لايقونة نشأت في سورية وانتقلت إلى مصر والعراق والعالم
تنتشر الايقونات في معظم دول المنطقة والعالم ولكن قليلين من يبحثون عن نشأتها ومبدعيها السوريين الأوائل حيث كانت سورية أول من أبدعت في هذا المضمار الفني الرائع ومن ثم انتقلت إلى العراق ومصر والعالم.
وتشكل الايقونة في الدين المسيحي بمعانيها الروحانية التي تتجلى بالتقرب من الخالق والصلاة والسجود له إما طلبا للصحة والعون او لغفران الخطايا التي يرتكبها الانسان عندما يخالف ارادة الله ركنا أساسيا من أركان الكنيسة الشرقية عامة والسورية خاصة.
وللأيقونة تاريخ طويل دون في موءلفات لا تحصى الا أن أغلبها كتب من وجهة نظر غربية متناسي كتابها ان فن رسم الأيقونة بادئ ذي بدء كان في سورية وانتقل الى مصر وبلاد الرافدين ومن ثم إلى العالم كما يقول الفنان الياس زيات الذي رسم الكثير من الايقونات وشارك في ترميم العديد منها في الأديرة والكنائس في سورية.
ويوضح الباحث ورئيس دائرة الآثار في اللاذقية جمال حيدر أن مصطلح الايقونة أطلقه افلاطون فالمعرفة عنده تكون بتركيز الفكر الالهي فكل شئ محسوس له أساس في عالم الفكر وهكذا في الكنيسة فان الايقونة لها علاقة بالمثال الذي في السموات ولكن الاختلاف مع افلاطون ان الاشخاص السماويين كانوا موجودين على الأرض وتمجدوا.
ويضيف حيدر أن للشرق بصورة عامة ولسورية بشكل خاص مساهمة كبيرة في خلق الفن المسيحي وتطوره وبلورة أسس الايقونة وقد انتشر رسم الايقونة على نطاق واسع خلال الفترة البيزنطية التي كانت لها الفضل في صياغة عناصره الأولى وبعد غياب الايقونة لعدة قرون عادت الايقونة السورية لتظهر من جديد في القرن السابع عشر.
بينما يؤكد الفنان زيات أن الدليل على أن سورية هي التي صدرت هذا الفن الروحاني العريق والأصيل إلى العالم اللوحات الجدارية التي توجد في غرفة المعمودية في بيت في مدينة دورا أوروبوس الفراتية أو كما تسمى اليوم صالحية الفرات وهو يعود الى منتصف القرن السادس الميلادي.
ويحوي هذا البيت السوري القديم أول أثر مسيحي يدل على نشأة الايقونة السورية وهو لا يزال حتى يومنا هذا شاهد على تلك الحقبة يصارع العوامل الطبيعية ليبقى يشع بنور القداسة الأولى التي ولدت على أرض الحضارات سورية ومهد الاديان السماوية من خلال موضوعات مسيحية مرسومة تدل على ان التعايش والتمازج بين الأديان السماوية كافة التي تعيشه بلادنا اليوم بذرت بذوره منذ آلاف السنين ونما وترعرع ليكبر على هذا النحو الجميل والفريد ويأخذ صورته الرائعة في رحم الايقونة السورية.
ويضيف زيات يوجد في مدينة دورا اوروبوس دليل آخر على أن نشأة فن رسم الايقونة كان سورية وهي المعابد التي توجد جنبا إلى جنب وتعود الى مختلف الديانات وهي المعبد التدمري والكنيس ومعبد ميترا وهي تمثل نموذجا لامجال للشك فيه عن التعايش الديني والتمازج الحضاري.
ويشير إلى أن الايقونات المنقوشة على جدران الكنيسة في صالحية الفرات واللوحات المرسومة في تلك المعابد مصورة بأسلوب متقارب وكأن ريشة فنان واحد كانت وراء هذا الفن العظيم وطريقة الرسم تدل على انه سوري.
ويتناسب فن الايقونات السورية التي انطلقت في القرن الثالث متأثرة بفن تدمر وهو الفن السوري الأصيل في الفترة الرومانية مع صور موجودة في مدينة الفيوم المصرية وهذا مايثبت انتقال هذا الفن من سورية الى مصر وآسيا وبلاد فارس وايطاليا وكل بلدان العالم حيث اصبح يسمى بحسب المنطقة الذي وصل اليها كالفن البيزنطي والاغريقي وغيرها وأخذ هذا الفن طابع البلد المتواجد فيه الا أنه بقي في بلاد فارس محافظا على الطابع السوري القديم على الرغم من تأثره بالفنون القديمة.
ويضيف زيات أنه خلال تطور فن رسم الايقونات ومسيرته من سورية ومصر الى بيزنطة أصبح هناك فن يسمى بالسورياني في سورية والقبطي في مصر وفي بيزنطة مع عودة الفن اليوناني الروماني اصبح لدينا مايسمى بالفن البيزنطي في رسم الايقونات.
ويوجد مخطوطات أو منمنمات سوريانية كثيرة يوجد فيها ايقونات في الفترة ما بين القرن الخامس والسادس الميلادي والثاني عشر والثالث عشر وأغلبها مازال موجودا نظرا لأن الناس يصطحبون معهم المخطوطات أينما ذهبوا على عكس الايقونات العادية وخاصة مع الحركة الرهبانية الا أن هناك انقطاعات كثيرة بين تلك الاعوام لايعرف عنها الكثير عن هذا الفن وماذا حل به.
ويضيف زيات أنه في الفترة الأموية لم يكن هناك مخطوطات مسيحية بل كان هناك رسوم جدارية للقصور أما في الفترة العباسية فكان يوجد مخطوطات عربية ذات طابع أدبي وطبي لها نفس الفن المسيحي وهي تترافق معه ما يجعلها فترة مهمة جدا في تلاقي الفنون المسيحية الاسلامية حيث من هنا بدأ النقش والرسم على أطباق من النحاس بطابع مسيحي واسلامي لايقونات من خلال نقش آيات من القرآن الكريم وجميعها بطابع عربي اصيل وهي موجودة بكثرة في بلاد الرافدين.
ويتابع زيات أن هذا التوجه السورياني الأصيل الموجود في بلاد الرافدين مابين القرن الثاني عشر والثالث عشر يتلاقى في انطاكية مع المد البيزنطي اليوناني وهذا يتجسد في كنائس آسيا الصغرى.
ويؤكد زيات أن أكبر مثال على تلاقي الفن السورياني البيزنطي هو الرسوم الجدارية الموجودة في كنيسة دير مار موسى الحبشي في النبك في ريف دمشق والتي رممت على يد بعثة سورية ايطالية وبعضها يعود الى منتصف القرن الحادي عشر الميلادي .
ويتابع زيات أن أكبر مثال على تمازج الفن العباسي والبيزنطي موجود في كنيسة باليرمو في ايطاليا حيث يجد الزائر أن أرضية الكنيسة والسقف لها الطابع السورياني بينما الرسوم الجدارية بيزنطية الفن.
وحول الانقطاعات في فن رسم الايقونة يقول زيات إنه في الفترة العثمانية ومع حدوث نهضة في الترجمة في بداية تلك الفترة عاد هذا الفن الى الظهور في القرن السابع عشر في حلب وعرف مايسمى بفن الايقونة الخشبية على يد عائلة المصور وعلى رأسها يوسف المصور وكان هناك أربعة أجيال من هذه العائلة توارثو هذا الفن.
وأطلق على فن رسم الايقونات (المدرسة الحلبية) وقد تأثرت بالفن البيزنطي واليوناني.
أما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فقد ظهرت في سورية مدرسة ثانية مختلفة عن الأولى وسميت بـ (مدرسة القدس) لأنها متأثرة بالمطبوعات اللاتينية من ايطاليا .
وفي عصرنا الحالي يتابع زيات يوجد في سورية رسامين اعتمدوا على نسخ الايقونات البيزنطية لتزيين الكنائس في سورية مشيرا إلى أنه لا يؤيد تلك الطريقة بل يفضل خلال رسم الايقونة أن تبقى محافظة على الطابع السوري الأصيل.
ويضيف زيات أنه يشترط في رسم الايقونة أن يتحقق لاهوت الايقونة وأن لايجسد الفنان فيها الشكل الانساني بشبه واقعي بل أن يسمو إلى الرمزية الروحانية .
ورافقت ظهور أول ايقونة في تاريخ المسيحية عدة روايات بحسب التقليد والتعليم حيث يقال إن أول ايقونة رسمت للسيدة مريم العذراء كانت على يد القديس لوقا أحد تلاميذ السيد المسيح وهذا بحسب التقليد.
أما بحسب التعليم فيقال إن أول ايقونة رسمها السيد المسيح بنفسه على منديل أرسله الى ملك قبيلة عربية حكمت في منطقة الرها شمال شرق سورية يدعى الأبجر وسميت بالايقونة التي لم ترسم بيد بشرية .
ويضيف زيات أنه يوجد في جزيرة مالطا ايقونة سيدة دمشق الأصلية والتي نسخت عنها ايقونة وضعت في الكنيسة في دمشق وغير معروف من رسمها وهي تعود للقرن الثاني عشر أو الثالث عشر ميلادي .
والايقونة كلمة يونانية الأصل تعني حرفيا صورة وهي عبارة عن عمل فني ذي طابع ديني غالبًا ما يكون من أصول كنيسة أورثوذكسية شرقية وهي عادة صورة مسطحة تصور موضوعا دينيا كالصليب والملائكة أو شخصية مقدسة كيسوع ومريم والقديسين.
وقد اشتهرت صورة السيد المسيح طفلا محمولا من امه السيدة مريم العذراء كاحدى اشهر الايقونات التي رسمها القديس لوقا ورسم ايقونتين متماثلتين عنها احداهما محفوظة في مقام الشاغورة بدير سيدة صيدنايا والثانية موجودة في أحد أديرة جبل (انوس) المقدس في اليونان.
وللألوان في الايقونة معاني رمزية وكل لون على درجات فالازرق الغامق يرمز للظلام والفاتح للسماء والاحمر للشهادة ودم الرب يسوع أما البني والاخضر فيرمزان إلى الأرض ونباتاتهما والبرتقالي للطهارة والأبيض لحكمة المسن والشيخوخة أما اللون الذهبي فيرمز إلى الالوهية الساطعة كالهالة التي تحيط بالرأس.
ويشار إلى أن رسامي الايقونات كانوا يعتمدون في الماضي في رسمهم للايقونات على قطعة قماش من (التيلا) توضع على قطعة خشبية وتدهن بمادة هي عبارة عن زلال البيض مع (اسميداج) وتترك حتى تجف ثم تحف بورق الزجاج ومن ثم يتم رسمها بقلم من الرصاص وأغلب الايقونات هي عبارة عن صور للسيد المسيح والسيدة العذراء والقديسين والقصص الدينية المسيحية وطقوس العبادة والعبر المستخلصة من تعاليم السيد المسيح وقصص الانجيل المقدس.
أما طريقة الرسم في الوقت الحالي لم تختلف كثيرا عما مضى فلهذا الفن الكنسي لغة خاصة حيث ان الطريقة بقيت ذاتها بالاعتماد على قطعة من القماش بعد تثبيتها على قطعة خشبية يتم دهنها بطبقة من الجص الممزوج بالغراء ثم يستعان بالالوان الترابية الممزوجة بالبيض والخل وبالشمع العسلي احيانا وذلك لحفظها من التلف أو الرطوبة والحفاظ على الألوان.
والجدير بالذكر أنه اقيمت معارض محلية وعالمية للايقونات لاظهار هذا الفن المسيحي الأصيل والذي يحمل طابعا روحانيا وتاريخيا تعاقبت عليه الحضارات فقد اقيم معرضان للايقونة السورية الأول عام 1978 وقد جمعت فيها الايقونات من كل ارجاء سورية وكنائسها واديرتها وتم عرضها في مكتبة الأسد بدمشق والثاني اقيم بمناسبة بدء الالفية الثانية واقيم في متحفي دمشق وحلب الوطنيين عامي 1999-2000 كما تم التعريف بهذه الايقونات عام 2008 في احتفالية دمشق كعاصمة للثقافة العربية .