متعددة في لهجاتها العاطفية وبعيداً عن المباشرة الفنية بل في سرد شفوي ساخر ومرير مما يحدث على أرض الواقع الفلسطيني من ممارسات وحشية للعدو الصهيوني في اغتصاب الأرض والتوسع في المستوطنات تحت أنظار العالم المتحضر وصمته المريب تجاه جدار الفصل العنصري وتهويد القدس.
يذكر أن عرض أبو شنار ديكور موسى هزيم إضاءة بسام حميدي موسيقى قصي قدسية مخرج مساعد كميل أبو صعب.