التسرب المدرسي.. مشكلة تتطلب تضافر جهود الأسرة والمجتمع لحلها
يعتبر التعليم الالزامي للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاما واجبا وطنيا وإنسانيا وذلك كما جاء في الخطة المركزية السنوية لوزارة التربية
التي أوضحت أن التلميذ المتسرب هو الذي سجل في المدرسة وواظب على الدوام فيها ثم تركها في سن مبكرة وحرم من حق التعليم و متابعة الدراسة.
وتسهم مجموعة من الأسباب في حدوث التسرب المدرسي منها ما هو اقتصادي إذ يلعب الفقر دورا رئيسيا فيها فحاجة الأسر الكبيرة إلى الكسب المادي تضطرها إلى زج أطفالها في سوق العمل في سن مبكرة حيث يعملون لساعات طويلة وباجر زهيد وفق ظروف صعبة تؤثر سلبا على نموهم وتكوينهم الجسدي والنفسي لاسيما في الأرياف التي ينتشر فيها العمل الموسمي كقطاف القطن أو الزيتون حيث تغلق بعض المدارس بسبب هجرة معظم ابناء القرية للعمل في محافظات أخرى.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى حدوث التسرب الوضع التربوي من حيث نقص الكادر التدريسي والتعليمي والاعتماد على معلمين غير مؤهلين ومدربين على المناهج الحديثة إضافة إلى تباعد المدارس الابتدائية عن الإعدادية وغيرها من الأسباب الاجتماعية كالزواج المبكر للفتيات والتخلف والطلاق بين الزوجين والمشاكل الاخرى.
وبين صالح عقيل رئيس شعبة التعليم الالزامي وشؤون التلاميذ في مديرية التربية بحلب أن عدد التلاميذ في مدارس التعليم الأساسي لهذا العام بلغ مليونا و 162 ألفا و 174 طالبا وطالبة بينما بلغ عدد المتسربين 24 ألفا و 465 تلميذا وتلميذة مشيرا إلى أن معظم حالات التسرب هم من طلاب الحلقة الثانية سابع وثامن وتاسع.
ولفت عقيل إلى سعي شعبة التعليم الالزامي للحد من ظاهرة التسرب ومعالجتها في مدارس التعليم الأساسي وذلك تطبيقا للقوانين الصادرة بهذا الشأن و التي تنص على إلزام جميع الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 عاما بإلحاقهم في مدارس التعليم الابتدائي وأحكام القانون 32 لعام 2002 الذي دمج مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي بمرحلة واحدة تسمى مرحلة التعليم الأساسي وهي مجانية وإلزامية ومدة الدراسة فيها 9 سنوات.
وقال عقيل إن شعبة التعليم الإلزامي وشؤون التلاميذ تعمل بالتعاون مع مكتب المحافظة للتعليم الإلزامي بمعالجة ظاهرة التسرب عن طريق أمناء سر التعليم الإلزامي في الريف والمدينة حيث تبدأ المعالجة من المدرسة من خلال تشكيل لجان متابعة مدرسية تضم مدير المدرسة وبعض المعلمين والمدرسين وتقوم بالاجتماع شهريا لإحصاء أعداد التلاميذ المتسربين قديما وحديثا ضمن قوائم خاصة لتعمل بعدها وبإشراف أمين سر التعليم الإلزامي على عودة التلاميذ المتسربين بعد أن تتم دراسة حالات التسرب وأسبابها ومحاولة حلها ضمن المدرسة.
وأضاف أن هناك لجنة أخرى تشكل في الحي مؤلفة من مدير المدرسة ومختار الحي تقوم بزيارات ميدانية لأهالي التلاميذ المتسربين لإقناعهم بضرورة عودة أولادهم إلى المدرسة وشرح قانون التعليم الإلزامي للأهالي إضافة إلى وجود مجلس خاص بأولياء الأمور الذي يجتمع مرتين في العام الدراسي لمناقشة أسباب التسرب وطرق المعالجة وإبراز خطورة ظاهرة التسرب من المدارس على الاسرة والمجتمع.
ويقوم كل مدير مدرسة بعدها بإعداد تقرير شهري عند التسرب ويرفعه إلى أمين سر التعليم الالزامي الذي يقوم بدوره برفع تقرير يفصل هذه الحالات إلى رئيس شعبة التعليم الإلزامي في مديرية التربية حيث يقوم بإنذار كافة أولياء الأمور الممتنعين عن إرسال أولادهم إلى المدارس عن طريق أقسام الشرطة بموجب إنذارات موقعة من المحافظ الذي يعتبر رئيسا لمكتب التعليم الإلزامي في المحافظة وبعد الإنذار بعشرة أيام تتم إحالة أولياء الأمور غير الملتزمين إلى القضاء أصولا مبينا انه تم إنذار كافة الطلاب المتسربين هذا العام حيث تم رفع نحو 2569 دعوة قضائية تتم متابعتها في المحاكم.
ولفت رئيس شعبة التعليم الالزامي وشؤون التلاميذ في مديرية تربية حلب إلى العديد من الصعوبات التي تواجه متابعة التسرب لاسيما تأخر الإنذارات في أقسام الشرطة ما يؤدي إلى التأخر في رفع الدعاوى أمام القضاء وتأخر البت فيها مشيرا إلى الجولات الميدانية لمتابعة عمل لجان التسرب وحالاته المختلفة والتي وصل عددها في العام الماضي إلى 25596 حالة تسرب عاد منهم 2194 بجهود لجان التسرب وأحيل منهم إلى القضاء 4024 حالة.
وأوضح عقيل أن مديرية التربية قامت بفتح 125 شعبة فئة ب تضم الفئات العمرية التي تتراوح أعمارها بين 13و 17 سنة لاستيعاب الأميين والمنقطعين عن الدراسة ضمن أربعة مستويات ومنهاج مكثف لتحقيق الأهداف المرجوة منه إضافة إلى معالجة حالات التسرب عن طريق لجنة تحول على المصانع والمحال التجارية والورشات الحرفية لمنع تشغيل الاحداث دون سن الالزام بالتعاون مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد الجمعيات الحرفية اضافة للعمل على فتح شعب داعمة للمقصرين دراسيا في عدة مدارس كمدرستي مجدل شمس وبردى وعقد الندوات التربوية في مطلع كل عام دراسي لشرح قانون التعليم الالزامي.
وقال عقيل إن المرسوم الذي صدر وقضى بتخفيض خدمة العلم ثلاثة أشهر لمن اتم الصف الخامس ونجح إلى السادس شكل حافزا كان له الأثر المباشر والمحسوس في عودة أعداد كبيرة من المتسربين إلى مقاعد الدراسة لمتابعة تحصيلهم العلمي والاستفادة من المرسوم إضافة إلى قيام وزارة التربية بالتعاون مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي وبرنامج الغذاء العالمي بتطبيق مشروع التغذية المدرسية منذ عام 2009 والذي شمل خمس محافظات هي حلب وادلب والرقة والحسكة ودير الزور وقد شمل هذا البرنامج في محافظة حلب عدة مناطق هي سمعان الغربية والشرقية والباب ودير حافر وعين العرب واختيرت 80 مدرسة من بين المدارس الاكثر تسربا حيث يقدم المشروع وجبات غذائية دورية كل شهرين ووصل عدد الاطفال المستفيدين إلى نحو عشرين ألفا.
من جانبه أوضح محمد نواي عضو المكتب التنفيذي لمجلس مدينة حلب ان الحد من ظاهرة التسرب من المدارس ورفع سوية التعليم والحد من اكتظاظ الطلاب في القاعات الصفية مسؤولية جماعية تسهم فيها الجهات الحكومية والمنظمات الشعبية والاهلية لايجاد حلول فعلية وحقيقية قابلة للتطبيق.
واعتبر عبد الحميد ناصر رئيس جمعية رعاية المتسولين والمتشردين بحلب أن التسول لاسيما بين الأطفال الذين تركوا المدرسة يعتبر مشكلة متشعبة يحتاج حلها إلى تضافر جميع الجهود في المجتمع بهدف إعادة إلحاق المتسول بأسرته وتأمين الدعم المادي المباشر لولي الأمر بعد تعهده بعدم تكرار التسول الذي يمارسه ولده والتعهد بمتابعة تحصيله العلمي ومتابعة وضعه بالتنسيق مع المتابعة الأسرية للجمعية والسعي لرعاية المتسول في دار الإيواء وإعادة تأهيله إضافة إلى التأهيل الحرفي للذين تجاوزت أعمارهم 15 سنة وتجاوزوا مرحلة التعليم الأساسي.
وأشار الإعلامي بصحيفة الجماهير عمر مهملات إلى ضرورة اتباع الحلول الوقائية لظاهرة التسرب من خلال التوعية العامة بأهمية الدراسة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وتفعيل دورها والتركيز على الإعلام التربوي و مجالس الأولياء موضحا أن الأساليب التربوية الحديثة تعتمد على الإقناع وتزويد المدارس بالتقنيات التربوية الحديثة والوسائل التعليمية المناسبة وتفعيل دور الاختصاصي الاجتماعي في التعرف على مشاكل التلاميذ المختلفة وإعادة دراسة برنامج التغذية المدرسية.
ولفت إلى دور وسائل الإعلام في إثارة روح التحدي داخل الإنسان وبناء قدرته على صنع مصيره من خلال الاستجابة الفعالة لما ينشر ويذاع داعيا إلى التوسع في البرامج الإرشادية والتنويرية الموجهة لبيان مخاطر التسرب وعقد المؤتمرات والندوات التي تناقش هذه القضية وتوعية الرأي العام بأهمية المساواة بين الأولاد والبنات في حق التعليم وتعزيز برامج محو الأمية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وعرض برامج توضح فائدة التواصل بين البيت والمدرسة بالنسبة لمستقبل الطالب والاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة للتواصل مع أولياء الأمور والمعلمين والطلاب.