في ذكرى الجلاء.. الشعب السوري يستلهم تضحيات الأجداد في مواجهة قوى الاستعمار القديمة والجديدة
في لحظة تاريخية تتنقل فيها سورية نحو التجدد يحيي الشعب العربي السوري اليوم ذكرى جلاء اخر جندي فرنسي عن أرض الوطن واعلان ميلاد سورية دولة مستقلة عربية الهوية والهوى وهو يخوض
معركة حماية الاستقلال بتصديه للعدوان الاعنف والاشد همجية على وطنه في سياق تحالف شيطاني بين قوى الاستعمار والرجعية الداعمة للإرهاب و التطرف.
ويقدم الشعب السوري في مواجهته للهجمة العدوانية التي تتعرض لها سورية اليوم في ذكرى الجلاء مثالا للتضحية في سبيل الدفاع عن الوطن يجعل السوريين أكثر تمسكا بسيادتهم وهم يرون بام العين كم تتطلب السيادة من تضحيات.
ويجد السوريون انفسهم اليوم في امس الحاجة لتمثل قيم الجلاء واستذكار بطولات صانعيه وهم يواجهون مجددا مخططات التقسيم واستلاب الهوية الحضارية ليبقى الفارق الأهم بين مرحلة الجلاء واليوم متمثلا في انضمام اطراف عربية وخاصة في مشيخات النفط إلى الجبهة المعادية لسورية ما يحمل السوريين مسؤولية مضاعفة تتمثل في الدفاع عن استقلال الأمة وكرامتها التي باتت رخيصة على بعض مدعي العروبة الذين يتباهون في المحافل الدولية بخلو تاريخهم من اي نوع من المقاومة للاحتلال وانهم لم يخوضوا حرب استقلال مطلقا.
ولان الشعب العربي السوري كان يعلم منذ فجر الجلاء ان حماية الاستقلال بكل معانيه السياسية والاقتصادية والثقافية ستكون المهمة الأصعب بعد انجازه فقد كرس السوريون عبر العقود الستة الماضية عقولهم وخبراتهم وكل امكانيات ومقدرات أرضهم الخيرة لبناء سورية الحديثة المستقلة وكان ذلك سبباً مباشراً في توالي المؤامرات عليها ومحاولات التدخل الخارجي في شؤونها لحرفها عن هدفها الوطني والقومي.
وما كان لاحد ان يركن لانجاز الجلاء والاستقلال الكامل في ظل وجود الكيان الصهيوني الغاصب الذي زرعه الغرب الاستعماري في قلب الأمة العربية ليستنزف به ثرواتها ويهدد أمنها ويشكل متغيراً جديداً وجوهريا في الصراع على المنطقة اذ ان الغرب الذي كان يحضر للملمة نفسه من الوطن العربي عقب الحرب العالمية الثانية اراد ان يترك له موطئ قدم في هذه المنطقة الحيوية من خلال اقامة الكيان الصهيوني ودعمه وحمايته وهذا ما فرض على صانعي الجلاء في سورية معركة مصيرية من نوع مختلف مازالت فصولها تتوالى إلى اليوم.
وكما واجه السوريون عقب استقلالهم مشاريع الهيمنة والتقسيم التي تمثلت باغتصاب فلسطين وبعدها مشاريع تقسيم المنطقة وتحويلها إلى احلاف تحت شعارات سياسية زائفة فانهم يواجهون اليوم فصلاً جديداً من التآمر على وطنهم اجتمعت فيه مختلف قوى الظلام والاستبداد والرجعية والتخلف والتطرف والاصولية للنيل من عزيمة السوريين الذين عطلوا بوعيهم كل تلك المشاريع واسقطوا رهانات الاعداء ودقوا المسامير الأولى في نعش مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تريده الولايات المتحدة عنوانا لهيمنتها على العالم.
وها هم أحفاد يوسف العظمة وسلطان باشا الاطرش والشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو وثوار الغوطة في دمشق وأبطال البادية السورية يجددون اليوم العهد الوطني ويخوضون ببسالة معركة الشرف والكرامة ليقولوا للعالم بان الأرض التي انجبت أبطال الجلاء مازالت تتمتع بالخصب والقدرة على انجاب الأبطال المؤمنين بارضهم وهويتهم والقادرين على حماية عزتهم الوطنية.
ويعلم السوريون الذين يحييون ذكرى السابع عشر من نيسان اليوم انهم يواجهون سايكس بيكو جديدا وان هناك اطرافا اقليمية تريد العودة إلى الواجهة على حساب الشعب العربي وحقوقه المشروعة ولذلك تتحالف مع أعداء هذا الشعب الذين يراودهم حلم قديم باحتلال الشعوب ونسف حضارتها ونهب ثرواتها لتبدو بصماتهم واضحة في جميع فصول المؤامرة على سورية بدءا بتزوير الحقيقة عبر إعلام تضليلي تحريضي مفبرك وصولا إلى امداد المجموعات الإرهابية المسلحة بالسلاح والمال والتهديد بالعدوان على سورية.
ويدرك العالم بعد أكثر من عام من انجلاء المؤامرة على سورية والتي استخدمت فيها كل الوسائل الإعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية ان عوامل انجاز الجلاء قبل أكثر من ستين عاما ما زالت ماثلة في صميم المجتمع السوري وان الوحدة الوطنية وحب الوطن والايمان به والاخلاص لاجله وقدرة الشعب السوري المتجددة على الابداع باتت علامات فارقة تميز هذا الشعب وتمنحه القدرة على ابتكار الحلول الناجعة لمواجهة ما يتعرض له من مؤامرات تستهدف أمنه واستقراره.
وفي ذكرى الجلاء يبدو فشل الدول الاستعمارية واتباعها في المنطقة وعملائها في عجزهم عن فرض اي اجندة غير وطنية على الشعب السوري الرابض على تاريخ عريق يستمد منه العزيمة والخبرة اذ ان الاحفاد يختزنون في ذاكرتهم نضالات الاجداد ضد الاحتلال العثماني و بعده الفرنسي ويحفظون عن ظهر قلب معاني اليرموك وحطين وعين جالوت وتشرين التحريرية ويعلمون ان قوة الشعوب ووحدتها وتماسكها هي الفيصل في أي معركة وطنية.
وبين محطة الجلاء العظيم عام 1946 واليوم يواصل السوريون النضال لحماية الاستقلال واعلاء راية الوطن والحفاظ على بهجة الجلاء وتجديد جذوة الشعور الوطني والقومي والاخلاص لدماء الشهداء وتضحياتهم وها هم اليوم يجددون قيم الجلاء عبر تمسكهم باستقلالية القرار الوطني وتحويل ساحات الوطن لمنابر تعلن باستمرار ان سيادة سورية خط احمر معتمدين في ذلك على تماسكهم الوطني واستعدادهم للتضحية بالإضافة إلى ما حققته الدبلوماسية السورية عبر عقود من انجازات كبرى تمثلت بشبكة علاقات دولية قائمة على الندية والاحترام المتبادل بين سورية واصدقائها وفرت في هذه اللحظة الحاسمة عامل امان ساعد الشعب السوري في حماية كرامته الوطنية وجنبته التدخل الخارجي في شؤونه.