خمسة وثلاثون عاماً حضر فيها العندليب الأسمر رغم غيابه
يوم الأربعاء 30 آذار عام 1977 شهدت شوارع القاهرة ثاني أكبر جنازة في تاريخها بعد جنازة الرئيس السابق
جمال عبد الناصر وهي جنازة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ التي شارك فيها أكثر من مليونين ونصف المليون من عشاقه ووصلت الحالات الانفعالية خلال هذه الجنازة إلى انتحار عدد من الفتيات ما دعى إلى دراسة هذه الظاهرة التي شكلها العندليب كنموذج فني غاية في الرومانسية تربت أجيال على أغانيه.
بقي عبد الحليم لغزاً محيراً في تاريخ الفن العربي فهو الشاب الأسمر الفقير الذي استطاع دخول القاهرة من أوسع بواباتها الفنية منافساً عظماء الفن فيها الذين لم يعجبوا بداية بهذا الدخيل على وسطهم إلى أن فرض وجوده ثم أصبح معشوقاً للملايين بسرعة هائلة وخاصة من جمهور الفتيات بسبب الطاقة الرومانسية العالية التي تضخها أغنياته ما أثار جدلاً وتساؤلات كبيرة حول شخصيته وعدم الكشف الحقيقي عن علاقاته العاطفية ضمن الوسط الفني وخارجه حتى أن هذه الأسئلة بقيت مثارة بعد عشرات السنوات ونشهد ذلك بالاختلاف في القصص التي عرضتها الأفلام السينمائية والمسلسلات التي تطرقت لحياته وشخصيته.
ولد عبد الحليم علي شبانة في 21 حزيران 1929 في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل ومحمد وعلية توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم حليم عامه الأول توفي والده ثم لازم حليم مرض البلهارسيا حيث أجرى خلال حياته أكثر من خمسين عملية جراحية.
التحق حليم بمعهد الموسيقا العربية قسم التلحين عام 1943 حيث التقى الفنان كمال الطويل ودرسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948 ورشح نفسه للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه الغى سفره وعمل 4 سنوات مدرسا للموسيقا بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة ثم قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقة الاذاعة الموسيقية عازفا على آلة الابواه عام 1950.
تقابل مع صديقه مجدي العمروسي في 1951 في بيت مدير الإذاعة فهمي عمر الذي اكتشف العندليب الأسمر وسمح له باستخدام لقبه حافظ بدلا من شبانة وبدأت حياته الفنية بشكل واضح بغناء "صافيني مرة" كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجي في اب عام 1952 ورفضتها الجماهير من أول وهلة حيث كانت نموذجاً حداثياً صعب التلقي ثم قدم أغنية "على قد الشوق" كلمات محمد علي أحمد وحققت نجاحاً ساحقاً وبدأت مسيرة النجاح بعدها.
في إرثه الغنائي والفني أكثر من مئتين وثلاثين أغنية ما يزال جزء منها غير متاح تجاري حيث أن هناك بعض التسجيلات التي احتفظ بها أصدقاؤه ولم تتح تجارية لأنها لم تقدم في أفلام أو استوديوهات معروفة إضافة إلى أعماله السينمائية التي بلغت ستة عشر فيلماً سينمائياً ومسلسلاً واحداً هو "أرجوك لا تفهمني بسرعة".
قام صديقه مجدي العمروسي بجمع أغانيه في كتاب أطلق عليه "كراسة الحب والوطنية" والذي اعتبر فيما بعد ارشيفاً ذا مصداقية عالية لأغاني العندليب التي تنوعت بين العاطفي والوطني والديني وبعضها مصور وبعضها مسجل صوتيا فقط.
غنى عبد الحليم من كلمات أهم الشعراء العرب الذين عاصروه مثل نزار قباني وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وصلاح عبد الصبور ولحن له أعماله خيرة الموسيقيين العرب آنذاك أمثال محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ومحمد الموجي وغيرهم.
تميز حليم إلى جانب غنائه العاطفي بالأغاني الوطنية حيث كان مكثراً فيها إذ غنى لثورة 23 تموز مجموعة من الأغاني مثل العهد الجديد /إحنا الشعب/ وشارك في نشيد الوطن الأكبر بالإضافة إلى عشرات الأغنيات الأخرى.
وفي السينما عمل العندليب إلى جانب كبار المخرجين والممثلين في مصر والعالم العربي حيث شارك شادية وفاتن حمامة وفؤاد المهندس وميرفت أمين وعماد حمدي وناديا لطفي ويوسف شعبان وزبيدة ثروت وماجدة وزهرة العلا وغيرهم وكانت أفلامه تلقى رواجاً كبيراً وخاصة تلك التي تضم مجموعة من أجمل أغنياته مثل فيلم معبودة الجماهير وشارع الحب وغيرها.
ترك حليم أثراً لدى كل الفئات الاجتماعية والعمرية حيث قال الروائي المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ فيه.. صوت آثر مؤثر دافئ حالم رقيق قوي صادر عن ألحان متطورة.. أغنيات عبد الحليم مفتاح فتح له قلوب الجماهير أغنياته الثورية على كل لسان وقال فيه محمد عبد الوهاب "ستظل النغم الحلو الذي يشدو في أذن الملايين مدى الحياة".
خمسة وثلاثون عاماً على رحيل العندليب لم يخل يوم فيها من حضوره على الشاشات والإذاعات وفي المنازل بل حتى إن ذكرى وفاته باتت حدثاً تستعيد فيه معظم وسائل الإعلام تلك الشخصية ذات الأثر الكبير في الأجيال وفي التاريخ الفني العربي.