مأمون علواني يضمد لوحاته المتمزقة في صالة تجليات
تجاوز الفنان مأمون علواني في معرضه /11/ الذي افتتحه أمس في صالة تجليات بدمشق مفهوم اللوحة نحو تكوينات
تشكيلية تموضعت في الفراغ منوعاً على قطع اللوحة وموضوعاتها التي اعتمدت في توازناتها البصرية على تدرجات اللون الرمادي مبتعدة عن الألوان الحارة والباردة معاً للخلاص إلى صيغة فنية عالية في مخاطبة المتلقي ومحاورته دون اللجوء إلى أسلوب تقليدي في تقديم الموضوعات الجديدة.
واستطاع علواني تكريس فهم خاص عن دور الفن التشكيلي في محايثة الواقع ونقله إلى اللوحة لفنية معتمداً في ذلك على خبرته الطويلة في تقديم بنية لونية ذات دلالة خاصة استمدها من إحساسه الداخلي بالواجب نحو الجمهور واحترام الذائقة الشعبية دون الإسفاف بها أو التعالي عليها بل اقتراح محترف تشكيلي جديد بعيداً عن أخلاق السوق وما تمليه على الفنان من مقاييس تحد من إبداعه وقوة خلقه وابتكاره.
وقال الفنان علواني: تختلف تجربتي في هذا المعرض عما قدمته في التجارب السابقة حيث يتألف المعرض من 11 عملاً استقيت موضوعاتها من الأزمة التي مرت بها سورية عام 2011 ليأتي ذلك بعد الاكتشاف العظيم الذي أثبته علماء الفيزياء أن للكون أحد عشر بعداً.
وأضاف في حديث خاص لسانا: حاولت من خلال هذا المعرض نقل الإحساس من الفكر إلى للوحة التي ينعدم فيها اللون مثلما ينعدم فيها الواقع كدقة في التصوير الزيتي خالقاً بعداً ثالثاً لتشكل الإضاءة من أمام وخلف اللوحة وتشقق القماش تعبيراً عن التمزق الذي أعيشه إزاء ما يجري اليوم.
وعن عدم خوفه من الوقوع في المباشرة قال الفنان السوري: في النهاية يبقى العمل التشكيلي تعبيراً عن فكرة فالفن جاء بعد الفلسفة متولداً منها إلا أنه ليس عيباً أن نقدم أعمالاً فيها نوع من المباشرة للجمهور بل يمكن دائماً شرح الفكرة للمتلقي من خلال ما يقدمه الفنان الذي غالباً ما يكون أسرع في إبداع أعماله للتعبير عن الواقع المحيط به.
وأوضح علواني أن الحداثة في الفن السوري المعاصر متوقفة بسبب طفرة البيع التي شهدتها صالات العرض للوحة السورية ليكون مزاج أغلب الفنانين مرتبطاً ببورصة هذا البيع ومزاداته العلنية حيث توقف التفكير باللوحة عند أعمال فاتح المدرس وهذا لا يلغي أن هناك عباقرة في الرسم والتصوير لكن الفنان الباحث نادر الوجود اليوم وهذا النوع من الفنانين يعد على أصابع اليد الواحدة في سورية.
وبين الفنان أن معظم الأعمال الفنية الجديدة ترتكز على مدارس الرمزية والتعبيرية والتكعيبية والسريالية حيث استهلكت هذه القوالب الفنية منذ ما ينوف على مئة عام حتى مدرسة البوب آرت التي راجت في سبعينيات القرن الفائت بقيت على حالها منذ ذلك الزمان لافتاً إلى أنه لا يرى حلاً للخروج من هذا التنميط إلا من خلال الابتعاد عن رسم ما يفهم والدأب لصناعة نقاد حقيقيين لا مجرد بيع للكلمات وذلك وفق متطلبات صحافة فنية جادة.
وأوضح علواني أن تمزق اللوحة في هذا المعرض يرمز إلى تمزقه الداخلي معتبراً نفسه بمثابة الريشة واللوحة للوصول إلى ما يشبه وثيقة عن موقف الفن مما يحدث اليوم في عالم فقد صوابه يقول الفنان.. استخدمت في أعمالي بعضاً من الأدوات الطبية التي تستخدم في العمليات الجراحية كالضماد والخيوط الطبية لأعبر فيها عن جرحي الشخصي من هول العبث الذي يسود حياتنا.
وكشف علواني أن معرضه القادم سيكون عن الأبعاد الاحد عشر للكون أو ما سماه بالأوتار الفائقة مصنفاً عمل الفنان بأنه يشبه عمل الباحث الفيزيائي حيث يعيش الفنان التشكيلي في رحلة بحث دائمة من خلال خبرته ونظرته الخاصة حتى يصل إلى نقطة مختلفة عما رآه في الماضي منطلقاً إلى الأمام بعيداً عن أي تصنيف مهني فالفنان ليس تقنياً أو حرفياً إنه العارف الذي يدأب دوماً من أجل اكتشاف العالم من حوله.
يذكر أن الفنان علواني من مواليد حماة عام 1963 حاصل على شهادة بكالوريوس في الاتصالات البصرية من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1986 ودبلوم في التصوير الزيتي من كلية الفنون الجميلة بروما عام 1988 ونال عام 2011 درجة الماجستير في النقد الفني من كلية الفنون الجميلة بجامعة لاهاي الدولية في هولندا.