غنــوم: مبـاراة بيـن الفنانيـن ليكــون كــلام اللــه فـي أحسـن صــورة
الخط العربي فن أصيل يضرب بجذوره في أعماق التاريخ والحديث عن تاريخه وتطوره وإعلامه عبر العصور حديث ذو شجون
ومن الأعلام الذين جادت بهم أرض الجود واشتهروا بالعالم العربي والغربي الفنان الخطاط المتألق الشغوف بفن الخط والعاشق لأهله أينما حلوا وارتحلوا، حيث شارك في مجموعة من الملتقيات والمعارض كعارض وكمشرف ونال العديد من الجوائز، إنه الفنان محمد غنوم وكان له هذا الحوار:
عناصر لوحتك ومكوناتها قائمة على الخط، فأين شخصية محمد غنوم باللوحة؟
بداية أود القول: إن الحرف العربي هو مفردة تشكيلية مهمة وهي تضم كل عناصر الهوية البصرية العربية لذلك أجد أن هذه المفردة التشكيلية والتي هي الحرف العربي يمكن أن تشكل عملاً فنياً وهو ليس بصرياً وتزيينياً فقط وإنما يمكن من خلال الكلمة والحروف وكذلك من خلال الفن، إن أقدم عمل فني يعكس قضايا وهموم العصر وبالوقت نفسه يحمل التشكيل وهو أساسي لثقافتنا البصرية ويضيف غنوم إنني توجهت لمفردة الحرف العربي حتى أكون منها عملاً فنياً وتجربتي اليوم تجاوزت 35 سنة وأنا ما زلت أبحث وأكتشف أشياء جديدة والتي يرشدني إليها هو الحرف العربي.
نجد الآيات القرآنية في لوحاتك، فما أثرها؟
اختار اللـه الخط العربي من بين خطوط العالم ليكتب به القرآن الكريم ولذلك توجه الفنانون العرب وغير العرب من المسلمين إلى أن تكون أعمالهم متميزة عن غيرها باستخدامها للحرف العربي وهي تحمل كلام الله، ويرى أن بين هذه الأعمال نوعاً من المباراة بين كل الفنانين الخطاطين ليكون كلام اللـه بأبهى صورة ولذلك عملوا على تجميل أعمالهم الخطية والفنية كما أن أعمالي تدخل ضمن هذا السياق والتي أريد من خلالها التعبير والتميز، ويتابع غنوم: إنني أستطيع من خلال كتابة آية قرآنية تجسيد قدسية الحرف العربي والتي تمثل من خلال الألوان، الديناميكية، الحركية والموسيقية وأعتبر تجربتي تحمل في بعض مناحيها تمجيداً لكلام اللـه وأيضاً الاحتفاء بهذا الكلام المقدس من خلال عمل فني.
كيف تحدد عناصر لوحتك؟
لا يمكن البدء بالعمل الفني من دون دافع وعندما أجد الدافع أبدأ بالعمل وفي بعض الأحيان أبدأ الرسم على المسودات وخصوصاً بالأعمال الكبيرة البانورامية، وأحياناً في بعض اللوحات أبدأ باللوحة مباشرة على مساحتها وسطحها حيث تبدأ اللوحة تولد وتتكامل ملامحها.
ما أهمية اللون بلوحتك؟ وما الألوان المفضلة لديك؟
إن اللوحات الخطية بشكل عام كانت تحوي فقط لونين هما الأبيض والأسود، فاللون يدخل باستحياء وبنسبة قليلة جداً، ولكن من خلال تجربتي وجدت أن الألوان عندما أضعها بالعرس اللوني تعطي اللوحة بهجة واحتفائية بكل جوانب العرس اللوني وأن اللوحة الخطية التي تغمس بها كل الحروف والكلمات بالألوان هي أكثر تعبيراً وأكثر احتفاءً بهذا العمل الخطي المعاصر، فلذلك علاقتي مع اللون هي علاقة حميمية فأنا لا أستطيع أن أعيش وأحيا من دون لون، ويؤكد غنوم أهمية أن يكون باللوحة نوع من أنواع الانسجام بين الألوان المستخدمة، ويضيف غنوم إنه من محبي اللون الأزرق وهو اللون الطاغي بكل لوحاتي الخطية ويعود ذلك من وجهة نظره لأنه لون السمو والرقي والنبل وإن المواضيع التي تتناولها لوحاتي الخطية هي نبيلة وراقية فهي تتعلق بالله أو الوطن، فاللون الأزرق عندما أستخدمه بأعمالي الفنية أجده مرشداً ومعيناً لي ويساعدني على تحقيق هدفي من خلال التشكيل الذي أقوم به، وهذا لا يعني أنني لا أستخدم كل الألوان فكل الألوان جميلة عندما تكون ضمن مكانها المناسب ويكون اللون متألقاً ومشرقاً وجميلاً عندما يوضع في مكانه المناسب، وأعتبر نفسي من عشاق اللون وأحب العمل به.
مضامين لوحاتك الخط العربي، عندما تتوجه للمتلقي الأجنبي هل يستطيع أن يفهم الخط العربي؟
أقمت أكثر من 40 معرضاً في دول أوروبية متعددة غير ناطقة بالضاد ولو لم يكن هناك نجاح بهذه المعارض لما كررت العديد من العروض وأقمت الكثير من المعارض الجديدة، اللوحة الخطية العربية ليست فقط للإنسان العربي أو المسلم لأنها تضمن عناصر أخرى غير تلك القراءة الأدبية فهناك أيضاً الموسيقية والتي تعد لغة عالمية، أن عزف الحرف العربي في عناقه والتفافه واجتماعه هو لغة عالمية يستطيع أن يتذوقها أي إنسان غير عربي وإضافة للعرس اللوني والذي يطرب له غير الناطقين بالضاد، اللوحة الخطية أكثر قرباً للعرب والمسلمين لكنها ليست بعيدة عن الأوروبيين والشعوب الأخرى.
للخط العربي أهميته الكبيرة، كما له أنواع، هل لك أن تحدثنا عن الخط العربي؟
للخط العربي أسلوبان أساسيان، هما الأسلوب الهندسي والأسلوب اللين ولكل نوع جماليته الخاصة وهذه الجمالية يشعر بها الفنان عندما يرسم الحروف ولذلك عندما أعمل لوحتي أرى أياً من الأسلوبين أفضل لأبدأ به اللوحة، وأحياناً أقوم بالمزج بين نوعين من الخط العربي وكذلك لا أتقيد بقواعد الحرف العربي، كل ذلك يتم من خلال عملية اختيارية بحتة ولا تتم بنوع من أنواع الإملاء.
ما رأيك بالمزج بين التجريد وغير التجريد في اللوحة؟
الخط العربي فن تجريدي بحت فالمزج بين التجريد وغير التجريد له مخاطر ولا يعطينا ما نريد، عندما نبدع اللوحة الخطية فمعنى ذلك أننا آمنا بالتجريد فناً وعملنا به فعندما نقوم بالمزج نكون كأننا نشك في قدرة الخط العربي على القدرة التعبيرية، برأيي أنني على الإطلاق لا يمكنني أن أكون بشخصية مزدوجة أن أكون بجزء من اللوحة تشخيصيا وفي الجزء الآخر تجريدياً، فالخط العربي هو فن تجريدي بحت، لأن الحروف ليست أشكالاً تشبيهية، ليست يداً أو وجهاً أو عيناً إنها أشكال تجريدية، قد توحي بصعودها وهبوطها والتفافها وعناقها، بما صنعته الكائنات من بشر وشجر وحيوان، عندما تدرس مراحل نشوء الكتابة تبدأ بالمرحلة الصورية عندما عبّر الإنسان عن رغباته برسم الصور على جدران الكهوف، وبعدها انتقل إلى مراحل اختلف حولها الباحثون من رمزية وصوتية ومقطعية هكذا حتى الوصول إلى اكتشاف الأبجدية التي اعتمدت على الشكل التجريدي، كمثال الحروف المسمارية المكتشفة في حضارة «أوغاريت»، وطالما جهد الخطاط العربي في تشكيل الحروف بأبهى صورة ممكنة.
متى تجد لوحتك الخطية متكاملة الأبعاد؟
إن الصعوبة بالعمل الفني ليس كيف أبدأ ولكن كيف أستطيع أن أنهي العمل الفني، ليس هناك لوحة في العالم متكاملة الأبعاد في السابق ولن يكون في المستقبل، هناك بحث يجتهد عليه الفنان ليصل به إلى مرحلة ما، ويبقى اجتهاده بين أمرين تقدم أو تراجع، لكل عمل فني فئة تتذوقه فقد تحبه أو لا تتفاعل معه، والكون يتسع لكل الآراء والأذواق والثقافات لكن في النهاية ليس هناك عمل متكامل لأن التكامل محصور بالخالق فقط، ولن يمكننا مهما بلغنا من العلم والثقافة والدراية والإبداع أن نحقق عملاً متكاملاً لكننا نصبو ونهدف إلى عمل أكثر تميزاً يحمل هويتنا ويظهر اعتزازنا، ويوضح افتخارنا، ويشهرنا بين الشعوب الأخرى.
ما رأيك بفناني اللوحة الخطية؟
التجارب التي تناولت اللوحة بشكل عام وبجدية، هي تجارب ليست كثيرة في حين هم كثيرون من قرروا الارتزاق من خلال اللوحات الخطية وخاصة لوحات القرآن الكريم فقد أصبحت «موضة» ولكن هذه اللوحات هي مجرد مهنة لكسب المال، الفنانون الجادون هم الذين درسوا جمالية الحرف وآمنوا بهذه الجمالية على أنها تستطيع أن تكون لوحة تواكب التطور السريع في مختلف المجالات وتكون لوحة للعصر ترفد كل الحركات التشكيلية سواء كانت في البلدان العربية أو العالم الإسلامي وخاصة في إيران، كما أكدوا أن الخط العربي فن يحيا معنا ويتطور ولا يقف عند حد لأنه فن من إبداع الإنسان ووجدت من خلال مشاركتي بالمعارض العالمية والعربية أن الذين يعملون بهذا الاتجاه من الجادين يجعلونني أعيش بجو كبير من التفاؤل لأن هذه التجارب تكثر والناس يحبون فن الخط العربي لأنه يعبر عن هويتنا ولغتنا وثقافتنا البصرية وهو هذا المداد التي تكتب به هذه الحروف.