معرض تشكيلي للفنانة جمانة جبر في المتحف الوطني بدمشق
استطاعت الفنانة جمانة جبر المدرسة في المعهد العالي للفنون المسرحية من خلال لوحات معرضها /أبيض ملون/
الذي افتتح مساء أمس في المتحف الوطني بدمشق أن تقدم بمهارة فكرية وتقنية معرضا فنيا متكاملا معبرة بذلك عن مدى معايشتها للمجتمع من حيث الفكر والفن والإبداع خارجة بذلك عن المألوف.
وحاولت الفنانة جبر أن تعطينا من خلال عنصر الكرسي الحاضر في جميع اللوحات مجموعة أعمال فنية ذات دلالات اجتماعية وثقافية عايشتها وجعلتنا نعيشها معها من خلال ابتكارها الإبداعي حيث نظرت إلى الكرسي نظرة تختلف عن نظرتنا له فتارة هو عنصر للاتفاق والاختلاف وتارة أخرى هو فارس الأحلام إضافة إلى نظرتها له نظرة اجتماعية ووظيفية بحتة مثل كرسي المقهى وهو ما اعتبره بعض النقاد الحاضرين على انه توحد مع الموضوع ورؤية وبصيرة لا يدركها غير الفنان الملهم.
اللون الأبيض الذي ظهر موازيا لصورة الحياة كان بمثابة أرضية لوجود الكرسي الذي كثيرا ما تجاوز وظيفته كمقعد لتبث فيه الفنانة الروح فيصبح عنصرا إنسانيا ذا حركة ووجه وتفكير بحيث أن هذا الكرسي مثل الوجود الطبيعي ضمن محيط ابيض هو الحياة بشكل عام.
وأشارت الفنانة جبر في حديث لسانا إلى أنها استوحت عناصر لوحاتها من الذاكرة والموروث المحلي كالكرسي الدمشقى مستخدمة إياه برمزيته حيث تألفت مع عنصر الخشب وشكل الكرسي حتى صارت تحس بأنه إنسان فتحول إلى أنثى وذكر في لوحة اسمتها آدم وحواء وفي لوحة أخرى اعتبرته أشبه بالشخص الهرم أما تراكم الكراسي في إحدى اللوحات فهو مستوحى من المقاهي الدمشقية كالروضة والنوفرة.
وعن طريقتها في عمل اللوحة ثلاثية الأبعاد أوضحت جبر أنه بعد رسم الكرسي تأخذ جزءا من كرسي حقيقي تضيفه إلى اللوحة بطريقة مدروسة فيخلق هذا العنصر البارز مجموعة ظلال تتبعها الفنانة وتخلق منها التشكيل مبينة أنها وصلت لنتيجة أن تقدم اللوحة باللون الأبيض على أنه طريق منهجي وعلمي.
وقال الدكتور رياض عصمت وزير الثقافة إن تجربة الدكتورة جمانة جبر هي تجربة طليعية فيها صياغات جمالية جديدة وجرأة في الطرح التشكيلي لأنها تتمحور غالبا حول موضوع الكرسي الدمشقي القديم مضيفا أن الفنانة جبر تستخدم الكرسي كعنصر تشكيلي ضمن لوحاتها.
وقال إن هذا المعرض فيه الكثير من الغرابة وأشعر أنها تؤنسن الكرسي وتضفي عليه طابعا ربما هو الأنثى والذكر أو استلهام من شاعر معين أو شخصية معينة ما موضحا أنه يغلب على المعرض اللون الأبيض في كثير من الأحيان بينما تدخل ألوانا جريئة وحارة في أحيان أخرى على أجزاء من اللوحة وتستخدم الظل والمساحة الفارغة بكثير من الذكاء والتقشف.
أما الناقد سعد القاسم فرأى أن ما يميز هذا المعرض هو تركيز الفنانة جبر على عنصر واحد مألوف في حياتنا هو كرسي القش الذي استطاعت من خلاله أن تفتح احتمالات كثيرة في لوحاتها ومنحوتاتها مستخدمة الغرافيك الأبيض والأسود الذي أضاف جمالا على هذه اللوحات.
وأضاف القاسم: إن هذه الفكرة التي اشتغلت عليها الفنانة في لوحاتها فتحت خيالات المشاهد وليس الفنان فقط مبينا أن الكراسي التي أعادت تصنيعها الفنانة من جديد بإشكال وإيحاءات مختلفة أعطت جمالية وبعدا آخر للمعرض مشيرا إلى أن اللون الأبيض في الفن التشكيلي ولاسيما في الغرافيك هو لون أساسي ومحايد يعطي فرصة لمشاهدة الألوان الأخرى.
وتضمن كتيب التعريف بالمعرض تعليقا للدكتور احمد محي حمزة من كلية الفنون الجميلة في الأقصر في مصر بين فيه أن حركة الكرسي في اللوحات هي حركات ديناميكية غير مرتبة وغير منظمة تحكمها حركة إبداعية وليدة انفعال وفهم ووعي الفنانة غير الخاضعين للمنطق أو الحساب بل إلى عالم اللاشعور.
وأضاف إن هناك جرأة في توزيع اللون وحركة الفرشاة على رقعة اللوحة مع حركة بروز العديد من الكراسي وكأنها تسبح في فضاءات لونية تحكمها خيالات الفنانة إضافة إلى جرأة الزهد اللوني حيث تتحرك الكراسي في فضاءات بيضاء ما يجعل ظلالها جزءا أساسيا في اللوحة.
يذكر أن الفنانة الدكتورة جمانة جبر نالت الجائزة الثانية في معرض/المرأة في عيون الوطن/عام 2002 وهي خبيرة استشارية في الترميم لدى مديرية الآثار والمتاحف وساهمت في إعادة تأهيل مسرح تدمر وعملت في ترميم مكتب عنبر وبيت القوتلي .. كما صممت الديكور /سينوغرافيا/ لمسرحيات الأطفال وعملت دمى معدنية وقماشية في مسرح الحمراء بمناسبة يوم المسرح العالمي.